| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
أقضي وقتاً طويلاً كل يوم مسمراً أمام الكمبيوتر أتنقل بين عوالم الانترنت ولأنني قرأت في الصحف بأن وزارة الشؤون البلدية والقروية قررت اتلاف أشجار البروسوبس المنتشرة في مدن المملكة ولغرابة القرار وخطورة نتائجة فقد دفعني الفضول إلى البحث في الانترنت عن أي مواقع تتعلق بهذا النوع من الأشجار ففوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد كنت أظن أنني لن أجد عنها بالانترنت اية معلومات غير أنني دهشت حين وجدت مئات المواقع عن أشجار البروسوبس تتحدث عن فوائدها وأمكنة انتشارها وأهميتها البيئية والاقتصادية في المناطق الصحراوية كما تتحدث هذه المواقع في الانترنت عن الكتب التي صدرت عن البرسوبس والمؤتمرات العلمية التي عُقدت من اجلها والآفاق المستقبلية لانتشارها والمشروعات العالمية المشتركة الخاصة بها والهيئات الدولية التي مولت الابحاث عنها وهو اهتمام لم تنله فيما يظهر أية شجرة أخرى في الدنيا.
ورغم ان مجال عملي بعيد عن المجال النباتي إلا ان هذا الاهتمام العالمي الشديد بهذا النوع من الاشجار مقابل بعض المواقف المحلية التي تسعى لاتلافه قد حيرني فالعالم يوصي بالتوسع في زراعته والدول تتفق على مشروعات مشتركة لنشره واستثماره بينما بعضنا يسعى للقضاء عليه؟!! إن هذه المفارقة قد استوقفتني كثيراً فقلت في نفسي: هل الذين قرروا اتلاف البرسوبس لم يطلعوا على هذا الزخم الهائل من المعلومات عنه؟! وحاولت ايضا أن أعرف أسباب كل هذا الاهتمام العالمي الشديد بهذه الشجرة؟! فوجدت بعد البحث الطويل ان المنظمات والعلماء والباحثين قد خصوها بهذه العناية الواسعة لأنها الشجرة التي تتحمل الظروف الصحراوية القاسية واعتبروها معقد الأمل لتحسين بيئات الصحاري الكثيرة الجافة.
أما لماذا تنال هذا الاهتمام لمجرد ملاءمتها مع الظروف الصحراوية فيعود ذلك إلى ان الصحاري تحتل ثلث مساحة الأرض اليابسة ومع هذا الاتساع الشاسع فإنها عقيمة وخالية من الغطاء النباتي وكنت أعتقد انه يستحيل تخضيرها لأنها بطبيعتها تقاوم الحياة فهي بيئة طاردة للحياة والأحياء فالنباتات تحتاج إلى الماء والماء لا يتوفر إلا من الأنهار أو الأمطار وكلاهما غير متوفر في المناطق الصحراوية الجافة كما أن الحرارة تكون في الصحاري شديدة إلى درجة لا تطيقها النباتات ففي الصحاري اجتمعت كل عوامل الجدب فقد اجتمعت ندرة الأمطار والجفاف الشديد والحرارة الملتهبة لذلك فإن الحياة النباتية لابد ان تختفي وإذا هي اختفت صار الاختلال البيئي حتمياً على المستوى المحلي والعالمي.
ان اتساع مساحة الصحاري وكونها تجثم على 30% من مساحة اليابسة يجعل ضررها غير مقصور على أهلها كما أن المنظمات العالمية مثل (الفاو) مسؤولة عن تقديم المشورة لكل أقطار الأرض وبسبب ذلك حصل هذ الاهتمام العالمي بالبيئات الصحراوية وكانت أشجار البروسوبس هي النوع الذي أجمعت الدراسات والبحوث على أهميته الاستراتيجية البيئية والاقتصادية في المناطق الصحراوية الشديدة الجفاف والجافة وشبه الجافة.
إن العقم البيئي الذي تمثله الصحاري ليس متعلقاً بقطعة معزولة في المحيط ولكنه يتعلق بثلث مساحة الأرض فالصحاري تشكل فراغاً هائلا وسط أرض مزدحمة بالحياة والأحياء ولأن الصحاري بكل هذا الاتساع ولان العالم اليوم لم يعد يستسلم للأمر الواقع وإنما يبحث عن الحلول لأية مشكلة حتى وان كانت بحجم معضلة التصحر التي قد يتبادر إلى الذهن أنها معضلة طبيعية تستعصي على الحل ومما أوجب أيضا مثل هذا الاهتمام العالمي أن بعض الصحاري لم تعد خالية من الناس كما كانت في السابق وإنما بعد ظهور البترول فيها قامت بها مدنٌ واسعة مكتظة بالناس ومزدحمة بعوامل التلوث مما يجعل الحياة فيها خطرة إذا لم يتوفر لها غطاء نباتي يقابل ما طرأ عليها من اسباب التلوث لذلك ولأن الصحاري والتصحر معضلة لا تخص بلداً واحداً وإنما هي معضلة عالمية يطول ضررها الجنس البشري بأجمعه سواء بطرق مباشرة او غير مباشرة من اجل ذلك كله تكاتفت جهود الباحثين والعلماء مع منظمة الزراعة والاغذية التابعة للامم المتحدة كما شارك في هذا الجهد العالمي برنامج اليونسكو للانسان والمحيط الحيوي وهيئات عالمية أخرى وجامعات شهيرة,, وقد أجمعت البحوث على الأهمية البالغة التي يمثلها البروسوبس لتخضير الصحاري الشاسعة وتغيير هذه البيئة الطاردة وأسفر ذلك عن تكوين اتحاد عالمي للبروسوبس,, وصار هذا الاتحاد العالمي يعقد مؤتمرات دورية عالمية تحتضنها جامعات شهيرة ،تشارك فيها المنظمات الدولية والاقليمية.
إن الجدل الذي ثار حول البروسوبس في الصحف المحلية قد دفعني إلى الاهتمام بهذه القضية الوطنية الكبرى وأدخلني في مجال رحب من مجالات المعرفة وخلق في نفسي حماسا للقضايا البيئية وأصبحت اهتم بكل ما ينشر عن قضايا التلوث او التصحر او الغطاء النباتي وأدركت بأن الاتجاه الى البروسوبس في تشجير الكثير من مدن المملكة خلال السنوات الماضية لم يكن اتجاها محليا عفويا وإنما هو امتداد للاتجاه العالمي وانه اتجاه يعتمد على اوثق مصادر البحث العلمية كما يعتمد على توصيات المنظمات الدولية المتخصصة مثل:
منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (الفاو).
برنامج اليونسكو للانسان والمحيط الحيوي (الأمم المتحدة).
الاتحاد العالمي للبروسوبس.
المشروع التعاوني العالمي لاستثمار البروسوبس وهو مشروع تشترك فيه الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وشيلي.
لقد ثبت للمنظمات العالمية المهتمة بالبيئة وبالاغذية وبالزراعة وبالصحة بأن للبروسوبس اهمية استراتيجية بالغة في المناطق الشديدة الجفاف والجافة وشبه الجافة.
م, رأفت محمود زيني جدة
|
|
|
|
|