أحترم الكرة السودانية,, وأقدرها,, وأدين لها,, كأي سعودي,, بالفضل بعد الله في المساهمة بشكل فاعل في وضع اللبنات الأولى للكرة السعودية,, والذين عاصروا تلك البدايات خصوصا التي صاحبت عقد الخمسينيات,, ونصف عقد الستينيات الميلادية يدركون تلك الحقيقة,, وهوما ينطق به التاريخ الرياضي,, ولعلي شخصياً وبحكم بعض القراءات مازلت أتذكر المدربين التوم جبارة الله,, والسر سالم,, وبخيت ياسين، وأحمد عبدالله,, رحم الله الاموات منهم,, وأمد في عمر الاحياء,, وغيرهم, كانت الكرة السودانية مزدهرة في تلك الفترة خصوصا عقد الستينيات (الثمانينيات الهجرية),,، وأتذكر وقتها وكنا تلاميذ (اعتقد في المرحلة الاعدادية) ان الهلال السوداني زار المملكة,, ولعب بعض المباريات امام افضل فرقها وكسبها جميعها وكان من نجومه آنذاك: جكسا، سبت دودو، جاجارين، الدحيش،,, ولعل المباراة العالقة في الذهن لم احضرها لكنني اتذكر ان عنوان جريدة الرياض,, وكان يحرر الصفحة الرياضية آنذاك سعادة الاستاذ تركي عبدالله السديري رئيس تحرير الجريدة الآن,, أكد على ان الهلال السعودي,, احرج الهلال السوداني,,, وشرّف الكرة السعودية بعد ان قدم مباراة رائعة خسرها 1/2.
اذكر هذا للتاريخ,, كمدخل لموضوع لا بد من التطرق اليه,, لكنني قبل الدخول في تفاصيله,, اواصل الحديث لأقول:
ان الرياضة بصورة عامة,, وكرة القدم على وجه الخصوص,, لا يمكن ان تتطور وترتقي ما لم تتوفر لها الامكانات الفنية,, والمادية,, والثانية تصنع الاولى,, والرياضة في أي بلد تتأثر بالمناخ الاجتماعي,, وأحيانا بالمناخ السياسي,, ومن الطبيعي أن المناخ الاقتصادي هو الأساس,, ويلعب دوراً هاماً في المناخين بين مؤثر ومتأثر.
الرياضة السودانية عموماً,, وكرة القدم على وجه الخصوص,, كان لها نصيب من ذلك,, إذ شهدت انخفاضاً في المستوى,, أو على الأقل ثباتاً لم تستطع ان تتجاوزه,, حيث توقفت عند نقطة معينة,, منذ نهاية الستينيات وحتى فترة قريبة بدأت تخرج فيها من غرفة العناية المركزة لكنها ظلت تحت الملاحظة,, إذ تم نزع جهاز التنفس فقط,, في حين مازالت تعيش على المغذي والأجهزة الأخرى، والسبب يعود إلى مناخ التقلبات السياسية التي عاشتها البلاد، وتأثر الوضع الاقتصادي مما أدى إلى هجرة كثير من السودانيين للخارج,, ففقدت الرياضة السودانية القاعدة,, والموهبة التي هي الأساس في بناء القاعدة.
ولعل الاشقاء هناك يذكرون ذلك القرار الشهير في تلك الفترة بحل الرياضة,, بسبب مباراة,, لا ينساها الهلاليون ولا اشقاؤهم المريخاب,!
** الحال نفسه ينطبق على الكرة المصرية الشقيقة,, فهي الأخرى كانت متسيدة الكرة العربية في العقدين السادس والسابع (الخمسينيات والستينيات),, وكنا في الخليج نعتمد على تلك القدرات من مصر والسودان في التدريب والإعداد، ووضع اللوائح والأنظمة,, الخ.
لكن الكرة المصرية,, هي الأخرى تأثرت بالمناخ السياسي في المنطقة,, فتوقفت الكرة المصرية عدة سنوات بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967م، وبعد ان عادت للانتعاش من جديد جاءت اتفاقية كامب ديفيد الاولى في النصف الثاني من السبعينيات الميلادية (التسعينيات الهجرية)، وما صاحبها من قرارات سياسية ادت إلى عزل مصر عن بقية الدول العربية,, في ذلك الوقت الذي تزامن مع نهضة الرياضة العربية عموما والكرة على وجه الخصوص بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله ، وعندما عادت مصر للصف العربي في منتصف الثمانينيات كانت خارطة الرياضة العربية قد تغيرت.
** اتوقف هنا لحظات,,، وبلغة العصر نحفظ ما سبق في أحد الملفات ونضعه في أحد المسارات للعودة اليه لاحقا,, لأتحدث عن موضوع آخر له صلة بالموضوع,, وبإيجاز: في تلك الفترة (نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات),, شهد العالم عموماً,, ومن ضمنه منطقة الخليج فترة الطفرة,, بفضل من الله ومنة منه وكرم، فاستغلت المنطقة تلك الفترة لبناء نفسها,, وبناء الرياضة فيها,, والتركيز على القاعدة فاتجهت إلى المدارس الرياضية والكروية المتقدمة في اوروبا وأمريكا الجنوبية لاستقدام الخبرات المتميزة في مجال التدريب والإعداد,, واللاعبين الاجانب,, الخ, خصوصا في المملكة العربية السعودية، فقد ادرك الأمير الراحل (فيصل بن فهد) ان خير استثمار هو الاستثمار في الشباب,, فكانت الطفرة الحقيقية التي سارت في خطين متوازيين:
تأهيل الشباب فنياً ومهنياً,, وعلمياً, و بناء القاعدة الرياضية الصلبة وهي المنشآت.
وهذا ما أدى الى نقلة كبرى في الرياضة السعودية على المستويين الاداري والفني,, وليس المجال هنا للحديث عن هذه النجاحات,, المعروفة لأقل المتابعين للرياضة السعودية التي وصلت للعالمية في زمن قياسي سبقت به آخرين ليس في المجال الفني فقط,, ولكن حتى على المستوى الاداري والتنظيمي وهم الذين كنا ذات يوم نستأنس برأيهم ونستفيد من خبراتهم وتجاربهم.
** اعود الآن للملف الخاص بالكرة المصرية والسودانية وأضيف لها ايضا دولاً عربية اخرى خاصة في الشمال الافريقي لم تستوعب هذه النقلة في الكرة السعودية,, وهذا التفوق, لهذا نرى ردة الفعل الكبرى عند خسارة أي فريق أو ناد من هذه الدول من ناد سعودي,، وهي الأندية التي كنا في تلك الحقبة ندعوها,, للاحتكاك بها من خلال لقاءات حبية مع منتخباتنا الوطنية,, ونفرح عندما نتعادل معها,, أو الخسارة بعدد قليل من الأهداف, بالنسبة لنا,, لا تمثل لنا هذه اللقاءات في العصر الحالي أية حساسية,, فالفوز يعني تفوق التلميذ على استاذه,, وتأكيد ارتفاع المستوى,, والخسارة دعوة لمعالجة الاخطاء,, فهي واردة في عالم الكرة, وإن كانت تلك النظرة والحق يقال اقل عند الاشقاء السودانيين الذين يعترفون بالواقع,, أكثر من غيرهم.
ما دعاني لهذا الحديث,, وهذه التداعيات,, هو ما حدث في مباراة الهلالين السوداني والسعودي في دورة الصداقة الدولية التي ينظمها النادي الأهلي السعودي في مدينة ابها بمنطقة عسير هذه الأيام,, والتي كسبها الثاني 3/1 واحتج الأول على حكم المباراة,, وأعلن انسحابه من الدورة,, و(يفكر) بالانسحاب من بطولة الاندية العربية التي يستضيفها النادي الأهلي ايضا في جدة خلال الأيام القادمة كنوع من الاحتجاج فقط! وهذا هو المبرر لأن السعودية,, أو بالأحرى الكرة السعودية طرف في الموضوع.
وبغض النظر عن حكم المباراة,, وقراراته,, حتى وإن أخطأ في حق الهلال السوداني,, أقول (وإن) وهو لا يعني انني اقر بذلك!! هل يستدعي الأمر ان ينسحب الفريق من دورة كهذه,, يظل هو المستفيد منها أكثر من غيره سواء الهلال السعودي,, أو الأهلي,؟! وإلى متى تظل الرياضة العربية رهينة ردود الفعل المباشرة تجاه مواقف معينة؟ ليس في هذه الدورة فقط,, ولكن في بطولات ومواقف مختلفة,, مرت هذه الأيام,, وقبلها,, ومازالت,!
لقد خرجت انجلترا من كأس العالم 1986م بهدف من يد مارادونا!
وخرجت المانيا من نهائي كأس العالم 1966م على يد انجلترا,, بمؤامرة كما قيل آنذاك ,وخرجت الجزائر هي الأخرى من كأس العالم 1982م في مدريد بمؤامرة مكشوفة وواضحة بين المانيا والنمسا,,
وكثيرا ما تخرج اندية وفرق عالمية من بطولات أكثر أهمية بأخطاء الحكام,, لكنها تظل محترمة للقرار,, ومسلمة به,, مهما كان! انني متأكد ان الاشقاء في الهلال السوداني لم يدركوا ابعاد القرار,, كونه جاء انفعالياً,,ومباشراً.
فالقضية ليست خسارة الكرة السودانية ممثلة في الهلال المشاركة في بطولة كهذه,, او إكمالها,, تمثل فرصة جيدة للاحتكاك والارتفاع بالمستوى في وقت تشهد فيه الكرة السودانية العودة إلى الميدان!
ولكنها في حجم الخسارة الذي لا ندرك حدوده ومداه,, خاصة ان الأمر متعلق بالاتحاد الدولي لكرة القدم بعد ان اعتمد البطولة,, وأصبح معترفاً بها من قبله.
ان مشكلتنا في الرياضة العربية عموماً,, اننا نخلط بين العادات,, واللوائح,,!
بين (سلوم العرب),, والقوانين!
بين العلاقات الاجتماعية,, والعلاقات الرسمية,.
نريد كرم الضيافة,, أن يشمل اللوائح,, والقوانين,.
والعفو عند المقدرة ان يمتد إلى الانظمة والقرارات.
وهذا ما يؤثر على مسيرة الرياضة العربية,, وعلى تقدمها,, ولعل مراجعة لكل البطولات العربية دون استثناء تؤكد تلك الحقائق,, واسألوا (دينمو) الرياضة العربية وأمين سرها الاستاذ عثمان السعد الأمين العام للاتحاد العربي للالعاب الرياضية,وأرجو ألا يفهم البعض كلامي السابق على انه دعوة للصمت عن حقوقنا,, لكن الحصول على الحق,, له اسلوب,, وطريقة,, فما (هكذا تورد الابل).
تبقى نقطتان اساسيتان,, لا بد من التأكيد عليهما:
الأولى: ان بعض لاعبي الهلال السعودي اخطؤوا التصرف في التعامل مع الموقف,، خاصة وأن الحكم قد أنصفهم.
الثانية: انني متأكد من أن ردة الفعل تلك من قبل الهلال السوداني,, لا تمثل كل المنتمين لهذا النادي العريق,, ومحبيه,, ولا تمثل رأي الكرة السودانية.
هذه الكرة التي فرحنا بعودتها لساحة المنافسة الشريفة,, وفرحنا لخروجها من غرفة الانعاش كما قلت في البداية لتساهم مع اشقائها من الكرة العربية او الافريقية في رفع مستوى الكرة في هاتين المنطقتين.
وعزاؤنا في انسحاب الهلال السوداني,, بقاء المريخ مشاركا بفعالية في هذه الدورة,, مقدماً أجمل وأمتع العروض التي تؤكد عودة مبشرة للكرة السودانية,, وأن يتوج هذه العروض بنتائج أكثر تشريفاً,, تؤكد البصمة المميزة لهذه الكرة.
وحتى لا (يزعل) مني بعض الاشقاء السودانيين,, ويفسر كلامي على غير مقصده (داير) اقول لهم حاجة, أنا (هلالابي),, وأحب(الهلالاب) لحاجة في نفس يعقوب,, لكنني احترم (المريخاب),, وكلمة الحق يجب ان تقال,, (بالقاف وليس بالغين),,!!
والله من وراء القصد.
للمراسلة:raseel@la. com
|