| الاخيــرة
لايهم القارئ أن أسافر، أو لا أسافر، كما لا يهمه أن يسافر معي أبو سعد أو غيره، ولكن القارئ قد يجد بعض الدلالات إذا تعرف على انطباعات أبي سعد، وإذا لم يكن ذلك فاعتقد ان قراءته لمثل هذه السطور لن تضيره شيئاً.
أبو سعد المذكور بدوي من الصحراء لم يسبق له أن حمل جوازاً أو سافر خارج الوطن، وقد جاوز الخمسين ونيفاً من العمر، ولديه من الابناء والبنات ما يقرب من العشرين, وقد أتيح لنا معاً أن نكون رفقاء سفر إلى أحدى الدول الأوروبية ولمدة أربعة أيام, وقد كنت خلال الرحلة أرصد انطباعات هذا الرجل عما قد يراه في مجتمع يختلف عن مجتمعه في كثير من أوجه الحياة، كما هو اختلاف الطبيعة بين ما عاش فيه طوال حياته، وبين ما مشاهد من خضرة، وأنهر وأمطار في ذلك البلد النائي.
لقد كانت علامات الدهشة بادية على محياه منذ اللحظة الاولى التي حل فيها ضيفاً على مطار ذلك البلد، فعندما نزل المسافرون إلى صالة المطار أخذوا يصطفون في صفوف منتظمة كأنها قد رست سلفاً، فقال في سؤال لا يخلو من الحيرة والملاحة لم لا نتقدم قليلاً لنكون بقرب فاحص الجواز فنسبق من جاء قبلنا حيث ان هناك مكانا يتسع لنا وغيرنا؟!! فقلت هنيهك فقد اعتاد القوم على الالتزام بالنظام ومن غير اللائق ألا نلتزم بما يلتزم به القوم من الخلال المحمودة, فقال حسناً فعلت, وقد كانت دهشة صاحبي أكبر عندما رأى ان ذلك الصف الطويل من المسافرين قد اتم انجاز جوازاتهم في فترة من الزمن وجيزة جداً, وقال متسائلاً لم لا تنجز أعمالنا بمثل هذه السرعة؟ قلت ليس هناك فرق في القدرات والإمكانات، غير أن الفرق يكمن في مدى الجدية، فالموظف في معظم دول العالم الثالث مشغول بما هو أكبر من شغله، فهذا صديق عزيز جاء لزيارته في العمل ولأجل ذلك لابد من قضاء وقت ليس بالقصير في الترحيب به، وهذا صاحب حاجة تقدم طالباً شفاعة سيقضي وقتاً قبل قضائها، وذلك زميل عمل جاء بمعاملة فاستأنس بصاحبه، فمكث لديه ما شاء الله أن يمكث.
كل هذه الامور تجعل ربع الساعة ساعة والساعة ساعتين، والساعتين أربعا، وهب أن كلاً من أبناء العالم الثالث حاول أن يعتاد على استثمار وقته استثماراً أمثل، فما أخالني أشك لحظة وصولهم إلى غايتهم.
وعندما خرج أبو سعد من المطار إلى المدينة طاب له الهواء والماء ولا ريب، لكنه ظل خلال الأربعة الأيام التي قضاها متعجباً بالنظام والتنظيم الذي اعتاد الناس عليه فكان جزءاً من حياتهم وإن شطّ منهم القليل فلم يسمع بوق سيارة، ولم ير حادثاً، ولم يشهد نزاع رجلين، أو امرأتين، فالكل سائر في الطريق إلى ما شاء دون معوقات, لقد عاب أبو سعد على القوم تحللهم، وعدم احتشامهم وهو محق في ذلك، فنعمة الاسلام والحمد لله أسبغت علينا الوقار والحشمة, وإن كان لديهم بعض الخصال العملية فلدينا خصال خلقية كريمة تبزهم والحمد لله، ولكننا نرغب في أن نجمع الخيرين، ونحن قادرون على ذلك بإذن الله.
هذه بعض انطباعات صاحبنا ولديه المزيد.
|
|
|
|
|