أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 9th August,2000العدد:10177الطبعةالاولـيالاربعاء 9 ,جمادى الأول 1421

مقـالات

مع التربويين
رحم الله عثمان الأحمد
عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف
منذ أيام قليلة رحل عن هذه الدار الفانية وكل أهلها راحلون تربوي فذ، واداري فطن ورجل تربية وتعليم من الطراز الأول هو أخونا وزميلنا عثمان بن احمد رحمه الله وتجاوز عنا وعنه بمنه وكرمه,


هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حط ذاعن نعشه ذاك يركب

ولقد كان رحمه الله وكما هو معلوم يشغل مدير عام الامتحانات في وزارة المعارف ولمدة طويلة، وهو بحق وصدق من المؤسسين لوزارة المعارف ومن رجالها الأقوياء والأوفياء النبلاء الأصلاء :


والموت نقاد على كفه
جواهر يختار منها الجيادا

وكان رحمه الله يتمتع بصفات وسمات ادارية وقيادية عالية المستوى جيدة المحتوى، ومن منا نحن التربويين لا يعرف عثمان الأحمد، بنباهته وفطنته وحسن قيادته وقدراته الادارية والتربوية الفائقة، ونشاطه المتجدد والمتعدد حيث كان الناس ناس والزمان زمان .


الى الله أشكو أن كل قبيلة
من الناس قد أفنى الحمام خيارها

ووزارة المعارف تلك الوزارة الأم الرؤوم الحنون التي عم خيرها وفضلها الجميع شمل السهل والجبال، والقاصي والداني، فهي كالشمس تشرق في كل مكان وتدخل الى كل بيت، وكالماء البارد على كبد العطشان في حمارة القيظ، أقول هذه الوزارة القديمة الفتية الجادة المتجددة ان شاء الله أسسها رجال وقام على ادارتها أبطال ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ، ومن دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء حقا انهم رجال عاملون مخلصون لخدمة شباب هذه الأمة الماجدة الصاعدة ان شاء الله التي اختارها الله لتكون مبعثا لنبيه ومنطلقا لدينه ومصدرا لهداية الناس أجمعين حقا لقد قام على تأسيسها رجال وأي رجال في وقت كان الحصول فيه على القدرات والكفاءات من أصعب الأمور، حيث ان سياسة التعليم في كل وقت وحين، تتخذ أسها وجذرها المكين من فلسفة الأمة وتوجهها وهمة أصحابها التربوية كذلك امكاناتها المادية والبشرية المتاحة، هذا ومما يجب الاشادة به في هذه المناسبة ان سياسة التعليم في عهد هؤلاء الرجال المؤسسين، اتسمت بحق وصدق، بالاستقرار في خياراتها واتجاهاتها والاستقرار في أفكارها ومعطياتها، وهذا عامل مهم وكبير لدى أصحاب الاختصاص، كذلك لم يشبها الارتجال والانفعال والانبهار بما لدى الآخرين ولا التناقص والتناقض أحيانا أخرى، والتربية والتعليم ألد أعدائهما ما ذكر قل أو كثر حيث كانت وسائلها واجراءاتها متسقة ومنسقة فيما بينها قادرة في الوقت نفسه على الوفاء بما يجب انجازه، وليس معنى هذا انها كاملة فالكمال لله وحده كما انها أيضا خاضعة للمراجعة المستمرة لتكون أكثر وفاء لما يطلب منها، حيث التخطيط التربوي السليم هو بمثابة ترجمة صحيحة وحقيقية للسياسات التعليمية في كل بلد بعينه، كما انه تجاوز لحدود الحاضر من أجل صياغة المستقبل بشكل أوفى وأجدى وأنفع، وهذا الموضوع طويل ومتشعب وهذا الجيل الجليل والرعيل الأصيل الذي نتحدث عنه لم يكن له مصدر للتربية والاعداد والتكوين سوى الوحيين الكتاب والسنة مع استفادة وبحذر شديد مما جرب وثبت نجاحه وفلاحه من تجارب الآخرين ولا يعارض معتقد الأمة وأساس تميزها بين الأمم ولذا كان هذا الجيل من التربويين منضبطا بمقاييس أخلاقية عالية لا يخرج عمل من أعماله عن هذه المقاييس، عكس المفاليس ممن يسمون أنفسهم تربويين يمينا وشمالا، ان رجال وزارة المعارف المؤسسين والذين تناقصوا واحدا بعد الآخر بالتقاعد أو النقل أو الوفاة وهذه سنة الله في خلقه، ورجل التربية والتعليم وان تقاعد أو توفي فهو صاحب جذر أصيل ونبع سلسبيل ممتد في شعاب الزمن لقد غرس غرسا تكاثرت ثماره وتعالت أشجاره وتفتحت أزهاره اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث ومنها أو علم ينتفع به من بعده حقاً إن رجل التربية والتعليم ذو إرث عظيم إنه يترك أثرا تربويا وعلميا واضحا وبناء شامخا يورثه الأجداد للاحفاد، والعلماء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم، ولذا نجد رجال التعليم في كل وقت وحين محل الاعجاب والاحترام والتقدير أحياء وأمواتا منهم مصابيح الظلام وقدوة الأنام أحيا الله بهم الدارس من العلم ورفع بهم منار الملة، ونفع الله بهم وبجهدهم الجم الغفير والخلق الكثير، وليس من شك أن الدارس المنصف للفكر التربوي في تلك الفترة والذي خلفه هؤلاء الرجال سيجد فيما خلفوه كنوزا تمخضت عن أفكارهم وتجاربهم، وقد يجد البعض فيها أو بعضها أمورا قد لا يستسيغها فكره التربوي اليوم، وعليه الا ينسى ان هذا الفكر التربوي كان حصاد أيام وأوقات وظروف وامكانات معينة مر بها هؤلاء المؤسسون لكن فيها من صنوف العلم والمعرفة والحكمة والتقدير وحسن التدبير القدر الكبير، وقد عالجوا كل ما مر بهم من ظروف ومعوقات بأسلوب تربوي منهجي رصين جمع بين الأصالة والرصانة والموضوعية بمنهج بين وطريق واضح وتدبير وتقدير سلس، وبروح التربوي الناصح المشفق الفطن اللبيب بعيدا عن التكلف والتميع الذي وقع فيه كثير من التربويين في المجالين النظري والعملي, وليس لقائل ان يقول انهم لم يأتوا بجديد، بل اتوا بكل جديد مفيد في وقت كان التجديد فيه ليس سهلا والجديد لديهم كثير، ومن أهمه اقناع الناس بأهمية العلم وطريقة العرض المثيرة والجذابة وهي احدى الخصائص التربوية التي تميزوا بها وكانوا بحق أصحاب مدرسة تربوية تجديدية مشت في ثقة واطمئنان ويقين على مدرجة العصر الحديث، كما ان البعض وبحسب فهمه وعمقه وخبرته وتجربته التربوية قد تجد في أعمال هؤلاء المؤسسين ما لا يعجبه هو, وقد يجد أعمالا وأقوالا واتجاهات قد لا يستسيغها الآن لكن عليه ان يتذكر تماما ان بعض ما يقوله اليوم لن يعجب ولن يطرب غيره غدا, وقد لا يعجب حالا ولا مآلا على قاعدة والحي يغلب ألف ميت وعليه ان يعتاد ويمرن نفسه على احترام آراء الآخرين وهذه مسألة هامة ويحتاج اليها الكثير من التربويين خاصة من هم في مكان الصدارة، أو الجدارة والفكر التربوي لن يقف وان وقف الأشخاص وتغيروا وتبدلوا، والتربوي الكفء يستفيد جيدا من الماضي كما يستفيد بالمثل من الحاضر ليفيد الحاضر والمستقبل حيث ان للتربية جذورها وأصولها الحاضرة والماضية، وتطلعاتها المستقبلية وعلى الجهات ذات العلاقة الا تنسى رجالها السابقين والصفوة المؤسسين والنخبة العاملين والفاعلين، أقول لاتنساهم في أعمالها المختلفة في المشاورة والمداورة، والتخطيط السليم، وفي مناسباتها المختلفة فلديهم مخزون كبير ورصيد جيد، من الخبرة والتجربة والحنكة والمران وحسن التقدير وجودة التدبير الشيء الكثير، والتربية والتعليم أسها وجذرها المتين والمكين الخبرة والقدرة والندرة والدراية وطول المكث وكثرة التجربة مع الانتاج الجيد والعطاء الكثير وهؤلاء الرجال أعطوا في وقت كان العطاء فيه عن البعض أقل والظروف المادية والمكانية والاجتماعية مختلفة والحصول على الكفاءات خاصة من أبناء الوطن ليس كحالنا اليوم ولكن كما قال الشاعر:


واذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام

ان جهد المؤسسين كبير وأثرهم على من بعدهم عظيم فهل يا ترى نفي لهم أحياء وأمواتا هل نهتم بهم وبتراثهم الأدبي والفكري والتربوي، أم ننساهم ونبحث عن غيرهم بدعوى التجديد ونعيش مع الحاضر وننسى الماضي وجهده وتميزه؟ ان كل غيور على التربية والتعليم يرى دوما الاستفادة من خبرات السابقين خاصة الأحياء منهم في التخطيط والمتابعة والتقييم المستمر لخططنا وبرامجنا التربوية فهم أفضل بكثير من الأجانب، بل أفضل من بعض الدورات القصيرة والزيارات المختلفة وليس معنى هذا تعطيلها بل الاستفادة من هؤلاء بجانب برامجنا الأخرى.
ختاما أقول: أليس من الأفضل والأنبل الاهتمام بهؤلاء الرجال بفكرهم التربوي بخبرتهم الطويلة بتجربتهم الثرية بتقدير الناس لهم بالاعتراف لهم بالسبق والصدق بحسن سمعتهم؟ أرجو أن يكون ذلك محل اهتمام رجال التربية والتعليم في بلادنا العزيزة والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved