| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
إنني من عشاق الخضرة وفي الوقت ذاته مصاب بالحساسية ولما قيل إن الأشجار المنتشرة في مدننا تسبب الحساسية أصبت بالكثير من الإحباط ولكنني لم أكتف بالتوجع وإنما رأيت انه لابد أن ابحث وأن أتأكد لأعرف الحق بنفسي لأن الأمر له علاقة بواحد من الإنجازات البيئية الوطنية الهامة لذلك يكون الاستقصاء واجبا على كل القادرين خاصة بعد أن توفرت وسائل البحث بواسطة الإنترنت الذي صار في متناول الجميع وبعد البحث في شبكة المعلومات العالمية عرفت أن آلاف النباتات وقت التزهير يتطاير في الجو لقاحها وأن الهواء ينقل هذه الحبوب لتلقيح الأشجار ليستمر التكاثر وأن هذه الحبوب المتطايرة في الهواء تسبّب الحساسية لمن لديهم استعداد وراثي لمثل هذا التحسس كما عرفت ان هذه الخاصية النباتية هي إحدى آيات الله الكبرى الدالة على حكمة الخالق فلا شيء بدون حكمة فلولا هذا التطاير لحبوب اللقاح لأنقرضت النباتات ولكننا نبادر بالشكوى واللوم قبل ان نبحث عن أصل الظاهرة وقبل ان نتعرف على الحكمة التي أرادها الخالق سبحانه.
وقد كانت الحساسية التي أشكو منها كما كان الجدل الذي ثار حول الأشجار حافزا بأن أغرق بالانترنت لأعرف كل شيء عن البروسوبس وعن الحساسية كما جعلني ذلك أتابع ما ينشر في الصحف وأن أبحث في الكتب والمجلات فتبين لي بعد هذه المتابعة الطويلة أن الحساسية منتشرة في كل الدنيا وأنه يعقد لها مؤتمرات دائمة وأنها احدى معضلات الطب الحديث وأنها في حالة تزايد في كل البلدان وأن أسبابها تتنوع بتعدد الأشخاص وأنها تستشري مع نمط الحياة العصرية كما عرفت من هذه المتابعة الملهوفة بأن الغبار الذي يكثر في الصحاري هو أحد مسببات الحساسية وهذا بالذات هو الذي أحاول تقديمه بهذه المشاركة القصيرة.
إننا في هذه البيئة الصحراوية الغبراء نتنفس هواء مشبعا بالغبار ولكننا لا نلاحظ ذلك الا حين ينزل المطر حيث تكون زخاته الأولى مخلوطة بالطين ويظهر ذلك على السيارات والبلاط والإسفلت كما أننا ننتبه لاغبرار الجو حين نعود من سفر إلى بيوتنا فنجد الغبار قد امتد إلى كل مكان في البيت وحتى الغرف المغلقة.
ولكي يقتنع القارىء بأنه يتنفس هواء مملوءا بالغبار أدعوه بأنه يتذكر شكل سيارته حين يعود من سفر حيث سيجدها قد اكتست بطبقة من الغبار وكذلك إذا ترك رصة من الجرائد بضعة أيام فإنه سوف يصاب بالعطاس إذا حاول قراءتها أو نقلها من مكان الى آخر حتى ولو كان قد تركها في مكان مغلق لأن البيئة الصحراوية مليئة دائما بالغبار,,, والذين يتعاملون مع الكتب يعرفون هذه المشكلة معرفة تامة لأنهم يعانون منها باستمرار.
والأطباء المتخصصون لم يهملوا تذكير الناس بأن الغبار من أقوى أسباب الحساسية في المناطق الصحراوية الجافة فالدكتور حرب الهرفي استشاري الحساسية والمناعة بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يؤكد بأن: ذرات غبار السليكا الصحراوية هي من الأسباب المهمة للحساسية,,, وبلادنا مليئة بالرمال التي تتكون من السليكا.
وأهل الاختصاص بالجغرافيا الطبية أيضا يؤكدون هذه العلاقة بين غبار الصحراء والحساسية فهذا الدكتور عبد العزيز طريح شرف في كتابه (البيئة وصحة الانسان في الجغرافيا الطبية) يصرح بهذه العلاقة فيقول: ,,, وتعتبر الأتربة والرمال الناعمة التي ترفعها التيارات الهوائية الصاعدة أو التي تنقلها الرياح من سطح الأرض المكشوفة ذات التربة المفككة: مظهرا من مظاهر التلوث الطبيعي التي تنتشر انتشارا واسعا في الأقاليم الجافة وشبه الجافة ومن أقوى مظاهرها العواصف الترابية والرملية التي قد تؤدي الى نقل كميات ضخمة من الأتربة والرمال الناعمة الى مراكز العمران التي تمر بها أو قد تبقى بعض أتربتها الناعمة عالقة بالجو لفترات طويلة ومن الثابت أن الهواء الملوث بمثل هذه الأتربة له علاقة قوية ببعض أمراض العيون مثل التراخوما وبعض الأمراض الصدرية وأمراض الحساسية مثل الربو,,,
وفي البحث العلمي الذي أصدرته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لم يكتف الباحثان بإظهار أن ارتباط الحساسية بحبوب لقاح النباتات هو ظاهرة نباتية عامة وليست مقصورة على نبات دون غيره وإنما أوضحا أيضا أن فوائد الغطاء النباتي كثيرة وهي تغطي على أية عيوب قد تثار ضده ومن فوائده أنه ينقي الجو من الغبار ويقول الباحثان: ,,, ومما يجدر ذكره أن الغبار بمختلف صوره وتباين مصادره يعتبر من مسببات الحساسية,,, والأشجار تعتبر من الحواجز الحيوية التي من شأنها ان تحجز كميات وافرة من غبار الجو لقد تبين أن هكتارا واحدا من الأشجار إبرية الأوراق يستطيع أن يحجز ثلاثين (30) طنا من الغبار سنويا يقابلها ثمانون (80) طنا يستطيع هكتار واحد من عريضات الأوراق احتجازها في السنة أي أن الأشجار تلعب دور مصفاة طبيعية تنقي الجو من غباره بكفاءة عالية فإذا كانت الأشجار من الأنواع التي تثير الحساسية بواسطة حبوب لقاحها وقت التزهير فلنا آنذاك ان نبحث في المحصلة النهائية لكفاءة النوع المعني في حجز الغبار من جهة وإثارته للحساسية من جهة أخرى,,, هذا مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار الفوائد البيئية الأخرى التي تقدمها الأشجار في تلطيف الجو والحد من قاريته وحفظه للتربة وتغذيته للمياه الجوفية ورفع معدل الهطول المطري,,, إنني كواحد من المهتمين بالبيئة وتجاوبا مع رغبة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام ورئيس اللجنة الوزارية للبيئة أقدم هذه المعلومات كما اتقدم لسموه بعظيم الشكر على وقف قرار تدمير الغطاء النباتي الذي تشتد حاجة المدن اليه بعد أن صار هواؤها مليئا بعوادم السيارات والسموم الضارة التي لا يخلص الهواء منها سوى النباتات.
منصور عبد الله الكديان الرياض
|
|
|
|
|