رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th August,2000العدد:10178الطبعةالاولـيالخميس 10 ,جمادى الاولى 1421

الثقافية

هكذا
التجريب في القصة القصيرة (3)
فهد العتيق
** ,, والواقع أن كثيراً من كتاب القصة المحلية، منذ أواخر السبعينات وحتى الآن، دخلوا في مغامرة فنية لتجريب أدواتهم ولغتهم، على اعتبار أن اللغة الغنية والقوية هي الأساس الحقيقي لأدب جديد يحمل رؤية جديدة للحياة وللواقع، وهذا لا يمنع من الإشارة أيضا إلى أن هذه التجربة القصصية لم تخلُ من نماذج من الكتّاب لم يدخلوا في مثل هذه المغامرات اللغوية والجمالية، وظلت نصوصهم القصصية الأكثر مباشرة وتقليدية والأقل جدّة وحداثة راكدة منذ سنوات طويلة أو قل ثابتة على طريقة واحدة لم تحد عنها فمضت نصوصهم القصصية بصورة ليست سيئة ولكنها أقل قيمة على المستوى الفني والموضوعي من مثيلاتها صاحبة الفكر التجديدي واللغة المميزة، والملاحظ أن بعض التجارب القصصية التي حاولت التجديد لم تستطع حتى الآن التحول من لعبة اللغة والألفاظ الى الدخول بشجاعة في خضم أسئلة الإنسان وأسئلة واقعه، فإذا كانت المغامرة والتجريب مع اللغة والرمز تفيد الكاتب للارتقاء بأدواته الفنية، فإنه بعد ذلك إذا كان يملك الوعي والفكر الخلّاق يدرك أن المغامرة الحقيقية هي في الموضوع دون أي ستار لغوي، إذ يستطيع القاص أن يقترب كثيرا من واقعه بأفكار قوية وعميقة لها رائحة ولون وطعم هذه الأرض، ولكن أيضا ما نريده من القصة الحديثة أن تطرح ذاتها من خلال أدوات فنية راقية وصياغة حديثة ولغة قادرة على توليد دلالات موضوعية داخل النص.
وقد اُتهمت بعض نماذج هذه القصة الحديثة بالغموض لأنها جاءت أقل سطوعا إذ همّشت حضور الأمكنة والشخوص والأحداث، لكن بعض الكُتّاب خرجوا من هذه التجربة بلغة قوية، محققين في نصوصهم التالية حضورا قويا لقصة أكثر ارتباطا بواقعها وتاريخه وهمومه وأسئلته، ومن يقرأ الكثير من التجارب القصصية العربية والمحلية الجديدة التي أظهرت أسماء جديدة لهذا الفن، سوف يجد أن هذا النص القصصي قد اتجه نحو السهولة بعد تعقيد والى الإيحاء بديلا عن التقريرية المباشرة، والى عمق الواقع وتفاصيله بعد أن كان على ساحله مع محاولة ابتكار صور وطرائق وكيفيات سرد وتعبير جديدة تُكتب بلغة شاعرية راقية بعيدا عن لغة القاموس المتكلفة واللعب بالألفاظ ذلك اللعب الذي أفضى بالنص الى الانغلاق على ذاته كما نجد الآن في نماذج قصصية مازالت تراوح في نفس المكان بمضامين قصصية أقل كثيرا من قيمة التجربة على مستوى الفن.
وبالطبع هذا ما يريده المتلقون بكافة مستوياتهم، لغة قصصية موحية وساكنة وعميقة، لغة جدل موحٍ تثير مخيلة المتلقي وتمنحه الفرصة للإبداع وطرح أسئلة الواقع الاجتماعي المعاش مع الإفادة من كل الأشكال الأدبية والفنية من شعر ومسرح وسينما وموسيقى بصوت أعلى للأفكار الخلّاقة والمبدعة، الأفكار القادرة على اختراق المستتر والمسكوت عنه والمتناقض، بطريقة جديدة وأدوات فنية متقدمة أقل طلسمية وأكثر إيحاء وأقرب الى وعي الإنسان من أجل الدخول أو تدشين مسارات جديدة للغة وللفن أي رؤية جديدة ومتجددة للحياة.
ولا أظن أن للغموض في النص الأدبي علاقة بالكتابة عبر النوعية أو تداخل الأجناس الأدبية، نشأ الغموض أو الصعوبة في كثير من نصوص القصة الحديثة بالذات، بسبب أن هذه القصة تخلت عن الشروط التقليدية المتعارف عليها في القصة مثل التركيز على حدث معين أو على بطل معين مثلما تخلت عن الزمن القصصي السائر في طريق مستقيم نحو هدف أو مغزى محدد، إذ أصبح هذا النص يعتمد على اللغة لتفجير طاقاتها الغنية وعلى إبداع صور عالية الفن والتقنية، مثلما يعتمد على أحداث صغيرة متشظية داخل النص تتولد منها دلالات عديدة لا مغزى ولا هدف محدد لها، وربما هناك فرق بين غموض أو إغلاق مقصود وغير مقصود للنص، وبين دلالات متعددة داخل النص تجعل القارئ الذي تعوّد النص القصصي التقليدي يبحث عن حدث واضح أو نهاية واضحة، مع العلم أن النص القصصي الحديث أصبح يتعمد أن يجعل الباب مواربا في نهايته حتى لا ينغلق على ذاته ويقطع صلته بالحياة، لأنه في النهاية نص مكمّل ليس للحياة فقط، ولكن لكل نصوص أدب العالم المفتوحة، في انتظار نص آخر يتمها، ولهذا فإن النص القصصي الحديث الذي يستفيد أو يتداخل مع الأجناس الأدبية الأخرى مثل الشعر على وجه الخصوص يمكن أن يكون مشرقا ومفتوحا ومتعدد الدلالات والإيحاءات الفكرية والفنية، ويمكن أن يكون نصا مغلقا على ذاته أو غامضا بشكل سلبي، لا يقدم للمتلقي القيمة الفنية والموضوعية التي ينتظرها، لأن الوصول للمتلقي بطريقة فنية متقدمة لا تحتاج فقط الى تجربة متواصلة ومُحتشد لها بشكل متميز لكنها بحاجة أيضا الى كاتب صاحب موهبة عالية وقدرة فائقة في الاستفادة من طاقات اللغة الكامنة بالاضافة الى الثقافة والوعي الاجتماعي والفكري الواسع، وهذا كله وحتى لا ننسى بحاجة الى قارئ جاد ونشط وليس الى قارئ كسول أو يبحث عن مجرد التسلية، لأن القارئ جزء مهم من كامل عملية الإبداع الأدبي والكتابة بشكل عام، لأنه يفترض أن يشارك القارئ الكاتب في إتمام النص الإبداعي المفتوح دائما على كل الاحتمالات الفنية والموضوعية،و,, لهذه التداعيات العفوية والمفتوحة أيضا بقية.
(يتبع الأسبوع القادم)

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved