تفجعنا بين الحين والآخر أرقام وقوعات الطلاق، ذلك الغول الذي يهدم البيت على من فيه,, وقد يكون أكبر ضحاياه طيور بُهم، لم يزل الزَغَب يُعري عنهم جلدا طرياً، لا يقوى على رياح الزمن العاتية.
الطلاق الذي يغتال براءات الطفولة، ويئد أحلام الكبار (الوالدين) هو أبغض الحلال عند الله، ومع ذلك نراه يُقترف يومياً بأبصار مفتَّحة وبصائر كالضمائر معطلة.
فأين ضمير الأب والأم حين يضيع الأطفال الأبرار بينهما دون جريرة,, وما الفارق بين وأد البنات في الجاهلية ووأد الأبناء ذكوراً وإناثاً,, صغاراً وكباراً,, بعد مرور آلاف السنين من الحضارة الإنسانية على ذلك العمل الجاهل الذي جرّمه الإسلام حين قال سبحانه وتعالى: (وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت؟)التكوير8-9,, وإذا كان القياس واحداً من أبواب الاجتهاد، فإنني أزعم أن هناك عقوبة على الوأد المعنوي الذي يقع على أبناء المطلقين، وقد يصل أحيانا إلى حد الضن بالماديات الضرورية لحياة كريمة.
لأتفه الأسباب يقوم الشجار بين الزوجين,, ربما عدم الرضى عن النظافة,, أو المطبخ,, أو صراخ الأطفال وعراكهم,, أو عقدة الاستعلاء من الرجل، أو المرأة,, كتلك المعلمة التي قالت لزوجها وكيل الرقيب احمد ربك إني راضية بقطعة جندي ,, ناهيك عن الطلاق بتأثير الغير وخاصة الحموات,, ولست أدري كيف تصل الغيرة بالأم إلى حد أن تهدم بيت ابنها أو ابنتها,, وماذا تستفيد إذا خسر ابنها نفقات الزواج الباهظة والتي ربما جمعها في سنوات,, أو إذا عادت ابنتها إليها مطلقة وفي يدها طفل أو أكثر أحيانا,.
القضية الجديرة بالمناقشة اليوم هو دور القوامة الذي يقع على عاتق الرجل بموجب قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء 34.
بعض الرجال يعتقد ان هذه القوامة هي سوط يمارس به قهر المرأة، وهي حالة مرضية لا يقاس عليها ونسأل الله لصاحبها العافية, أما القوامة عند عموم الأسوياء فهي بمعنى مسؤولية الرجل (خاصة) عن استمرار الحياة الأسرية بأمان، ويقتضي ذلك منه كثيراً من الصبر على تهذيب خصال قد لا تلائمه في الطرف الآخر,, وحتى في حالة سوء العشرة لماذا لا ينزع الإنسان إلى كلمات ربه (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)فصلت 34,, فإذا أساء أحد الطرفين عشرة الآخر غفر له ورده بالحسنى فتلك الطريقة تجعل الإنسان يؤنب نفسه ويراجع تصرفاته وغالبا ما يعترف بخطئه ويعود إلى صوابه,, وتسير القافلة بأمان,, وإذا كان الحمق معول هدم البيوت وتشريد الأطفال فإن دونه عزائم الصبر من الرجال,.
ولقد ضربت امرأة أيوب عليهما السلام المثل الرائع في صبر المرأة على زوجها في بلائه، فإن لنا معشر الرجال في النيسابوري القدوة والمثل فقد ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى: قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرضى عملك عندك؟ قال: كنت في مقتبل شبابي يجتهد أهلي ان أتزوج فآبى, فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان إني قد هويتك, وأنا أسألك بالله أن تتزوجني, فأحضرت اباها وكان فقيراً, فزوجني وفرح بذلك, فلما دخلت إليَّ رأيتها عوراء عرجاء مشوهة, وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج, فأقعد حفظا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً وكأني على جمر الغضا من بغضها, فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عمل هو أرجى عندي من حفظ قلبها .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يصف صبر النيسابوري إن هذا من عمل الرجال .
فيا أيها الرجال,, أصلحوا ذات بينكم في بيوتكم، وكونوا كما كان رسولكم الكريم خيراً لأهلكم,, ولا تخرجوا (الكارت الأحمر) إلا بعد الآلاف من التنبيه والتوجيه ومثلها من الكروت الصفراء,, فبيوتنا ليست مباراة في كرة القدم حكمها لا تفارق شفتيه (صفارة)الطرد لأوهى الأسباب.
* وكيل إمارة منطقة عسير المساعد
|