| منوعـات
الحنين إلى الماضي,, يشمل الزمان والمكان، فالزمان قد يكون زمن الصبا والتطلع إلى المستقبل، وأحلام الطامحين، لكي يحققوا آمالهم بالكد والجد والعلم والمكان,, ارتباط في الدرس والعمل والسعي في الأرض,! ويتعمق في النفس والذاكرة أصداء الأيام الخوالي، لاسيما في ربيع العمر وربيع الحياة الزاهر، فإذا تصرمت الأيام، ذكرها المرء، وقد تكون قاسية وصعبة، ومع ذلك,, فإن لها صدى، لأنها أيام حيوية ونشاط، ولأنها ماض، وشطر من العمر ومن الزمن، إنها الأيام، نراها من خلال شريط الذاكرة، حيث انحفرت فيها وظلت شاهداً على الماضي بألوانه وأصباغه,!
دفعني إلى هذه المقدمة، قصيدة، عنوانها: لأمس المصيف للأديب الشاعر الأخ الاستاذ حمزة أحمد الشريف قرأتها في الإربعاء يوم 10 ربيع الآخر 1421ه، ولعل مطلع القصيدة، هو الذي حدا بي إلى الإلماح عن الماضي، أيام الشباب، وما أجمل تلك الأيام,, التي تمر دون أن يحس بها الإنسان، فإذا تجاوزته وتجاوزها، ذكرها بكثير من التشوق واللهف، غير أن الذي يمضي لا يعود، فسلام على ايام الصبا وزهرة العمر كما أسماه الكاتب الكبير توفيق الحكيم.
وبعد السنين الخوالي وكسر الليالي رجعت إلى طائف من خيالي |
جميل قوله: إلى طائف من خيالي، فهو يشير إلى المصيف الجميل الطائف ، وإلى سبح الخيال وتطوافه عبر الآفاق الفساح، والجنات المعروشات,! ويقول:
رأيت الثلاثين عاماً وقد لونت كل شيء.
وعادت تعيد زماني إلي،
وللذكريات أحاسيس حبي،
هنا كنت بالأمس,, لكن أمسي مضيء،
أجل,, فإن مضي نحو ثلث قرن، تلون أشياء كثيرة في الأيام، وفي الشباب، فتبيض الفودان، ويشعر الإنسان بثقل السنين وهموم الحياة، إنها متغيرات وهي أغيار,, من كرّ الجديدين, ومع التلوين، فهي تسجل انسلاخ الأيام,, التي تشغل الإنسان الحي بحسابها، وحس الشاعر في مقدمة العادين، والذكريات من بقايا: ما يعتلق في الذهن والنفس، والشاعر يتذكر، وهو يسعى في ربوع الطائف، يستعيد أيامه المواضي هناك، أيام الصبا والتحصيل العلمي، لذلك نراه يثني على ذلك الماضي، لأنه مشع، وهو صادق، لأنه في سبيل المعرفة والارتقاء في الحياة بالتعليم!.
* ونمضي مع الشاعر في هذا التصوير الجميل، وهو يخطو في الآكام وقد فرغ بعض الوقت,, من ثقل العمل الوظيفي، وفرغ آله من شيء من أثقال الحياة,, في الدرس وفي غيره، فيردد الشاعر المجيد,, وان من بواقي الأيام امتداد الفضاء:
ومنه تبقى امتداد الفضا
يشف عن الأمس قلب حنون
وعين تفسر سر العيون
وأخبارها خزنتها السنون
وما غيرتها عوادي الظنون
وأنا أقول:
وعين تترجم سر العيون
وأخبارها حفظتها السنون
وجميل قول شاعرنا المجيد:
وما غيرتها عوادي الظنون
وآه,, ثم آه من الظنون وعواديها وعقابيلها وأدرانها,!
* وجميل كذلك سرد شاعرنا:
وبين القلوب رباط وطيد
وقد جمع الحب كل المحبين في يوم عيد
سألت,, سألت، أجابوا، أجابوا
ودار الحديث شجيا، وتقت محبا
لما قد اصابوا
ويعود إلى الماضي بحنين ووجد، لأن الشاعر مشوق، والماضي الذي من هذا الطراز الصلة به موصولة,, إلى أجواء عالية، لأنها هوى، وهي مرتبطة بالمعرفة وحدها، لا يزاحمها سواها,, من شواغل الحياة والقلب، إنه القلب الذي شبهه الشاعر بزهرة متفتحة,, لطالب يسعى إلى المعرفة، كمن يحلم بروض جميل جذاب:
عليها من الأمس وشي الجمال
وفيها من اليوم زهو اختيال
وجميل قوله:
وفي صدرها الرحب تنمو الغلال
في هذا التصوير كناية جميلة، وهو نمو الغلال الفاكهة، وقد ارتبطت بالصدر، وقد لايقصدها الشاعر، لكني جنحت إلى ذلك من تصوير الشاعر الكبير فؤاد باشا الخطيب، صاحب قصيدة الطائف التي مطلعها:
أيها الهاجع قد حان البكور
وانطوى الليل كما تطوى الستور
حتى قوله: ولقد حدثني رومانها,.
* تحية للشاعر الأخ الاستاذ حمزة الشريف في إبداعه وتحليقه، وهو يتذكر الماضي، ويصله بالحاضر، في سبحات شاعر محلّق مجيد.
|
|
|
|
|