| الثقافية
* عرض ع,ش
إذا تأملت إصدارات الروائي الراحل عبدالعزيز مشري لا تجد فيها عادة إلا هم المنجز الإبداعي الذي يتمثل في مشهد روائي، أو مذهب قصصي جميل,, غير ما عرف عنه كتابة المقالة الأدبية والثقافية لكنها الكتابة التي لا تلتزم مبدأ النظرية، او أسلوب التنظير,, فتلويحته الأسبوعية في الجزيرة الثقافية تحديداً كانت ذات طابع استعراضي يمزج التأمل الواعي بالمشهد الروائي الذي يعده غالباً في سياقات الإبداع تحديدا, وإذا ما عدنا إلى الوراء صوب تلك البدايات البسيطة والحالمة للمشري يرحمه الله سنقف عند كتيب باقة من تاريخ أدب العرب الذي ألفه في بداية رحلته مع القلم,, وهي المرحلة التي سبقت تجربته الروائية والقصصية التي توجها بالعديد من المؤلفات والاصدارات.
حاول المشري في هذا الكتاب أن يكون عامّاً، شاملاً يتلمس تلك الدروب الطويلة في هم الكلمة، وعناء الابداع الذي كان يحترق به,, فهو المبدع الذي يتمنى التزود بالثقافة والوعي ليطلع قراءة وكتابة على أبرز تلك التجليات الأدبية التي يجسدها حضور الشعر اللافت والقوي حتى أصبح الشعر هو التاريخ الحقيقي لنا نحن العرب.
يقع هذا الكتاب في نحو 134 صفحة من القطع المتوسط قدم له أمير منطقة الباحة سعود بن عبدالرحمن السديري,, وجاء بتمهيد من المؤلف يشرح به العلاقة القائمة بين الناشئة وبين المؤلفات الثقافية التراثية,, مشيراً في هذا السياق إلى ضعف هذه العلاقة، وهشاشتها.
ويؤكد المشري يرحمه الله في مقدمة كتابه على أهمية عرض التراث بصورة جديدة ومبسطة تريح الباحث، وتفيد القارىء,, وتؤكد هذه المقدمة الهادئة حرص المشري وتعلقه بالتراث الأدبي، الذي يعد سنداً وعوناً لأي أديب وباحث,, فضلاً عن ذلك فإن المشري قد استلهم التراث في أعمال لاحقة لهذا الكتاب,, ربما تجسد في روايته (الحصون) الصادرة عام 1992م.
تاريخ أدب العرب فاصلة جديدة نطرقها لأول مرة لنتعرف على هذه التجربة التي لم تدخل في قائمة أعمال المشري والتي تستهل عادة بقصص موت على الماء 1979م وتختتم بالجاردينيا وهي قصص أيضا صدرت عام 1998م عن دار الكنوز ببيروت,, لكن هذا الكتاب لم يدخل في سياق أعماله,, لا أدري شيئاً عن سبب ذلك,, إنما أجدها فرصة مناسبة للحديث عن شيء جديد قديم رحل المشري وتركه لنا,, فهو حق للقارىء أيضا,, ربما لم نتجاسر في حياته ونطلب ايضاحا أما وقد أصبحنا في فضاء رحيله فمن الممكن الحديث عن أي مؤلف مطبوع.
المشري في هذا الكتاب يقارب، ويحقق ويستميل الذائقة إلى ما أعده في سياق هذا المشروع التنويري الصغير,.
هذا الكتاب الذي يتكىء على جملة من القراءات الاستنباطية من ذخائر العرب الأدبية مثل: البيان والتبيين، نهج البلاغة، جواهر الأدب، الموشى، تاريخ الأدب العربي، العقد الفريد، رياض الصالحين ومراجع أخرى اعتمد عليها المؤلف في تأليف كتابه التراثي,, لتؤكد هذه الاستنباطات أن الهدف من هذا الكتاب ينحصر في البعد التجزيري للمنجز الأدبي الذي يتكىء عليه المبدع,, كما أن أهداف الكاتب ومراميه الأخرى تأخذ شكل التوحد نحو المعرفة، والتأمل في ذخائر العرب,.
الكتاب رغم بساطته، وسهولة إعداده يعد بعداً ثقافيا لمشروع الروائي والقاص الراحل عبدالعزيز مشري، وهو تأكيد على أن منطلقات ابداعه هي في الأساس لا تخرج عن هذا التواصل المعرفي المدهش بالتراث الأدبي والفكري.
واعتمد المشري في كتابه على اختيار روائع من الشعر العربي الجاهلي، وما بعد الإسلام، مفردا في استنباطه للقصائد عيون الشعر,, الذي ما زال يدوي في كل الأرجاء رغم تقادم عهده.
واختار بعد الشعر الخطابة ليفرد في هذا المنحى الذي تشكل عليه الكتاب فقد أورد العديد من الخطب البليغة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والخلفاء الراشدين,, كما استعرض في هذا الكتاب باقات مختلفة من حكم وأمثال العرب، وبعض المقولات التي خلدت أصحابها لأنها استطاعت أن تصف عين الحقيقة لتصبح مادة مناسبة يمكن أن تتعلم منها الأجيال العديد من الدروس النافعة.
ولم تكن مادة هذا الكتاب الذي اعتنى به المشري هي من قبيل الجمع والضم، إنما كانت معدة بشكل متوازن لا تطغى مادة تغم على مادة تبعث السرور,, لم يجعل الأمر هزلاً إنما جاء بالحكمة، واقتنص الطرفة,, ومال إلى القصة الهادفة، والرواية الفريدة,, تلك اللوحات الفنية المميزة التي تمتزج فيها ألوان الحياة، وخطوط التجارب الضاربة في أعماق الإنسانية.
* إشارة:
باقة من تاريخ أدب العرب.
عبدالعزيز صالح مشري.
مطابع الأصفهاني جدة بدون سنة طبع.
|
|
|
|
|