| مقـالات
بكى مرة احد الرجال بحضرتي كان كهلاً يقترب من الخمسين لم يستطع ان يتحمل تذكر امه التي قبضها الله وهو في سن المراهقة لم يعرف قدرها!! يقول: انني لا اتمنى في حياتي الحاضرة الا ان اجلس لحظة مع أمي! فسبحان الله ما اشد تفريط الانسان بنعمه التي يملكها!! وما اشد ندمه على ما يفقده منها! نحن لا نحس بقيمة اصولنا من آباء وأمهات وأعمام واخوال، فإذا فقدنا من فقدنا منهم تمنينا لو اننا استفدنا من تلك السنين التي افلت فقدمنا أثناء حياتهم ما يرضيهم ويُطيب خواطرهم، ولكنها الغفلة واللهاث في الحياة وعدم تقدير نعمة وجود الآباء والأمهات!
وكلما مر الزمن وتكاثرت العبر ادركنا المرمى البعيد للحكمة العظيمة في قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لمن سأله من أحق الناس بصحابتي؟ فأجابه: أمك قالها ثلاث مرات وفي الرابعة قال أبوك.
ان الام وهي منبع الحنان والعطف في الأسرة هي ايضا الجانب الاضعف المحتاج حين يتقدم بها العمر، فقد اعطت خلال كفاحها في بناء الاسرة وتربية الابناء! وبعد الزوال تريد ان تأخذ ان تعيش في فيء من بر الابناء وعطفهم واهتمامهم بها ورعايتهم لحقها واحساسهم بأهمية وجودها وقيمته!!.
وقال لي شيخ معمر فقه الحياة وسبر أغوارها، اذا رأيت من يبكي بحرقة ومرارة اثناء تعزيته في أبيه أو أمه، فإنه في كثير من الأحيان، من تلك الفئة الذين فرطوا في حقوقهم، إنه يبكي ندما وحسرة، اما من برَّهم فإن الرضى والسكينة تُبردان قلبه وتريحان ضميره، لأنه يحس بأداء الواجب وقضاء الحق، والقيام بما أمر الله!
ونظرية هذا الشيخ كثيراً ما تصدق فهي مبنية على خبرة وتجربة في الحياة طويلة.
وقالت لي أم ولدت وربت وعلمت وتعبت حتى كبر أولادها وتزوجوا واستقلوا بمنازلهم، إنني لا أتلقى منهم البر والعطف والعون الذي انشده، إنهم ينأون عني، ولا انال منهم ما كنت اتمناه منهم لكم سهرت عليهم الليالي، وانفقت الصحة والمال، ولكن جزاءهم اليوم هو الإعراض والانشغال بالزوجة والاولاد! ماذا تريدني ان اصنع ان في قلبي حرقة وفي عيني دمعة وفي رأسي صداع منهم!!
قلت لها: يا أمة الله، هوني على نفسك (في كل رأس صداع)!
معظم الآباء والأمهات في عصرنا هذا يشكون من إعراض الابناء خففي درجة الشرهة والعتب عليهم، وذكريهم بأيام تعبك، وانصحيهم بحقوق الأم وما وعد الله به للولد البار، وما أعده من العقوبة للولد العاق، ثم اكثري من الدعاء لهم بالهداية والصلاح، ولا تطلبي الكثير منهم، ولكن اكتفي بالقليل من عونهم المعنوي والمادي، فإنه يبدأ بالقليل وينتهي بالكثير!!
ولا تحمليهم شططا ولا رهقا فإنهم في مرحلة تأسيس وبناء، وستنالين المزيد من نفعهم كلما نضجوا وعقلوا!!
فأدرك أيها الابن بقية عمرك والدتك احرص على برها وعونها، زيارة، وخدمة وكلمة طيبة، ومساندة اجتماعية، ومساعدة مالية! لا تبخل يا بني بالقليل فإن الحرمان اقل منه!
يا بني إن أمك في أُفق الزوال فسارع الى برها، سابق الى رضاها إنها باب من أبواب الجنة مفتوح لك اليوم، فادخل من هذا الباب الحنون الى الجنة، واحذر فجأة ان يُغلق بموتها، إنها اليوم معك، وغدا من الذي يضمن للانسان غدا؟ إن غيبه عند الله! تدارك نعمة الوالدة فقد تندم اشد الندم ان فقدتها قبل ان تقضي واجب البر والمعروف لها، احرص فإن الاعمار ُتطوى والصحائف تُنسخ والموعد الله!
عبدالكريم الطويان
|
|
|
|
|