| أفاق اسلامية
* حوار: فهد الغميجان
الخوف من الحسد مرض عضال يُصاب به بعض الناس وهذا علاجه
الحاسد أول من يخسر إيمانه بالله عزّ وجلّ ولا يكسب إلا حسرة وندامة
الحسد درجات وأنواع، فقد يُحسد الإنسان في بدنه أو أمواله أو أولاده أو شيء يحبه
اكد فضيلة الدكتور صالح بن غانم السدلان استاذ الدراسات العليا بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ان الحسد مرض من امراض القلوب سببه ضعف الايمان وعدم القناعة والاقتناع,, مشيراً الى ان الحكمة من وجود الحسد بين بعض البشر لبيان من كان مؤمناً بالله وقضائه وقدره مقتنعاً بما اعطاه الله راضياً به وممن يضعف ذلك لديه او ينعدم عنده.
ويؤكد الشيخ السدلان في الوقت نفسه ان الخوف من الحسد قد يكون مرضاً عضالاً يصاب به بعض الناس بحيث يكون الانسان متذكراً للحسد ومتخيله في ذهنه دائماً ويجعله في خوف وقلق وذلك مذموم ويتنافى مع التوكل على الله عز وجل وقال الدكتور السدلان في حديثه ل الرسالة في تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ان الانسان لا ينبغي ان يكون ثرثاراً يتكلم في كل شيء بل يبدأ بحاجاته وخاصة حاجاته التي يحسد عليها ويستعين على قضائها بالكتمان ولا يتحدث عنها قبل ان تظهر.
ويضع الدكتور السدلان وصفة لعلاج الحسد بأن يقوي الانسان المحسود من ايمانه بالله عز وجل والايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره، وأن يقرأ القرآن ويكثر من تلاوته وذكره لله,, كما يضع فضيلته الكثير من الوصفات لعلاج الحسد وتفنيد اسبابه فالى نص الحوار:
* فضيلة الشيخ: ماهو الحسد، وما سبب نشأته بين الناس مع الاستدلال لذلك؟
الحسد مرض من امراض القلوب، مرض قلبي سببه ضعف الايمان وعدم القناعة وعدم الاقتناع بما قسمه الله وعدم الرضا بقضاء الله وقدره، فمن آمن بالله قنع بما اعطاه الله، ورضي بقضاء الله وقدره لم يحسد، ومن فقد ذلك وضعف لديه الايمان يكون لديه من الحسد بما في قلبه من ضعف الايمان بالله وعدم القناعة بما قسمه الله وعدم الرضا بقضاء الله وقدره.
* برأيكم ما الحكمة من وجود الحسد بين البشر؟
الحكمة من وجود الحسد بين بعض البشر لبيان من كان مؤمناً بالله وقضائه وقدره، مقتنعاً بما اعطاه الله راضياً به، ممن يضعف ذلك لديه او ينعدم عنده، ذلك ان الحسد كما قلنا سابقاً يكون بسبب ضعف الايمان بالله وقضائه وقدره والاقتناع او القناعة بما قسمه الله بين العباد، وهنا يظهر من اتصف بالحسد، يتضح من به ذلك المرض والداء الخطير، داء الحسد، نعوذ بالله من ذلك.
* كيف يوفق المسلم بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم العين حق وحرمة الحسد؟
يوفق بينهما ان الرسول صلى الله عليه وسلم اخبر عن الواقع والذي يحصل، وان الحسد يحصل، واصابته للانسان حق، فالمحسود قد يصاب بالعين، وذلك حق، ولكن تحريم الحسد والنهي عنه، بيان لأصل الحسد والاتصاف به ووجوده في نفس الحاسد، وان اتصاف الحاسد به يعلم بأنه يرتكب امراً محرماً، لكن اذا حسد انساناً على ما اعطاه الله، فان ذلك حق وقدر قدره الله على العبد.
* وما العلاقة بين الحسد والعين؟
العلاقة بينهما ان الحسد اصل العين، فالعين لا تكون الا من حاسد، وذلك ان الحاسد اذا وقع في قلبه حسد على نعمة بانسان، انطلقت هذه العين كالرصاصة من قلب الحاسد حقداً وحسداً الى تلك النعمة.
* قال الله عز وجل:ومن يتوكل على الله فهو حسبه فهل التوكل على الله كفيل بحفظ الانسان من شرور الحاسدين؟
لا شك في ذلك فمن يتوكل على الله فهو حسبه ومن توكل على الله كفاه وفي الآية قوله تعالى:ومن يتق الله يجعل له مخرجاً وقال تعالى: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجراً ، ولا شك ان من ابرز عوامل التقوى التوكل على الله عز وجل، فمن توكل على الله فهو حسبه، اي كافيه، يكفيه شرور الحاسدين وحقد الحاقدين، ونكدهم وأذاهم، لأن الله بيده هذه الامور كلها وانه على كل شيء قدير، وهو الذي يكفي عباده ويحرسهم ويحميهم ويحفظهم، قال تعالى: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن , وقوله تعالى: قل اعوذ برب الفلق* من شر ما خلق * ومن شر غاسق اذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد اذا حسد ، ولولا ان الله هو الكافي والمانع من الحسد لما امرنا بالتعوذ من الحاسد، فدليل ان التعوذ بالله والتوكل عليه يحفظه من الحسد ويحرسه وهو الحصن الحصين من الحاسدين.
* بعض الناس يكون لديه الخوف والقلق والحذر والحيطة من الحسد او بعض الحاسدين، فهل ذلك يتنافى مع التوكل على الله؟
الخوف من الحسد قد يكون مرضاً عضالاً يصاب به بعض الناس وقد يكون الحسد والخوف منه امراً مشروعاً بأن يتقي الانسان حسد الحاسدين، وان يحمله ذلك على قراءة الاذكار وتلاوة القرآن والاعتصام بالله والتوكل عليه، فاذا كان تذكر الحسد ينتج عنه التوكل على الله والتفويض لجميع الامور الى الله ويسبب للمسلم اخذ الحذر والحيطة واتيان الامور من ابوابها، وعدم التحدث بها لا تدعي الحاجة اليه، وكتم ما تدعو الحاجة الى كتمانه، كما جاء في الاثر اننا نستعين بقضاء حوائجنا بالكتمان، وان الانسان يلازم الاذكار المسائية والصباحية، والاوراد الخاصة بكل شأن من شؤون المسلم، عند الدخول الى البيت والى المسجد، والخروج منه ودخول الخلاء، ودعاء السفر وغيره من الاذكار، فتذكر الانسان للحسد يحمله على ذكر الله يكون محموداً، اما ان يكون الانسان متذكراً للحسد ومتخيله في ذهنه دائماً، ويبقى في خوف وقلق، ذلك مذموم ويتنافى مع التوكل على الله عز وجل.
* فضيلة الشيخ ما المردود السلبي الذي يجنيه الحاسد على نفسه وعلى المحسود نفسياً واجتماعياً؟
الحاسد كما يقول الناس الحسود لا يسود ولا يناله من حسده الا الهم والحسرة والندامة، والانسان الذي يحب الخير لاخوانه المسلمين هو الذي يسود ويوفق لكل خير وينجح في الحياة ويوفق لكل خير، فالله كتب الارزاق والآجال، فكل انسان قدر له من امر الدنيا وخيراتها او مصائبها قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها .
فالحاسد اول ما يخسر ايمانه بالله عز وجل، او اختلال ايمانه، وعدم القناعة بما اعطاه الله وضعف ايمانه بقضاء الله وقدره، او انعدام ذلك منه، نعوذ بالله من ذلك، والحاسد لا يكسب الا حسرة وندامة وتأوهاً وأسفاً وغير ذلك, والا كل شيء مكتوب، فالامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله لك رفعت الاقلام وجفت الصحف , او كما قال عليه الصلاة والسلام.
* تعليقاً على ما ذكرتم، كيف يوفق المسلم او المؤمن بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم:المؤمن مبتلى، وان الله اذا احب قوماً ابتلاهم ، او ان تلك المصائب التي يصاب بها العبد من ذنوبه ومعاصيه، بمعنى آخر وبصرف النظر عن الحاسد, ما الآثار او النتائج والثمار الطيبة التي تعود على المحسود في الدنيا والآخرة؟
اما عن القسم الاول في مسألة التوفيق بين ان المؤمن مبتلى وان الله اذا احب قوماً ابتلاهم وبين ما يحصل من الحسد والمصائب، الجمع بين ذلك ان الله اذا ابتلى عبداً من عباده وأراد به نوعاً من انواع الابتلاء والامتحان انه يسلط عليه ما يسلط اما حاسداً او حية او عقرباً او مرضاً او ضيقا في العيش، فيكون ذلك من باب الابتلاء بالعبد، والله عز وجل يبتلي عباده المؤمنين، قال الله سبحانه وتعالى: واذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ، لا شك ان الحسد درجات وأنواع، فقد يحسد الانسان في بدنه او ماله او اولاده، او في سمعه او في بصره او مركزه او عمله او شيء يحبه، لكن اذا اصيب بحسد من الحاسدين فيكون ذلك ابتلاء لهذا المؤمن والله عز وجل يرفع درجاته ويكفر عنه سيئاته ويجزل له المثوبة ويكتب له سعادة ورفعة في الدنيا والآخرة لأنه ابتلي بما ابتلي به فصبر واحتسب وسلم وآمن بما قضى له وقدر، وهو لا يدري من اين جاء له ذلك الشيء لكن الله يعلم من اين أصابه ولماذا اصابه فيثيبه الله الاجر والمثوبة.
* فضيلة الدكتور نريد الحديث بشيء من التفصيل حول القول المأثور: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ؟
بعض الحوائج ينبغي ان يكتمها الانسان حتى تظهر، ولا ينبغي ان يكون الشخص ثرثاراً يتكلم في كل شيء، بل يبدأ بحاجاته، وخاصة حاجاته التي يحسد عليها او غير ذلك، فيستعين على قضائها بالكتمان ولا يتحدث عنها قبل ان تظهر، اما اذا حصل له الخير والنعمة التي يحبها، فليتحدث بنعمة الله عليه، اما اذا فكر في شيء فتحدث عنه قبل ان يبدأ، واذا حصل له شيء تكلم عنه قبل ان يظهر وغير ذلك فهذا يخالف ذلك، فان بعض الحاجات من المستحسن ان لا يعلن عنها، وذلك حسب الظروف والعادات.
* كيف يوفق المسلم بين حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: لا حسد الا في اثنتين وشيوع الحسد في كثير من الامور؟
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا حسد الا في اثنتين موجه لعموم الامة، وان على المسلمين ان لا يتغابطوا تغابط الحسد، وهو كراهية ذلك الخير لذلك الانسان وتمني زواله من بين يديه، وانه لا يجوز الحسد في كل اشكاله والوانه ولكنه في هذا الحديث يعني في الحقيقة حسد الغبطة وهو من اتاه الله العلم فعلم به وعلمه ونفع به، وآتاه الله المال فسخره وأنفقه في سبيل الله والخير وهؤلاء هم الذين يغبطون فمثلاً لو فرضنا شخصاً لديه العلم والقرآن وانساناً تاجراً نافعاً للناس بماله فللإنسان ان يتمنى ان يكون لديه ذلك، ولا يتمنى ان يزول ذلك منهما وان يدوم الخير للجميع للنافع والمستنفع فلله الخير كله.
* اخيراً فضيلة الشيخ صالح,, حبذا لو بين فضيلتكم علاج الحسد في ضوء الكتاب والسنة؟
علاج الحسد من جانب من كان يشعر ان لديه حسداً في نفسه، ان يقوي ايمانه بالله عز وجل والايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره، وان يقرأ القرآن ويكثر من تلاوته وذكر الله، ويحاول ان يقنع نفسه بأن تعلقه بالآخرين ان ذلك لا يجني على الآخرين شيئاً لا ينفعه بشيء، .
ويتأمل ما اعطاه الله وما منحه من النعم، ويتأمل من دونه من الناس، ويشكر الله على نعمه، وعليه ان لا ينظر فيما في ايدي الناس فمن زهد فيما عند الناس احبه الناس .
ومن زهد في الدنيا احبه الله، فيكون للمسلم ذلك التوجه وينبغي ان يكون هذا التوجه بعيداً عن التعلق بما عند الناس، غنياً فيما منحه الله وأعطاه، مقتنعاً به، مؤمناً بقضاء الله وقدره، وبما قسم له من الرزق.
|
|
|
|
|