| الثقافية
هي مدينة لم يدخلها احد قبلي، وأعرف ان أحدا لم يأت الى هذه المدينة من قبل, داخل كل شيء هي وتخرج من كل الأشياء ولا طريق اليها ولا أبواب لها.
ولكني أتيت محمولا بها، أتيت الى هناك، تبدو المدينة هنا حولي وانا بداخلها أتوسط كل شيء، أتوسط الأشجار والأنهار والأحجار والعواصف، أتوسط كل شيء ولا شيء يتوسطني، ولا وسط لي ولا دائرة تتشكل من وقفتي, أقف الآن ولا أقف، أتحرك في كل اتجاه ولا اجد اتجاها يختلف عن اتجاه، آخذ مكاني من مكانه وارحل في المكان يتهدم كل شيء والاغماءة صامدة في وجهي كما هي في وجه كل شيء، كل شيء لونه أصغر، احاول ان أمحو اللون الأصفر، أمحوه بالأصفر، تتشابه الرؤيا أمامي ولم أعد أرى نفسي، لم أعد أرى الأطراف والزوايا والحصاة، حتى الحصاة الصغيرة التي كنت ألعب بها قد سقطت الآن من بين أصابعي، لم أعد أرى أصابعي, الأشكال واحدة، كل الأشكال تتشكل أمامي في شكل واحد, والألوان، كل الألوان صارت لونا واحدا, اللون الأصفر صار سيد الألوان، أنا سيد الالوان ولوني ماثل في كل شيء يتمثل أمامي, لقد صرت مجرد اصفرار لا زرقة فيه، الزرقة انسدلت على الجانبين,, بين كل جانبين جانبان: جانب يجرني الى الحافة، وجانب يجر الحافة الي, هل من متسع في الوقت لأكمل هذا الهذيان؟ الوقت يتسع، والهذيان يضيق ويضايق ويتضايق، والحافة تصعد من تحت الحافة, ثمة بركان يريد ان ينفجر ، وثمة بحر يمتد باتجاه البركان، البركان يبتلع البحر وينطفىء والبحر ينفجر من داخل البركان.
لم ينقطع الممر لكي أسقط عن هذا العمر لكن الانغماس قد انقطعت بي، والأرض بعيدة، الأرض أبعد من نفسها، أبعد من انفاسها التي لا تنقطع.
اعلق يدي في يدي، وأعلق رأيي في عنقي، وأخرج عاريا من تحت الماء ولم أشرب لأن من يشرب قليلا سيموت كثيرا ومدينة الاغماء رحيمة بالظامئين المتعبين, ما اجمل الرحمة في أوقات الموت، فالموت كثيرا يتعبني، الموت كثيرا يتعب الموت مني ويتعبني, ما أجمل الموت مرة واحدة، ما أجمل الموت في أوقات لا رحمة فيها, هذه المدينة لا ترحم من لا تعرفه، هذه المدينة لا تعرفني ولا تعرف شيئا عن ظمئي، لا تعرف شيئا عن تعبي، ولا أعرف شيئا عن رحمتها التي أخذتني اليها.
الآن سأخرج، سأخرج باحثا عن المصباح الذي كان منتصبا على الجدار, أبحث في داخلي وخارجي ولكني لم أر المصباح ولا الجدار.
سأبحث في داخلي وخارجي ولكني لم أر المصباح ولا الجدار.
سأبحث عن تلك الغيمة التي كانت ساكنة فوق هذه الأرض سأبحث عن الغيمة في كل الأرض، سأبحث عنها كما كنت أبحث عن الأرض في كل الغيوم, هكذا لم أعد قادرا على هذه الحال: لماذا أجد الغيمة ولا أجد الأرض؟ ماذا يفعل بالمطر من لا عروق له؟
هل من طريقة للعودة الى هناك؟ هل ثمة هناك؟ كل ما هنالك يحدث في كل مكان، ولم أكن في غير مكاني, هذا المكان الذي يتمكن مني كلما كنت في هذه الحالة، أو في حالة كهذا الحالة التي يعرفها كل من يبحث في نفسه عن مدينة ترضى منه ما لا يرضاه من نفسه,, ويظل يبحث، وأظل أبحث، حتى أضيع مثله ويضيع مثلي,, وتضيع المدينة بيننا، فلا نلتقي أبدا.
فيصل أكرم
|
|
|
|
|