أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 4th August,2000العدد:10172الطبعةالاولـيالجمعة 4 ,جمادى الاولى 1421

أفاق اسلامية

تحريم الظلم بين العباد
عبدالمجيد بن محمد العُمري *
الحمد لله الذي شرع الشرائع ووضع الأحكام وبين لعباده الحلال والحرام أحمده على الإفضال والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وإليه يرجع الأمر كله، ولا يخفى عليه شأن، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام ومسك الختام اللهم صل على عبدك ورسولك محمد أفضل من تمسك بالحق وله أقام، وعلى آله وصحبه الذين اتبعوا أثره وتمسكوا بسنته إلى يوم الدين أما بعد:
فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان ويصور الرسول صلى الله عليه وسلم صورة المؤمنين بقوله مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (رواه أحمد)
وفي المقابل نجد تحريم الإسلام لأي معاملة يترتب عليها الاعتداء على الناس ظلماً وعدواناً أو هضم لحقوقهم حفاظاً على حقوق الناس وصيانة لأنفسهم وأموالهم واعراضهم من أن تنتهك أو تسلب أو أن تظلم الأنفس بغياً وعدواناً بما يتنافى مع روح الرحمة والتعاون التي جاء بها الإسلام وحث أتباعه عليها في العديد من المواقف والتعاليم وإن أنواع الظلم والاعتداء على حقوق الناس لتأخذ صوراً كثيرة وأشكالاً مختلفة.
وإن تحريم الإسلام لهذه المظالم حماية وصيانة لحقوق الناس حتى يحيا الناس آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وكافة حقوقهم، وإن من أشد الظلم العمل على إيقاع الضرر بالمسلمين فذلك ظلم مبين حذر منه رب العالمين.
إن الإسلام هو دين التعاون والتعاطف والتواصل والتآلف يدعو أتباعه إلى معاونة بعضهم البعض وإلى إنصاف أحدهم لأخيه، وإغاثته إذا ما دعت الحاجة إليه وتفريج كربته وذلك لأن رابط الإسلام رابط أخوة ومحبة بين المسلمين وأخوة الإسلام تقتضي التكاتف والتعاون على البر والتقوى فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة متفق عليه.
نعم إن الجزاء من جنس العمل فالإنسان المسلم الذي يخف لنجدة أخيه المسلم ويسعى في حاجته يكون الله معه وفي حاجته.
وأما إذا كان مؤذياً لهم فإن الله سبحانه وتعالى منتقم من كل ظالم وأنه سبحانه عزيز ذو انتقام وإن من أوقع على أناس ضرراً واستحل حقوقهم لا يقبل الله تعالى منه توبته إن تاب إلا بعد أن يرد المظالم إلى أصحابها فمن شروط التوبة الندم على ما فات والعزم على عدم العودة على الذنب والإقلاع عنه ورد الحقوق إلى أهلها، ولقد شرع الإسلام حماية الإنسانية وصيانتها من الاعتداء والظلم ولم يقتصر في ذلك على المسلمين وحدهم بل شرع حماية غير المسلمين من أهل الذمة، ولقد حرم الله سبحانه وتعالى ترويع المؤمن فكيف بظلمه فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :من أخاف مؤمنا كان حقا على الله ألا يؤمنه من فزع يوم القيامة (رواه البيهقي).
بل حتى مجرد النظرة المخيفة يعتبرها الإسلام ترويعا ويحرمها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة رواه البزار والطبراني، هذه تعاليم الإسلام في الحفاظ على الأمن والاستقرار وطمأنينة الناس، والتحذير والنهي عن ترويعهم وإرهابهم حتى وإن كان ذلك على سبيل المزاح فكيف بمن يسلبهم حقوقهم ويعتدي عليها ويظلمهم ويتطاول عليهم فلا شك أن وعيد الله الشديد لكل من ظلم الناس فإن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
ولقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على حرمات المسلمين قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى حفاظاً عليهم وعلى أمنهم واستقرارهم بعده فكانت وصيته للمسلمين في خطبة الوداع متضمنة لهذه المعاني حيث قال صلى الله عليه وسلم :إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه متفق عليه، ويدعم القرآن الكريم أصول الحق وركائز الإيمان، منادياً بالأصول الأساسية لحقوق الإنسان في قوله تعالى :إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء 58)، وعندما يؤدي المسلم حق أخيه المسلم فقد صان حقه وحق أخيه وفي الوقت الذي يدعو الإسلام إلى كف الظلم عن الآخرين فإنه يحث على ردع الظالم عن أن يظلم غيره والأخذ بحق المظلوم ورد الظالم عن ظلمه فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا يارسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه ففي هذا الحديث النبوي الشريف دعوة للمسلمين إلى كف الظالم عن ظلمه بالفعل إن لم يكن بالقول حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ فوق يديه فعبر بالفوقية، إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وتفسيراً لنصرة الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه إذ يجب على الأمة أن يأخذوا على يديه، وأن يقهروه ليردوه عن ظلمه، لأنهم إن لم يفعلوا استشرى شره، وتفاقم خطره وبلاؤه وهذا كثير والحديث النبوي الشريف يحمل كل إنسان مسلم مسؤوليتين تجاه إخوانه أولاهما مسؤوليته تجاه المظلوم وذلك برد الظلم عنه والدفاع عنه ونصرته وإعادة الحق إليه والثانية تجاه الظالم وذلك بكفه عن ظلمه فالظلم ظلمات يوم القيامة وتعاون المؤمنين مع بعضهم البعض دلالة على صدق إيمانهم والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (التوبة 71), فالتعاون على الخير دليل على صدق الإيمان، وبعد المسلم عن أخيه المسلم وعدم مساعدته او مشايعته للظالم دليل على غيه وبغيه مصداقاً لقوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (المائدة 2)، وليعلم كل ظالم أنه مهما تمتع بظلمه في وقت يسير فإنه لن يفلت من حساب رب العالمين وإن نهايته آتية لا ريب فيها وإن حسابه عند الله تعالى كبير فلن يدعه بل إن الله يملي للظالم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) (هود 102) والحديث رواه مسلم،وإلى من بدر منه مظلمة تجاه العباد فليبادر بالتوبة فلقد شرع الله لعباده التوبة من جميع الذنوب قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (النور 31)، وقال صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فمن بدر منه شيء يمس حق أخ مسلم له فعليه أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم الصادق على ألا يعود في ارتكاب المظالم بحق من ظلمه قبل ذلك أو غيره مستقبلا وأن يكون ذلك تعظيماً لله سبحانه وتعالى وإخلاصاً له وحذراً من عقابه والله يتوب على التائبين فمن صدق في التوجه إلى الله عز وجل وندم على ما مضى وعزم عزماً صادقاً ألا يعود واقلع عن ظلمه تعظيماً لله وخوفاً منه فإن الله يتوب عليه ويمحو عنه ما مضى من الذنوب فضلاً منه واحسانا سبحانه وتعالى ولكن التوبة عن المعصية في هذه الحالة مشروطة برد الحقوق إلى أهلها فمن وقع منه ظلم للعباد فهذا يحتاج إلى أداء الحق الذي عليه مع التوبة والندم على مافات والعزم على عدم العودة وعليه اما أداء الحقوق لأهلها أو التحلل منهم:يقول لصاحب الحق سامحني يا أخي أو أعف عني أو يعطيه حقه ولا يغر الشيطان البعض حين يوهمهم بأنهم أعلى مركزاً وسلطة وأكبر جاهاً وأكثر مالاً فإن هذا لا ينفع الظالم يوم العرض على رب العالمين ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري، ويجب علينا يا عباد الله ان نحذر سخط الجبار فقد قال النبي المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والسلام (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق اطرا ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه أبو داود، فعلى كل من وقع منه مظلمة تجاه إخوانه المسلمين أن يتقي الله ويرد حق العباد قبل أن يقتص الله منه يوم المعاد فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتؤدون الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس من لا دينار له ولا درهم له ولا متاع فقال عليه السلام المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار رواه مسلم، واعلموا أن مال المسلم لا يحل إلا بطيبة من نفسه وبرضاه التام، إن حرمة مال المسلم كحرمة دمه وعرضه فلا يجوز أخذ ماله أو سكنى بيته إلا برضاه قال صلى الله عليه وسلم من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين متفق عليه، اللهم أجرنا من الظلم في الدنيا وأجرنا من الظلمات في الآخرة.
* واشنطن

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved