| متابعة
* دجنيت الجزائر كلوديا التمان د,ب,أ
في وسط الصحراء يتمايل رجال بجلال وعظمة فوق الرمال، وتغطي رؤوسهم ووجوههم أقنعة ويرقصون بخطوات عريضة على ايقاع الطبول.
ويحرك هؤلاء سيوفا طويلة يصدر عنها صوت يضيف ما يشبه اللحن الجميل الى دقات الطبول الرتيبة, ويضفي المكان الذي يجري فيه ذلك في واحة دجنيت جنوب شرق الجزائر نوعا من الغموض الحقيقي على الجو.
وتوحي البراعة التي يحمل بها هؤلاء الرجال أسلحتهم لمن يشاهدهم بطريقة لا تدع مجالا للشك بأنهم يعرفون كيف يستخدمون سيوفهم وقت الغضب.
فمنذ القدم عرف عن بدو الطوارق القادمون من قلب الصحراء بأنهم محاربون أشداء غير انه عندما يجتمع هؤلاء في نهاية فصل الربيع من كل عام فان الحركات الراقصة التي تشبه الحركات الحربية لا تعدو كونها حركات رمزية.
وتتجمع قبائل الطوارق المتواجدة في المنطقة في واحة دجنيت للاشتراك في مهرجان سبيبا للاحتفال بمعاهدة السلام التي توصل اليها أسلافهم قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
ويروى في الأساطير ان فرعين من الطوارق كانا يخوضان نزاعا طويلا ودمويا عندما وصلتهما أنباء عن انتصار موسى على جيوش الفرعون المصري, وقد دفع ذلك بالطرفين المتنازعين الى وقف القتال وتسوية خلافاتهما سلميا.
وتهدف الرقصة الرمزية التي تصور المعركة الأخيرة بين الطرفين منذ ذلك الوقت الى التحذير من أخطار الدماء بين فريقين يتقاسمان نفس التقاليد والعادات.
ويقضي الرجال والنساء بالفعل أسابيع في التحضير لهذه الرقصة كما لو كانوا يستعدون للحرب, ويتم التدريب على التكتيكات وتلميع الأسلحة الرائعة واعداد الملابس الزاهية الألوان، كما يتم ارسال فرق استطلاع سرية لمراقبة مواقع وتحركات العدو .
وفي النهاية يحل اليوم الذي تقف فيه القوات المعارضة لتواجه بعضها البعض في نفس وادي ايدجاريو حيث وقف أسلافهم قبل فترة طويلة.
ويصدر الجانبان أصواتا مزعجة للأسلحة وايماءات استفزازية الى ان تصل حدة التوتر الى ذروتها ويتقبل كبار السن الصولجان وفي أعقاب بعض المناقشات يتم الموافقة على السلام مرة أخرى, ويشهد المشاهدون احتفالا ضخما حيث يحاول كل طرف في الغالب ان يتفوق على الطرف الآخر بارتداء الملابس الرائعة والحلي والمجوهرات.
ويعد هذا المهرجان من أبرز المعالم في واحة دجنيت ولسكانها البالغ عددهم سبعة آلاف نسمة.
وبالاضافة الى واحة غات في ليبيا فان واحة دجنيت التي تقع عند سفح جبل تاسيلي تاجير هي مركز لبدو المنطقة.
وتوفر العديد من الينابيع في المنطقة كميات من الماء تكفي لأن يروي البدو حدائقهم الصغيرة ومحاصيلهم وحوالي 60 ألف شجرة نخيل.
وبسبب الخضرة الغريبة التي تغطي مساحات كبيرة من هذه الواحة فقد أطلق عليها اسم آخر وهو لؤلؤة الواحات .
ولا يجتذب المهرجان أفراد الطوارق فحسب ولكنه يجتذب أيضا سائحين من جميع انحاء أوروبا وقد قام عدة مئات من السائحين بزيارة المنطقة في الفترة من أيلول/ سبتمبر حتى أيار/ مايو حيث انتهى الموسم, غير ان هذا العدد يبتعد كثيرا عن عددهم في التسعينات والذي وصل الى حوالي عشرة آلاف سائح.
وقد دفعت الأعمال الارهابية التي نفذها متطرفون اسلاميون في شمال البلاد على بعد حوالي ألفي كيلو متر من الواحة، بمعظم شركات الطيران الى الغاء رحلاتها للمنطقة الأمر الذي أدى الى وضع نهاية للسياحة الصحراوية.
ولم يقم بهذه الرحلة بعد عام 1992م سوى زوار من ألمانيا والنمسا, وقد نأت مجموعات سياحية من فرنسا وايطاليا بنفسها عن القيام بمثل هذه الرحلات بعد ان كانت تمثل في السابق مجموعات سياحية هامة.
ولا يعوض العدد القليل من الزوار العائلات التي تعيش في واحة دجنيت والتي كانت تعتاش على صناعة السياحة, ووجد مالكو السيارات المخصصة للسير على الطرق الوعرة والغالية الثمن انه لا يمكنهم التعويض عن بعض خسائرهم سوى بتأجير سياراتهم لشركات النفط التي تقع على بعد ألف كيلو متر الى الشمال في حاس مسعود.
غير انه بالنسبة للمرشدين السياحيين فكل ما تبقى لهم هو تهريب البضائع عبر الحدود الى ليبيا والنيجر.
يقول محمد حمودة مسؤول رسمي عن صناعة السياحة في المنطقة ان السياحة هي أهم مصدر للدخل لسكان المنطقة اذ تعتمد نحو 65 في المائة من العائلات على صناعة السياحة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويقول حمودة انه يتعين علينا ان نجعل قطاع السياحة مركزا لتطوير المنطقة والقوة الدافعة للمناطق الأخرى وعددها خمس عشرة على الأقل .
ويأمل حمودة في ان يفيد تحسن الوضع الأمني في شمال الجزائر السياحة في منطقة الصحراء.
ويستطيع الزائرون لجنوب الجزائر ان يشاهدوا مزيجا فريدا من معالم الطبيعة الصحراوية الخلابة والجبال بالاضافة الى الوديان الواحات.
كما سيكون بامكانهم مشاهدة اكبر متحف في العالم في الهواء الطلق ورؤية عدد لا يحصى من الرسومات والنقوش الصخرية والنقوش المنحوتة التي تزين حديقة تاسيلي الوطنية التي تصور الأفيال والزرافات وأفراس النهر التي كانت تعيش في المنطقة في وقت من الأوقات.
ويفسر كل ذلك السبب الذي يجعل معظم الزائرين يعودون الى ذلك المكان باستمرار والاستمتاع بالاستقبال الذي يقدمه الطوارق وعادة ما يجلب هؤلاء أصدقاءهم وأقاربهم عندما يعودون الى المنطقة.
|
|
|
|
|