| مقـالات
أطفال اليوم مختلفون كثيرا عنا، فهم يتحدثون بطريقة منظمة ومفهومة ويحظون بمعاملة افضل مما كان عليه الحال في أيامنا، ولا ننسى ايضا أنهم يستفيدون بمعطيات التقنية والإنترنت والفضائيات العربية وغير العربية لتنمية مصادر معلوماتهم، الا ان الملاحظة تأتي عندما نراقب الاسلوب الذي يفضلون استخدامه في التعبير عن استيائهم من الآخرين، إذ لا يتردد أحدهم مثلاً في كيل الشتائم او الاعتداء بالضرب وإتلاف الممتلكات، دون النظر لمكانة الشخص المقابل أو مجرد احترام فارق السن والخبرة, هذا السلوك لم يكن معروفاً فيما مضى حتى يدخل في حسابات الصواب والخطأ، بل وربما وصف بالأمر المحرم والمحذور، وهي مسألة تبريرها بسيط جدا فالسماح بالمجادلة والكلام للصغير وقتها كانا ضرباً من ضروب الخيال، ولو اتيحت لأحدهم فرصة الكلام جاءت عباراته كالكلمات المبعثرة لا معنى لها، وقد يصاب بالرعشة والخوف والقلق ويتصبب العرق من جبينه وأحياناً يغمى عليه!، أما إذا حاولنا إجراء مقارنة بسيطة بين ثقافة الطفل الحالية وثقافته القديمة، فسنجد فارقاً كبيراً سببه المباشر وجود الفضائيات والإنترنت، صاحبة الفضل الأول في جعل العنف والاهتمامات الهامشية قاعدة سلوكية لها مكانها وأتباعها, هناك اطفال يحملون سكيناً بيد ومسدساً باليد الاخرى، وغيرهم يتبادلون الصور الفاضحة والرسائل الغرامية عبر الإنترنت، وآخرون يمضون ليلهم متسمرين أمام القنوات الفضائية, ما هؤلاء هل هم أطفال ام كائنات ممسوخة لا شكل لها ولا مضمون؟!، ثم لماذا شخصية الطفل مهزوزة ومضطربة محلياً، ما هي الأسباب؟ القضية بدأت قبل التقنية وثورة المعلوماتية كما ترون وكلا الحالتين يشكل قصوراً وخلالاً تربوياً واضحاً!، والدالة تفيد بأن ما ذكر يأتي كتركة متراكمة تشبه تماماً أغاني التراث أو الفلكلور، تختلف كلماتها بينما مقامات لحنها واحدة لا تتغير، ولا وجود فيها للحلول البينية خارج دائرة الأبيض والأسود، مرة نحو التدليل المبالغ فيه ومرة تالية صوب المعاملة القاسية الجافة والمتعسفة، مشهد غريب يرسم واقع الطفولة مشوهاً ضائع المعالم، الي متى لا ندري، ولعلنا نعيد النظر هنا في إلقاء اللائمة على تداعيات التقنية والغزو الثقافي والعبارات الرنانة الضخمة كصِدام او تلاقح الحضارات، فنحن أصلاً لم نتبدل سلوكياً وإنما الزمن تبدل والأدوات تطورت نوعاً ما، والمفارقة ان السلوك تحول الى عكسي وخالف مساره الطبيعي بعد إجراء تعديل زماني طفيف غيّر توزيع الأدوار، ووضع الصياد محل الضحية ليتذوق كأساً تعوّد أن يسقيها أولاً!!، والحالة بإطارها العام تنقل صورة شفافة لواقع أشد إيلاماً، تعالوا مثلا لما يقال فيما لو تضررت مصالح سياسية لدولة عربية بكيفية ما، سيقال بالتأكيد إسرائيل وراء ذلك، واقتصادياً أمريكا وأوروبا هي السبب دائما، العذر جاهز باستمرار والجميع مهيأ تماما للقبول به دون مناقشة، ولا مجال للاعتراف بالأخطاء ومحاولة إصلاحها أو بحد أدنى تحريكها قليلا، والنتيجة كلنا مثاليون وقاعدة يقاس عليها وميزان للاقوال والأفعال، وكافة ما يجري لنا صنعه الأعداء وصُدر إلينا عنوة بغرض النيل منا، ولا مسؤولية علينا تجاه أطفالنا وما يعصف بهم، لأنه ببساطة لا توجد مشكلة واحدة كنا عاملاً مباشراً أدى إليها؟!
خلدون السعد
|
|
|
|
|