| عزيزتـي الجزيرة
قال الاول: (نرقع خرق الدنيا وتتسع، ونشعبها وتنصدع، ونجمع منها ما لا يجتمع) فالأطر والتعاملات الاجتماعية تتغير عند الكثيرين وفق المتغيرات والتنافسات المادية، فهناك من انجرف خلفها انجرافاً عشوائياً,, لا ينظر إلا بعين المادة ولا يلتفت لسواها متناسياً أو متغافلا مبادىء ومسلمات واخلاقيات تضبط الحياة في المجتمع، وتوحد المسلك والطريقة، وتحفظ كرامته وقيمته,, فاي قيمة لمن لا مبادىء له,,؟؟! وأي كرامة لمن لا اخلاق له,,؟؟!!
ان التسابق الذي يتنافس فيه الكثيرون، ويحصل بيننا في سبيل الوصول الى اكبر قدر ممكن من المادة,, يحمل بين طياته اختلافات في المقاصد,, فمن باحث عن الثراء من أي باب ومن اي مسلك,, قد أعمته المادة عن اي مبادىء او مسلمات او اخلاقيات، لا يهم ان كان طريقه مباحا او غير مباح، المهم ان يسبق غيره في الحصول على المادة,, ولسان حاله يقول: (أوهيت وهيا فارقعه),, ومن باحث عن تلك المادة من طرقها المعروفة والمتوافقة مع مبادىء ومسلمات واخلاقيات المجتمع، ولسان حاله يقول: (انا لمنهاج اليقين اسلك، لا ظلمة اخوضها ولا ارتياب).
وفي مجتمعاتنا وبلادنا الاسلامية تتأطر المبادىء والمسلمات والأخلاقيات لتوافق عقيدتنا الاسلامية التي نتمسك بها ونعتز بها، ونعمل بنور تعاليمها أمرا ونهيا، ونحرص على الاخذ بها بقوة، فلا راي مع الدليل الشرعي، ولا اهواء مع الالتزام بها (أي العقيدة),, فمن التزم بها حاز دنياه وآخرته، ومن ضيعها او حاد عنها ضيع الدنيا والآخرة.
إن المرء ليقف موقف الحائر تجاه تلك التصرفات العشوائية التي تخالف مسلمات واخلاقيات ومبادىء المجتمع الذي يعيش فيه، إذ كيف لشخص ان يتخطى مبادئه واخلاقياته من اجل قليل حقير؟؟!! بل اين العقل المفكر الذي يزن الامور بميزان الحقيقة والواقع ليوازن بين قيمة ما تنازل عنه من مبادىء وبين ما اراد الحصول عليه، كي يرى بعينه حجم الفارق بين قيمة ما تنازل عنه من مبادئه واخلاقياته وبين ما حصل عليه إثر ذلك التنازل,,!! وما أحسن ما قاله المتلمس:
قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير على الفساد |
فالكثير منا قد اشغلته دنياه عن آخرته فافسد مبادئه في ضوء ذلك الحطام,,!! فأصبح منا من يقدم المفضول على الفاضل,, ويهتم بالقشور ويتهاون باللب,, الى ان اصبح الواحد منا يهيم في مهاوي الردى قد تشبع بالانهزامية فلم يعد يقنع بالقليل ولم يعد يغتني بالكثير فإن كان عنده القليل رام الزيادة وان كان يملك الكثير سعى وراء المزيد,, كل هذا بحثا عن السعادة,, فهل مثل هذه الدنيا سعادة ترتجى,,؟؟! بل السعادة كما قال الشاعر:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد |
اما الدنيا فلها من اسمها نصيب ولنتأمل تلك الصورة التي صورها ابو العتاهية حين يقول:
ارى الدنيا لمن هي في يديه عذابا كلما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصغر وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاج اليه |
فقد نقرأ أو نسمع من فتاة مايخالف مبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا ومن ذلك تلك الفتاة المخدوعة المنخدعة التي قالت للمذيع في احد برامج الفضائيات عبر مكالمة هاتفية: (ممكن تتزوجني) ايضا تلك المذيعة التي قالت: (بما انني إنسانة غير مرتبطة ولم احظ بعد بشرف الزواج فهذا بالتالي اعطاني مساحة للعمل والنجاح والتركيز في العمل بشكل قوي) حتى قالت لمن تقابله: (واخيرا إذا كنت متزوجة لن تجدني الآن امامك لعمل هذا الحوار).
قد نجد من الكتاب والكاتبات الذين يشطحون في كتاباتهم ويخالفون بعض تعاليم الدين او يسعون الى مخالفة المبادىء والعادات والتقاليد التي نما عليها المجتمع ونهل منها، مقصدهم في تلك المخالفات اهداف شخصية، وربما كان وراء ذلك اهدافا اخرى يديرونها ويدبرون لها ويسعون للحصول عليها من خلال تلك الكتابات التي يطمحون الى ان ينالوا الشهرة عبر تلك المخالفة.
وعلى كل فالبعض يسعى الى الشهرة حتى وإن كانت من وراء ذكر سيىء مع ان الاول قال قولة حكيمة بعيدة النظرة: (خمول الذكر اسنى من الذكر الذميم) ولسان حالهم كحال ذلك الرجل الذي قال: (لأن أكون راسا في الضلالة احب الي من أن اكون ذنبا في الهداية)، وحينئذ فمن المناسب لحال من يسعى للشهرة من اي باب المهم ان يكون ذائع الذكر ان أذكر أبيات نافعة في هذا الباب تنسب لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه قال فيها:
عد من نفسك الحياة فصنها وتوقّ الدنيا ولا تأمنها إنما جئتها لتستقل الموت وأدخلتها لتخرج منها سوف يبقى الحديث بعدك فانظر اي احدوثة تحب فكنها |
وأخيرا فمن تقرب الى الله تعالى نال الرفعة ونال الذكر الحسن,, والمفاضلة بين الناس حددها الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات الآية 13, (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) فمن كان اتقى فهو بالفضل أجدر,, وفق الله الجميع للخير وللخيرية في الدنيا والآخرة وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيرا.
عبدالمحسن بن سليمان المنيع الزلفي
|
|
|
|
|