| شرفات
تزايدت اهتمامات البشرية خلال العقود الأخيرة بالمشاكل المتعاظمة، واجتهد العلماء في بحوثهم ودراساتهم لرصد واستقصاء أسباب تلك المشاكل ووضعوا العديد من البرامج والافكار والتوصيات الكفيلة بانقاذ الارض من الآثار الضارة، والتي هي نتاج سوء تدبير الانسان ساكن هذه المعمورة.
لكن مع بداية الألفية الجديدة، يقف الانسان عاجزا امام قوة الآلة الهائلة، والمواد الكيماوية القاتلة التي تنفث سمومها في اجوائنا ومع ذلك يحاول ان يبذل قصارى جهده لانقاذ ما يمكن انقاذه من اجل ان لا يأتي يوم يقف فيه خجلا أمام أبنائه الذين يسألون عن سبب امتناعه عن حماية أرضهم.
ان التاريخ البشري مليء بالانجازات المهمة وقد ترك لنا اجدادنا تراثا ضخما، ماديا وروحيا نستطيع الاستمتاع به والافادة منه، لكننا ورثنا أيضا تحديات كبرى اذ لأول مرة في التاريخ يمتلك الانسان القدرة على تغيير وجه البسيطة ومحيطها اننا نعمل على تغيير المناخ وعلى انقراض كائنات عدة، وعلى احداث ثقوب في طبقة الاوزون، وعلى انتاج واستهلاك ما يفوق قدرة العالم على الاحتمال وامتلاك ترسانة نووية قادرة على تدمير الأرض مئات المرات.
من هنا يأتي دورنا لاختيار مستقبلنا نستطيع اليوم ان نكون معا جسرا يساعدنا في القضاء على المخاطر التي تتهدد الأرض، ان كوكبنا صحيا سليما ويحمل على سطحه مجتمعات بشرية سعيدة يمكن ان يكون هديتنا الفاخرة للأجيال القادمة.
ومع مطلع الألفية الجديدة يتعهد مئات الملايين من البشر على العمل معا بيد واحدة لايجاد بيئة صحية مستقرة، في ذلك اليوم تمت الدعوة لتطبيق سياسات بعيدة الاجل من اجل حماية البيئة ووضعت خططا للاستفادة من نشاطات عدد من أنصار البيئة ولبناء العلاقات والصداقات التي تتخطى الحدود بين الدول والقارات والثقافات، وهو ما يجسد العزم على عدم تضييع المزيد من الوقت في التذمر والانين، وفي الهروب من المشاكل او نفيها ومن ثم التشاجر مع بعضنا البعض.
خطة انقاذ
يضع علماء البيئة قائمة ببعض الأعمال البسيطة التي تفيد عند تطبيقها في انقاذ البيئة من الدمار وتشمل القائمة: زرع شجرة اطفاء الانوار نهارا اعادة دورة التصنيع اصلاح الصنابير المعطلة المشي قدر الامكان استخدام نور الشمس الطبيعي العمل باتجاه اخلاء المكاتب والمنازل من الورق التمتع بالاجواء الطبيعية المفتوحة.
ان هذه الاعمال الصغيرة تؤدي لاحداث تحولات مفيدة في حياتنا اليومية، يحتاج كل منا للتعرف على ما يهتم به ويسليه، ويستطيع بطريقته الخاصة ايجاد الطرق المناسبة لتحسين البيئة.
ويذكر انه عند الاحتفال بيوم الأرض ولأول مرة في عام 1970م تعاون 20 مليون شخص في الولايات المتحدة على وضع اجندة من أجل خدمة البيئة، وفي خلال عامين تم انشاء الوكالة الوطنية لحماية البيئة وقد تم تبني قوانين مهمة لتنقية الهواء والماء ولحماية الكائنات النادرة.
وفي يوم الأرض في عام 1990م شارك أكثر من 2000 مليون شخص في 141 بلدا من جميع القارات في الاحتفالات داخل مجتمعاتهم، كانت مشاركة جمعيات النفع العام غير الحكومية بتلك الاحتفالات هي التي أدت الى الضغط على رؤساء الدول للمشاركة في قمة الأرض التي نظمتها الأمم المتحدة في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1990م.
ومنذ ذلك العام أصبح الاحتفال بيوم الأرض يقام على نطاق عالمي، وتشارك المكاتب والهيئات الحكومية بهذا الاحتفال في دول مثل كندا واليابان وفرنسا ودول متقدمة اخرى.
مظاهر احتفالية
في عام 1990م ألهم الاحتفال بيوم الأرض خيال انصار البيئة في فرنسا، حيث قام المشاركون بتشكيل سلسلة بشرية طولها 500 ميل على امتداد نهر اللوار الذي يعبر فرنسا ويقسمها الى قسمين، وذلك لتكريم آخر الانهار النظيفة في اوروبا.
وفي آسيا قام فريق دولي من متسلقي الجبال من الصين وروسيا والولايات المتحدة بجمع ما حمولته اكثر من طنين من النفايات التي خلفها المتسلقون السابقون لقمة ايفريست.
ومن المظاهر الاحتفالية قيام آلاف الايطاليين بالاستلقاء في الشوارع منعا لحركة السيارات وتعبيرا عن الاحتجاج على مخلفات عوادم السيارات.
وفي هاييتي اعلن عن اعتبار يوم الأرض يوما وطنيا وفي الاردن شارك عشرة آلاف طالب في حملة وطنية لتنظيف شواطىء المملكة.
وفي خليج طوكيو تجمع اكثر من 35 ألف من انصار البيئة اليابانيين في جزيرة الأحلام او دريم آيلاند، وهي جزيرة تشكلت من النفايات من اجل اقامة مركز مؤقت لاعادة تصنيع تلك النفايات.
وساهم يوم الأرض لعام 2000م في تجميع جهود المنظمات الأهلية للحث على تنظيم الجهود واستخدام التكنولوجيا من اجل نشر الوعي البيئي بين الناس قاطبة.
ارتفاع المحيطات
يشير تقرير نشر في صحيفة التايمز اللندنية الى تحذير العلماء من الخطر البيئي المحيط بمناخنا يقول العلماء ان الحاجة ماسة لخفض مستوى الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية بنسبة 70%.
قال الباحثون العاملون في جامعات ثاوثامبتون وشرق انجليا ومراكز الابحاث عبر بريطانيا ان الاخفاق في تخفيض هذه النسبة من الغازات المنبعثة سيؤدي بالتأكيد لزيادة حادة في الجفاف ولانتشار امراض كالملاريا وللقضاء على مساحات واسعة من الغابات الاستوائية في جنوب امريكا وفي افريقيا.
وقال جوف جينكيتر من مركز هادلي للدراسات المناخية في لندن انه حدثت زيادة في الطاقة داخل نظام الارض وهي كافية لرفع مستوى المحيطات خلال القرون القادمة، حتى لو تم خفض معدل الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية، وسوف يعتمد المستوى النهائي للمحيطات والبحار على مقدار ذوبان المحيطين المتجمدين الشمالي والجنوبي.
لكن نتائج جديدة توصل اليها العلماء في جامعة قري في بروكسل تشير الى ان ارتفاعا وان بضعة درجات في حرارة الأرض سيؤدي لذوبان كلي لطبقات الجليد في جيرنلاند.
ستوضع هذه النتائج امام اللجان العلمية في الأمم المتحدة، وهي تشير الى ان الذوبان ربما يضيف ارتفاعا قدره 70 سنتيمترا الى مستوى البحر اضافة الى التوقعات السابقة بحدوث زيادة في مستوى البحر بمعدل 20 سنتيمترا بحلول عام 2100.
ويتوقع ان ترتفع درجة حرارة الكون لاكثر من 3 درجات بحلول عام 2080 اضافة لنصف درجة هي الزيادة الحالية.
وقال الدكتور جوناثان جريجوري الباحث الآخر في مركز هادلي ان ذوبانا كليا لطبقات الجليد في جرينلاند سيضيف خلال الألف عام القادم مقدار ستة امتار الى مستويات المحيطات.
موقف سلبي
يؤثر ارتفاع درجات الحرارة في الارض على النباتات والحيوانات ولكن لا احد يتحرك للحد من هذه الظاهرة جاء في تقرير نشرته قبل أيام صحيفة لوس انجلوس تايمز الامريكية تفاصيل القصور البشري امام ظاهرة الارتفاع في درجة حرارة الارض.
تقول الصحيفة ان الباحثة راشيل كارسون وصفت في كتابها الصادر عام 1962م والذي يحمل عنوان الربيع الصامت كيف ادى مبيد الدي دي تي وغيره من المبيدات للاضرار بالبيئة.
ظهر مثال واضح على هذا الضرر، او التدمير البيئي في عام 1949م عندما بدأ مسؤولون في استخدام المبيدات الحشرية للقضاء على البعوض في بحيرة كلير بالقرب من سان فرانسيسكو في البداية، اي في الخمسينات، لوحظ موت الطيور المائية باعداد كبيرة ولم يفهم العلماء سبب ذلك، ثم أدرك العلماء ان العوالق في البحيرة امتصت تلك السموم وجاءت الاسماك فاكلتها ومن ثم أكلت الطيور تلك الاسماك.
واليوم هناك ظواهر مشابهة تفيد بأن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤثر على النباتات والحيوانات في كافة ارجاء العالم، ولايشكك اي من العلماء بصحة تلك الظواهر الطبيعية لكن لم تتخذ بعد اي اجراءات جادة للحد من ارتفاع درجة حرارة الارض.
سنأتي هنا بأمثلة على ما يجري على سطح كوكبنا من تحولات لا يستطيع احد تجاهلها جمع تلك المعلومات آدم ماركهام مدير سياسة الطاقة والمناخ في مركز الحياة البرية العالمية ولربما يجدر بنا ان نعتبر هذه الظواهر بمثابة انذارات بيئة، فمثلا في منطقة المحيط المتجمد الشمالي اظهرت دراسة حديثة ان عدد الأيام التي تهبط فيها درجة الحرارة الى ما دون 40 درجة قد تقلصت الى النصف عما كانت عليه في الخمسينات وقد لوحظ ان منطقة الجمد السرمدي طبقة متجمدة باستمرار على عمق متفاوت تحت سطح الارض في المناطق القطبية المتجمدة , قد بدأت تكتسب بعض الدفء بما لا يقل عن 4 درجات مئوية، كما ان طبقة الجليد في المحيطات والبحارفي انكماش وفي بحر بيرنينج تقلصت طبقة الجليد بنسبة 5% خلال السنوات الأربعين الماضية.
وتبين في دراسة قدمها في النرويج العالمان جانتر ويلر ومانفريد لانج ان التحولات المناخية تضر بالحياة البرية اذ خلال العامين الماضيين تقلصت بعض انواع أسد البحر بنسبة تتراوح من 5% الى 80% من عددها الاجمالي وفيما بين الخمسينات والثمانينات تقلص عدد جراء الفقمة بمعدل النصف في جزر بريبيلوف، مكان تكاثرها الرئيسي في بحر بيوينج.
أما سمك السلمون فيلقى حتفه في شمال المحيط الهادىء يوجد لدى مركز الحياة البرية العالمية دليلا ماديا على وجود خطر كبير يتهدد سمك السلمون وذلك يرجع للتبدلات المناخية وللظروف المتغيرة في المحيط، وقد صدر تقرير عن قسم الاسماك في حكومة ولاية الاسكا يظهر انه في العام الماضي كان حجم ما اصطيد من سمك السلمون في خليج بريستول، وهو اكبر مكان تجمع لهذا النوع من الاسماك في العالم يعادل نصف ما كان متوقعا والاقل في اكثر من 20 عاما.
ويرى ديفيد ويلش العالم في القسم الكندي للمحيطات والاسماك ان السالمون لربما يكون عاجزا عن العيش في درجات الحرارة الأدفأ في المحيطات والتي قيست أخيرا في شمال المحيط الهادىء ويعتقد ويلش ان استمرار الظروف الحالية لربما يؤدي لاختفاء السالمون من المحيط الهادىء بحلول منتصف القرن القادم، من جهة اخرى لوحظ انهيار الحيود المرجانية في العالم الماضي دمرت مساحات كبيرة من المرجان بسبب موت الطحالب التي توفر للمرجان غذاءه ولونه وقد اشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الامريكية الى ان اجزاء واسعة من المرجان في المحيط الهندي قد تضررت.
يعز معظم العلماء سبب ذلك الى ارتفاع درجات حرارة المياه الاستوائية وقد أشارت دراسة حديثة الى انه حتى في احسن الظروف البيئية، تحتاج هذه الحيود المرجانية الى عقود حتى تتعافى من الأضرار التي لحقت بها.
وفي الغابات الموجودة في كوستاريكا في امريكا الجنوبية لوحظ انقراض عدد من الكائنات الحية، اذ مع الضفدع الطيني الذهبي كما ان 20 نوعا آخر من الضفادع اختفى منذ عام 1987 وقد تأثرت اعداد الطيور والزواحف في تلك الغابات.
يبدو ان جميعهذه الآثار المتعددة لظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض قد نتجت عن زيادة نصف درجة مئوية للمناخ ويرى العلماء ان هذه الظاهرة مرتبطة بزيادة ثاني اكسيد الكربون وغيره من الغازات في الأجواء والتي حدثت نتيجة احراق المنتجات النفطية وغيرها من النشاطات المرتبطة بالصناعة ورغم جميع هذه الظواهر البيئية المقلقة يقف المجتمع الدولي موقف العاجز المشلول عن القيام بأي خطوة تجاه الحد من تأثير ارتفاع درجة حرارة الأرض على الكائنات الحية.
مترجمة عن مجلة THE CHRISTIAN SCIENCE MONITOR
|
|
|
|
|