| مقـالات
لاشك ان المرأة تمثل نصف المجتمع فهي الأم والاخت والزوجة ولها مكانة كبيرة في مجتمعنا الاسلامي ولها دور رئيس يتمثل في بناء الاسرة المسلمة وتربية النشء بجانب ما لها من مساهمات تنموية اخرى وفق قدراتها وخصوصيتها في مجتمعها المسلم, ومن هنا فان للمرأة المسلمة وضعا خاصا يتميز عن وضع المرأة في كثير من المجتمعات الغربية، فلا يعني هذا الوضع التقليل من دورها او حرمانها من حقوقها المشروعة, فلقد تكفل الاسلام ولله الحمد بالحفاظ على المرأة المسلمة ومنحها حقوقها المشروعة وعمل على صيانة كرامتها وعفتها وخصصها بمزايا عدة منها تنشئة الاجيال ومنحها المشاركة بالرأي والمشورة والعلم وفق ضوابط ديننا الحنيف, وفي المقابل فالمرأة المسلمة ولله الحمد غير متأثرة ومكترثة بمن يدعو ويطالب بتحرير المرأة على النمط الغربي, ان من يطالب بتخلي المرأة المسلمة عن احكام الشريعة الغراء هم حقا اعداء الاسلام والمسلمين وهم ايضا لا يجهلون حقيقة ما وصلت اليه المرأة الغربية وما تعانيه في تلك المجتمعات من حرية زائفة، ولا يألون جهدا في ايهام المرأة المسلمة لجعلها ترى في المرأة الغربية انموذجا يقتدى به، فمن اي شيء إذاً تحرر المرأة المسلمة؟! هل تتحرر من عفتها وحشمتها وقيمها واخلاقها الاسلامية؟ ان في تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف ما يحمي المرأة والاسرة والمجتمع وينظم سائر مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كل صغيرة وكبيرة للرجال والنساء.
ان من ينادون بأن علىالمرأة المسلمة مزاحمة الرجال في كافة ميادين ومجالات العمل ويزعمون انها معطلة المواهب، وان المجتمع لم يستفد منها فانهم اما تجاهلوا ما تميزت به المرأة المسلمة وفق تعاليم ديننا الاسلامي وايضا ما كانت عليه امهاتهم واخواتهم، وتجاهلوا الدور الذي يقمن به من تربية النشء، ومن القيام على شؤون المنزل ومساعدة الزوج، واما انهم يهدفون ويخططون الى تهميش وتقليل دور المرأة المسلمة والذي تسير عليه بكل ثبات وثقة المرأة المسلمة وخاصة بنات هذا الوطن الخير، فمن خلال هذه المطالب المزعومة فانهم يرمون الى تحريك وتهييج غرائز الشباب والشابات نحو مستقبل الضياع والهلاك كما وقع وللاسف في بعض مجتمعات المسلمين في البلاد الاخرى.
وقد يرى هؤلاء المتأثرون بالثقافة الغربية ان ذلك ما هو الا مظهر من مظاهر التطور الاجتماعي، بيد ان الكثير من المجتمعات الغربية ممن لهم السبق في تحرر المرأة ومزاحمتها للرجال في ميدان العمل بدأت تحصد نتائج ذلك لكثرة ماتواجه المرأة من مشاكل وتفكك اسرى واجتماعي، بل ان الدراسات الاوروبية تشير الى أن اوروبا سوف تعاني في المستقبل من نقص حاد في السكان بسبب تفكك المجتمع والاسرة وتخلي المرأة عن دورها في التربية والانجاب وعدم قدرتها ورغبتها على تربية الابناء.
ولعل المتابع للتقارير والاحصاءات الصادرة عن المجتمع الامريكي والاوروبي يلاحظ حجم المشاكل التي تعانيها المرأة في تلك المجتمعات، وقد تبين ان جزءا كبيرا من وقت رجال الشرطة والدوريات في تلك المجتمعات، مخصص للرد على بلاغات من النساء بشأن ما يعانينه من اضطهاد ومضايقات من ازواجهن او من افراد المجتمع, بما في ذلك مضايقات العمل والطرقات, بل ان المرأة في تلك المجتمعات لا تملك حق التصرف والاستقلالية في الكثير من الامور، فالاحصائيات توضح نسبة كبيرة من الحمل الغير شرعي بين طالبات الجامعات الغربية والاوروبية ونسبة عالية من حالات الاجهاض واعداد ضخمة من المواليد المسجلين باسم الام فقط, وتشير الاحصائيات في بريطانيا ان 25% من الاطفال مجهولو الأب، وفي تقرير المكتب الحكومي البريطاني لعام 1997م أن من بين 800 الف امرأة حامل بريطانية هناك حوالي 4000 آلاف منهن حملن اطفالهن خارج العلاقات الزوجية، وكان ذلك حدث تحت مفهوم تحرر المرأة الغربية، فأي تحرر حفظ للمرأة الغربية عفتها وأنوثتها وكرامتها وحقوقها؟؟!! وهل اصبح للمرأة الغربية تميز يجعلها تفخر بما وصلت اليه في ظل القيم والاخلاق والدور الذي اوجده الله في المرأة المسلمة وبالتالي تصبح مثالا يحتذي بها؟؟!! وهل استغلال جسد ومفاتن المرأة للدعاية وللأزياء حضارة؟؟!! وهل وصول المرأة للمناصب السياسية ومزاحمة ومخالطة الرجال هوالمعيار على تحرر وتطور المرأة وحصولها على حقوقها؟!! لقد انفردت المرأة في المجتمع الغربي بمزايا التحرر الزائف واصبحت تشترى وتستأجر بأبخس الأثمان، بل انها لا تقل عن وضع المرأة في الجاهلية الاولى مع فارق في الاسلوب اللامع الزائف, ففي استطلاع اجري في بريطانيا بين النساء العاملات لمعرفة الرأي حول الخروج للعمل في بريطانيا، اوضح الاستطلاع ان ما يقارب من 50% يفضلن عدم الخروج الى العمل والعودة الى ما كانت عليه المرأة قبل خروجها الى ميدان العمل, ولعل المطلع يرى ما تورده التقارير والدراسات وما تعانيه المرأة الغربية من ضغوط نفسية نتيجة وقوعها تحت سيطرة الرجال وتزايد الاعتداءات الجنسية وضياع انوثتها وحقوقها، والدراسات التي توضح التحرش الجنسي كثيرة بل ان هناك الكثير من الوقائع والامثلة التي لا داعي لذكرها هنا!! وكل ذلك يقع في ميدان العمل وكثير من النساء ترضخ لمطالب رئيسها في العمل حتى يتمكن من اشباع نزوته الجنسية، واذا لم تستجب لذلك فانه يقف حجر عثرة في طريق مسارها الوظيفي، وغير ذلك من العراقيل الاخرى، بل ان صلاحيتها واستمرارها في العمل يتوقف على مدى ما تملكه من وسائل الاغراء والجمال!!.
ان خروج المرأة للعمل في المجتمعات الغربية هو استجابة لمطالب عدة افرزتها الثورة الصناعية وما اعقب ذلك من تطورات مادية واجتماعية ادت الى تفكك تلك المجتمعات وغياب الترابط الاسري حتى اصبحت المرأة في وضع يتطلب منها الخروج للعمل لتأمين مستقبلها وقوتها، وذا عكس المجتمع المسلم الذي يسوده الترابط والتلاحم والتعاضد، ومسؤولية الرجل الكاملة على الانفاق والقوامة على المرأة كما قال سبحانه الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا وتأمين متطلبات الحياة المريحة والآمنة لها ولأفراد الاسرة، بل ان ذلك من الواجبات التي لا مناص للرجل عنها في الشرع الاسلامي.
ان الملاحظ على المرأة العاملة في المجتمع المسلم وخصوصا لبعض المهن والوظائف ذات الدوام الكامل او النوبات المسائية انها تواجه مصاعب وضغوطا تجاه مسؤولية تربية ورعاية الاطفال وكذلك تجاه حقوق الزوج شؤون المنزل اي عدم القدرة على التوفيق بين العمل والمنزل ونتيجة لذلك يقع كثير من حالات الطلاق وتكثر المشاكل بين الزوجين وترك تربية الاطفال وادارة المنزل الى الخدم والاعتماد الكلي على هؤلاء الخدم في كل شيء في ظل غيابها وتخلي الام عن دورها الرئيسي, ولعل تأثيرات العمالة المنزلية (الخدم والمربيات والسائقين) يلمسها الجميع، فهذه العمالة المنزلية تختلف في عقائدها ومذاهبها وعاداتها ومفاهيمها عن مجتمعنا المسلم وبالتالي غالبية الاسر لا تدرك مخاطر وتبعات الآثار السلبية لهذه العمالة، وغير ذلك من الهدر والاضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية, بل انه وللاسف بدأت الكثير من الاسر المسلمة تحصد نتائج تأثيرات هذه العمالة فظهرت في المجتمع سلوكيات وتقليعات باعداد كبيرة تؤثر سلبا على الخدمات والمرافق العامة مما يشكل على الدولة عبءا كبيرا، هذا بجانب الآثار الامنية والاجتماعية.
يقول البعض بان عدم التوسع في مشاركة العنصر النسائي في سوق العمل يؤثر سلبا على اقتصاد البلد؟! فان كان هناك تأثير فانه بكل تأكيد لايقارن بما تسببه العمالة المنزلية (سائق + خادمات + مربيات,, الخ) لتقوم هذه العمالة المنزلية بمهام التربية وتفقد احتياجات المنزل وغير ذلك من الخدمات المنزلية الاخرى.
مع استثناء من لديهم ظروف وحاجة تستدعي الاستعانة بهذه العمالة وفق الاحتياج الفعلي وليس كما هو الحال للتباهي والتقليد الاعمى! حتى وصل بنا الامر الى وجود أكثر من خادمة وسائق وخادم في المنزل الواحد؟! ان الجزء الاكبر من مرتب الزوج والزوجة يصرف على مرتبات العمالة المنزلية، بالاضافة الى الهدر في الماء والكهرباء والغذاء من قبل العمالة المنزلية، فالعمالة المنزلية بكل تأكيد تساهم في هدر واستنزاف موارد الزوجين، بل ان ذلك يطال اقتصاد الوطن ويؤثر عليه سلبا وهذه النقطة يطول الشرح والحديث حولها فهل يقارن ذلك بما يدعيه البعض بان عدم خروج المرأة للعمل يؤثر على اقتصاد البلد؟! وفي المقابل لا يزال الخريجون من الرجال يبحثون عن العمل وباعداد كبيرة ولا يكاد يعلن عن الف وظيفة او دورة عسكرية حتى يتقدم اضعاف المطلوب بعشرات المرات؟!!
ومع كل ما تقدم فاننا نأمل ان يعاد النظر في مجالات عمل المرأة لمن تسمح ظروفهن وامكاناتهن بذلك ضمن مجالات العمل المتاحة للمرأة ولاشك ان خروج المرأة للعمل يأتي في المرتبة الثانية حيث ان دورها الرئيسي هو تربية النشء المسلم ومنحهم الرعاية الكافية ومساعدة الزوج على ذلك وادارة شؤون المنزل، والبيت يلعب دور كبير في تربية وتوجيه الاطفال والشباب المسلم وهذا ما نحن احوج اليه في هذا العصر المتهيج, ومن هنا لابد من العمل اولا على حصر هذه المجالات الممكنة ومن ثم كيفية الاستفادة من المرأة في اطار الشريعة الاسلامية وما ميز الله به هذا المجتمع المسلم، والاحصائيات الحديثة توضح وجود اعداد كبيرة من العمالة المنزلية، واعداد كبيرة من العمالة الوافدة من النساء في اعمال تقوم على خدمة النساء والرجال في مجالات عدة, وكما هو معروف فان مجالات عمل المرأة تشمل على: وظائف التدريس، الطب، التمريض، الخدمات الاجتماعية وغير ذلك من المجالات التي تؤدي خدمة مباشرة للنساء والاطفال وذوي الاعاقات وكذا مهنة التطبيب في مستشفيات خاصة بالنساء (قطاع عام وخاص) وكذلك الاعمال المصرفية والاسواق التجارية الخاصة بالنساء وربما اعمال صياغة الذهب والمجوهرات المناسبة لقدرات وخصوصية المرأة المسلمة من الممكن ان تدار من قبل كادر نسائي 100% والعمل على تهيئة الظروف والبيئة المناسبة الآمنة ومن ذلك البحث المستمر عن انجح الحلول لتنظيم وسلامة نقل المرأة العاملة من خلال وسائل النقل العامة او الخاصة لما لهذا لموضوع من اهمية واثار ايجابية, وتشمل مجالات عمل المرأة ايضا القيام على وظائف الحاسب الآلي واعداد البحوث والترجمة وادخال البيانات وغير ذلك من الاعمال الاخرى التي بامكان المرأة القيام بها من خلال تقنية الحاسب الآلي ونحن نعيش ثورة الاتصالات الحديثة وبشكل لا يتنافى مع تعاليم الشريعة الاسلامية, نأمل ان يكون هناك تواجد كبير للمرأة السعودية في الجامعات والكليات بعدما اصبح ولله الحمد لدينا شبه اكتفاء تام من المعلمات في مختلف مراحل التعليم العام والحال ينطبق على وظائف التطبيب في الاقسام والمستشفيات الطبية التي تقوم على خدمة النساء والاطفال, فما هو المانع من ان تكون هناك ادارات او مديريات نسائية تشرف على تعليم البنات العام وتتم ادارتها من قبل كادر نسائي وغير ذلك من المجالات الاخرى؟ وقبل ان اختم هذا المقال اود ان اشير الى ان بعض المصانع في اليابان تقوم بالاتفاق مع بعض ربات البيوت من ذوي المهارات والقدرات على وضع وحدات انتاجية صغيرة في منازلهن للعمل عليها وانتاج بعض المنتجات الخفيفة ذات المردود المالي الجيد، ومن ثم يقوم ممثل المصنع لاحقا باستلام ماتم انجازه وغير ذلك من الاعمال التي بامكان المرأة القيام بها وهي في منزلها، وهذا ايضا يقودنا الى التفكير في نظام العمل بالقطعة او غير ذلك مما يتيح للمرأة فرصة المؤاءمة بين العمل والبيت وبشرط ان لا يكون على حساب مستقبل تربية الاجيال المسلمة والحفاظ على البيت المسلم وايضا يراعي حقوق المرأة العاملة وفق نظام مرن يتوافق مع الشريعة الاسلامية ويراعي ظروف المرأة السعودية ويحقق طموحاتها العملية ويحفظ حقوقها التي اكرمها الله بها وميزها عن غيرها.
والله من وراء القصد.
مدير إدارة الدراسات بمجلس الشورى alshammarih@ ayna.com
|
|
|
|
|