أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 6th August,2000العدد:10174الطبعةالاولـيالأحد 6 ,جمادى الاولى 1421

متابعة

لحنكة حكيم أفريقيا مانديلا
تسوية سلمية وشيكة للنزاع في بوروندي
* القاهرة أحمد عبدالحميد أ,ش,أ:
أبدت الأوساط الدبلوماسية والسياسية والأفريقية تفاؤلا كبيراً ازاء امكانية الوصول الى تسوية سلمية وشيكة للصراع العرقي والأزمة السياسية التي تعيشها بوروندي منذ عام 1993م, أشارت هذه الأوساط الى النجاح الذي احرزته مفاوضات السلام بين الفرقاء المتحاربين من المتمردين الهوتو وخصومهم من التوتسي في الجيش والحكومة وذلك في المداولات الأخيرة من المفاوضات التي تجرى بوساطة رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا وبدعم مادي ومعنوي من المجتمع الدولي ومنظمة الوحدة الافريقية وزعماء دول منطقة البحيرات الافريقية العظمى.
وذكرت مصادر في فريق الوساطة الذي يعمل تحت اشراف مانديلا أن الضغوط التي مارسها الزعيم الأفريقي المهيب على مختلف الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية في بوروندي ومطالبته المستمرة لهذه الأطراف بالارتفاع الى مستوى الموقف والتخلي عن الطموحات الفردية والتركيز على المصلحة الوطنية العليا في وقف نزيف الدم المتدفق من هذه الدول الأفريقية الصغيرة ساهمت في تبني هذه الأطراف لمواقف مرنة تمهد الطريق للوصول الى تسوية شاملة للصراع العرقي الذي اودى بحياة أكثر من مائتي ألف شخص منذ اندلاع أعمال العنف عام 1993م.
وكشفت مصادر فريق الوساطة عن ان مانديلا ابدى حنكة سياسية في إدارة المفاوضات والحصول على تنازلات من الجانبين سواء الهوتو بتنظيماتهم السياسية والعسكرية او التوتسي باحزابهم السياسية والجيش والحكومة الواقعين تحت سيطرتهم.
ورصدت المصادر في هذا الشأن نجاح مانديلا في الحصول على تعهد رئيس بوروندي الميجور بيير بويويا وهو من التوتسي بتفكيك معسكرات تجميع المدنيين الهوتو والسماح لهم بالعودة الى قراهم وزراعة اراضيهم واغلاق المعسكرات نهائياً.
وكانت حكومة الميجور بويويا اقامت معسكرات التجميع للحيلولة دون مساندة المدنيين لعناصر ميليشيات المتمردين الهوتو المسلحين الذين يخوضون حرب عصابات ضد الحكومة والجيش النظامي الذي يسيطر عليه التوتسي.
وبلغ عدد سكان هذه المخيمات في بعض الأوقات أكثر من 350 ألف شخص.
وتعرضت الحكومة بسبب هذه المعسكرات لحملة ادانة واسعة النطاق من جانب منظمات الإغاثة الإنسانية وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان باعتبارها خرقا للقانون الدولي الإنساني كما أدت ظروف المعيشة السيئة الناجمة عن نقص الغذاء ومياه الشرب النقية ومرافق الصرف الصحي الى تفشي الأمراض والأوبئة وفي نفس الوقت دفعت التنظيمات العسكرية المتطرفة من الهوتو الى مقاطعة عملية السلام بعد ان وصفها قادة الهوتو بأنها معسكرات مماثلة لمعسكرات الاعتقال التي أقامها النازي في الحرب العالمية الثانية.
وقد اتاحت المرونة في موقف الحكومة البوروندية الفرصة أمام مانديلا لاقناع منظمة قوات الدفاع عن الديمقراطية في بوروندي أف دي دي التي تضم اشد عناصر الهوتو تطرفا بالاشتراك في جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في اروشا شمال تنزانيا قبل اسبوعين وكذلك موافقة منظمة أخرى مماثلة هي قوات التحرير الوطني اف ان ال على الاشتراك في المفاوضات وبذلك تكون مائدة التفاوض قد جذبت جميع الوان الطيف السياسي في بوروندي في بادرة اعتبرها المراقبون موشراً على امكانية الوصول الى اتفاق تسوية يحظى بالاجماع الوطني ربما في نهاية شهر أغسطس الجاري.
وكشفت مصادر فريق الوساطة الذي يضم مجموعة من الدبلوماسيين والعسكريين الذين عملوا مع وسيط عملية السلام السابق الزعيم التنزاني الراحل جوليوس نيريري عن ان اللجان الخمس التي شكلها مانديلا انتهت من صياغة الخطوط العريضة لاتفاق سلام يتضمن إعادة هيكلة الجيش الذي يسيطر عليه التوتسي حالياً بحيث يضم 50 في المائة من الهوتو و 50% من التوتسي وفتح باب الترقيات الى الرتب العليا أمام الهوتو وكذلك خطة لادماج عناصر الميليشيات في الجيش ليكون بحق جيشا وطنياً وليس جيشا عرقيا من أبناء قبيلة واحدة.
واعتبر المحللون الذين يتابعون عن كثب تطور الأوضاع في بوروندي الوصول الى اتفاق حول هذه النقطة انجازا في غاية الأهمية نظراً لمكانة المحورية التي يحظى بها الجيش في الحياة السياسية في بوروندي ونظرة المدنيين التوتسي اليه على انه الدرع ضد قيام الهوتو بإبادة جماعية للتوتسي على غرار ما حدث في رواندا المجاورة وأدى على هلاك حوالي مليون شخص من المدنيين التوتسي والمعتدلين الهوتو في الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994م ويحمل هوتو بوروندي الجيش مسؤولية المذابح التي تستهدف المدنيين الهوتو وكذلك المسؤولية المباشرة عن اغتيال الرئيس ميلكور انداداي أول رئيس منتخب ديموقراطيا من الهوتو وذلك خلال اكتوبر عام 1993م دون أن يقوم المتهمون باغتيال انداداي الى المحكمة مما أدى الى اشتعال الحرب الأهلية.
كما كشفت مصادر فريق الوساطة عن أن الخطوط العريضة لاتفاق السلام المقترح تتضمن ايضاً خطة لقيام حكومة انتقالية لفترة محددة من الزمن يتم بعدها اجراء انتخابات ديمقراطية حرة على أساس تعدد الأحزاب علاوة على توفير ضمانات لحرية الصحافة والافراج تدريجيا عن السجناء السياسيين.
وتجدر الاشارة الى ان عملية السلام كانت قد بدأت بوساطة الزعيم التنزاني الراحل جوليوس نيريري في شهر يونيو من عام 1998م بعد ان اسند زعماء دول منطقة البحيرات الأفريقية العظمى تلك المهمة اليه بمباركة من منظمة الوحدة الأفريقية والمجتمع الدولي.
واحرزت المفاوضات في ظل نيريري تقدما طفيفاً بسبب الصعوبات الناجمة عما أسماه التوتسي بانحياز نيريري الى جانب الهوتو ورؤيته القائمة على أساس مقارنة الوضع القائم في بوروندي بوضعية جنوب افريقيا في ظل نظام الابارتهيد واعتباره سيطرة التوتسي على مقاليد الاوضاع فيها مماثلة لسيطرة الأقلية البيضاء على السلطة والثروة في جنوب أفريقيا علاوة على توتر العلاقات بين بوروندي وتنزانيا وزعيم التوتسي ان لدى تنزانيا خطة سرية لضم بوروندي كما اتهموها بتقديم الدعم العسكري الى المتمردين الهوتو الذين ينطلقون من قواعدهم في معسكرات اللاجئين في تنزانيا اضافة الى المناوشات الحدودية التي وقعت بين جيشي البلدين عدة مرات وعقب وفاة نيريري اسند زعماء دول منطقة البحيرات الأفريقية العظمى مهمة الوساطة الى مانديلا وسط ترحيب من جميع الأطراف في بوروندي نظراً للمكانة المرموقة والمصداقية التي يحظى بها على الصعيد الدولي, وقد تولى مانديلا المهمة في اعقاب تذمر الجهات الممولة للمفاوضات من طول زمن هذه المفاوضات دون احراز تقدم ومع ذلك اعربت هذه الجهات ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي عن مساندتها لجهود مانديلا ووجه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون رسالة عبر الأقمار الصناعية الى الاطراف المتفاوضة وزعماء دول منطقة البحيرات العظمى حثهم فيها على بذل أقصى جهد ممكن لإنهاء النزاع في بوروندي.
وانتهج مانديلا الدبلوماسية المباشرة من خلال دعوة قادة الجيش وكبار المسؤولين في الحكومة البوروندية وزعماء جماعات المتمردين لزيارة جنوب أفريقيا بعد قيامه هو بزيارة بوروندي للتعرف على حقيقة الأوضاع السائدة على ارض الوقاع مما ساهم في فهمه الدقيق للأمور.
تجدر الاشارة الى ان بوروندي تعد واحدة من أفقر دول العالم حيث يقدر البنك الدولي متوسط دخل الفرد السنوي فيها بحوالي 259 دولار ويزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين نسمة 84% منهم من الهوتو و 15% من التوتسي وواحد في المائة من قبيلة توا التي تنحدر من أصول من جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وبدا مسلسل العنف الدامي والمذابح في أعقاب اغتيال الرئيس ميلكور انداداي أول رئيس منتخب ديموقراطيا من الهوتو الذي تفوق على الرئيس بيير بويويا في اول انتخابات متعددة الاحزاب تجري في بواوندي عام 1992م وبعد مقتل انداداي اختارت الجمعية الوطنية البرلمان الرئيس سيبرين نتاريمايرا رئيسا لبوروندي ولكنه لقي حتفه في حادث تحطم طائرة جوفنال هابيا ريمانا رئيس رواندا المجاورة نتيجة اصابتها بصاروخ أثناء هبوطها في مطار كيجالي يوم السادس من ابريل عام 1994م قادمة من دار السلام.
واختارت الجمعية الوطنية سيلفستر نتبانتونجانيا ليكون ثالث رئيس من الهوتو ولكن عهده اتسم بعدم الاستقرار وتصاعد حدة التصفيات العرقية المتبادلة بين الهوتو والتوتسي ودفعته حالة عدم الاستقرار والخوف على حياته الى اللجوء الى السفارة الأمريكية في بوجمبورا ثم اطيح به في انقلاب ابيض في شهر يونيو 1996م ليتسلم الميجور بيير بويويا مقاليد السلطة في البلاد للمرة الثانية ويعود التوتسي الى السيطرة على مقاليد الأمور من جديد.
من الجدير ان جولة جديدة من مفاوضات السلام يشارك فيها ممثلون عن 19 فصيلاً سياسياً وعسكرياً وممثلون عن المجتمع المدني ستبدأ في اروشا يوم الاثنين المقبل.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved