| مقـالات
تأصيل المسائل العلمية بضابط من سعة العلم وعمق الفهم وطول البال والتقوى موصل هذا إلى نتيجة التأصيل حتى تلك التي وقع اختلاف في الفروع بين العلماء كل في بابه.
وما يقف عثرة أمام ذوي التخصص الدقيق وما يبلبل السبيل الصحيح ويعكر صفو الاستخلاص للنصوص والشواهد مثل المغالطة والكيد من طرف أو من أطراف ناهيك عن الجهل ومثله سوء النية من قادر فاجر.
إن العلم إذا لم تعطه كلك لم تسلم من الجهل لأنه لن يعطيك شيئاً ومن طبيعة من لا يعطي العلم نفسه كلها وأمره كله أنه يحسد وقد يحقد فيجهل ويُجهِّل فبهذا يضيع أو قد يضيع الشيء الكثير مما الناس بحاجة إليه.
ومن هنا سوف أناقش مسألة شرعية علمية يقتضي المقام اقتضاب الحديث عنها وخير الكلام ما قل ودل حسب الجهد وآلة النظر، والله المستعان.
قال الله سبحانه وتعالى من سورة الصافات (فلما بلغ معه السعي قال: يا بُني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال: يا أبت افعل ما تُؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) هذه آية قصة: الذبيح، وقصة الذبح كانت بمنى قرب مكة وداخل حدود حرمها والمراد به إسماعيل عليه السلام لأن إسحاق لم يكن بها ولأنه جاء بعده قال سبحانه من سورة هود (وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين), لأنه لا يمكن أن يؤمر إبراهيم عليه السلام بذبح اسحاق وهو ليس بمكة ورؤياء الذبح كانت بمنى في حدود مكة.
ولأن إسحاق عليه السلام كان صغيراً كما بين ذلك الله سبحانه وتعالى إذ قال: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب).
قال الإمام ابن كثير وانقله هُنا عنه لأنه قد استسقى ما أوره من كتب الثقات من أهل السنة قال (1) : قال الله تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ (2) إلى أهله فجاء بعجل (3) سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس (4) منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم) سورة الذاريات, يذكر الله تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة:
جبريل.
وميكائيل.
وإسرافيل (4) .
لما وردوا على الخليل حسبهم أولاً أضيافاً فعاملهم معاملة الضيوف، وشوى لهم (5) عجلا سميناً من خيار (6) بقرة، فلما قربه إليهم وعرضه عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية، وذلك لان الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام فنكرهم إبراهيم عليه السلام وأوجس منهم خيفة, (قالوا: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) (7) أي لندمر عليهم، فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم (8) ، وكانت قائمة على رؤوس الأضياف، فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) أي بشرتها الملائكة بذلك (فأقبلت امرأته في صرة) أي في صرخة (فصكت وجهها) أي كما يفعل النساء عند التعجب، وقالت: (يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً), أي: كيف يلد مثلي وأنا كبيرة، وعقيم أيضاً (9) ، وهذا بعلي، أي زوجي شيخاً,,؟,, تعجب من وجود ولد، والحالة هذه، ولهذا قالت: (إنَّ هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله (10) رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد).
قال ابن لحيدان وذكر ابن كثير كذلك وقد لخصه من تفسيره ذكر (9) قال: وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبمَ تُبشرون، قالوا: بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين)، أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه، فبشروهما (بغلام عليم) وهو: إسحاق أخو إسماعيل، غلام عليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر (11) وقال سبحانه في الآية الأخرى (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب).
وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو: إسماعيل، وأن إسحاق لا يجوز أن يُؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب بعده، وعند أهل الكتاب انه أحضر مع العجل الحنيذ وهو المشوي رغيفاً من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن وعندهم أنهم أكلوا، وهذا غلط (12) محض, وقيل كانوا يرون أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء (13) .
وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم: أما ساراي امرأتك فلا يُدعى اسمها ساراي ولكن اسمها سارة، وابارك عليها وأعطيك منها ابناً، وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه، فخر إبراهيم على وجهه يعني ساجداً وضحك قائلاً في نفسه: أبعد مائة سنة يولد لي غلام,,؟,.
أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة,,؟!
وقال إبراهيم لله تعالى: ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: بحق إن امرأتك تلد لك غلاماً وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا الحين من قابل، وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده، وقد استجبتُ لك في إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته جداً كثيراً، ويولد له اثنا عشر عظيماً واجعله رئيساً لشعب عظيم).
قال ابن لحيدان: وما كنتُ لأنقل هذا إلا لكي يطلع المطلع العزيز على تلفيق أهل الكتاب ووضعهم الشائن خاصة وان الملائكة /جبريل/ وميكائيل/ وإسرافيل قد أكلوا وهم من أول من يعلم أنهم لا يطعمون الطعام لكنهم يكرهون الحق الذي يأتي به الوحي عن طريق الامين جبريل عليه السلام فيكشف بغيهم وخيانتهم وكذبهم وقتلهم الأنبياء وصدهم وردهم وطردهم طلباً للعلو والسيادة والجاه والهيمنة, ونقل ابن كثير من قوله: (وعندهم,,,,, الخ) فيه إشارة من ابن كثير ان هذا محض قول قلتُ: لم أجد بين يدي من صحيح الآثار صحة ما ذكره عنهم ابن كثير، وقولهم هذا وان كان فيه موافقة للحق في بعض نقاطه لكن العبرة هي بصحة سند ما ورد ولوكان إسرائيلياً، إذ كل شيء محفوظ بسنده، وهذا من خصائص هذه الأمة المسلمة حفظا لجناب التوحيد ولأن الاسناد من الدين، والحديث عن بني إسرائيل دون حرج هذا مرتبط بصحة الاسناد إلى المتن وإلا فسوف يفتح الباب.
ومن ذا يأمن وقد قال سبحانه (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) وقوله جل قوله: (ودوا لو تكفرون كما كفروا).
ولهذا لابد من ضبط النظر عند البحث عن إسحاق وعن ذريته وإسماعيل وذريته بضابط الرواية والدراية وهما في غاية الصحة.
والذين يكتبون هكذا يقعون في الخطأ لكنه خطأ قد لا يُغتفر خاصة في مسألة الذبيح وأنه إسحاق.
من أجل ذلك فأهل الكتاب يرصفون القول ويدبجون النصوص في قصة الذبيح لكنهم يقعون هنا في تنور حار لا يبرد إذ انهم يلقون جهابذة كبارا من هذه الأمة يردون دعواهم بمدلول النص الصحيح، ومعقول العقل السليم.
ولهذا يقفون حيرة وذهولا كيف تم لغيرهم معرفة أن الذبيح هو: إسماعيل بينما هم يُريدونه إسحاق، وما دروا وما كان لهم أن يدروا أن خالقهم وخالق إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب هو: الله جلَّ وعلا وهو مُنزل: التوراة/ والإنجيل والقرآن، وان الحق لا يتغير بكلمة مريفة أو ان الحق يتغير بقوة، أو يتبدل بدهاء ومرك.
لكن يكون العتب على من نحسن به النية من كتاب ومثقفي هذه الأمة الذين يتلقفون القول على علاته دون علم أو هدى أو كتاب منير، قال ابن كثير: ومن قال إن الذبيح هو: إسحاق فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل الذين بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والانجيل، وخالفوا ما بأيديهم في هذا من التنزيل، فإن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ولده البكر، وفي رواية: الوحيد، وأياً كان فهو إسماعيل بنص الدليل ففي نص كتابهم: إن إسماعيل ولد ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة وانما ولد إسحاق بعد مضي مائة سنة من عمر الخليل، فإسماعيل هو: البكر لا محالة وهو الوحيد صورة ومعنى على كل حالة.
أما في الصورة، فلأنه كان ولده أزيد من ثلاث عشرة سنة,.
أما أنه وحيد في المعنى، فإنه هو الذي هاجر به أبوه ومعه أمه هاجر، وكان صغيراً رضيعاً، فوضعهما في وهاد جبال فاران، وهي الجبال التي حول مكة نعم المقيل، فتركهما هنالك ليس معهما من الزاد والماء إلا القليل، وذلك ثقة بالله تعالى وتوكلا عليه، فحاطهما الله تعالى بعنايته وكفايته، فنعم الحسيب والكافي والوكيل والكفيل، فهذا هو الولد الوحيد في الصورة والمعنى، ولكن أين من يتفطن لهذا السر؟
واين من يحل بهذا المحل؟
والمعنى لا يدركه ويحيط بعلمه إلا كل نبيه نبيل (14) .
وها هو العلامة: عبدالحميد الفراهي، صاحب كتاب نظام القرآن وتأويل الفرقان بالقرآن يُبين حقيقة علمية مؤصلة عمن هو الذبيح يبين هذا بواسع جيد من النظر في كتابه الرأي الصحيح في من هو الذبيح يقول في ص51 قد مر في القصة أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه الوحيد ولاشك ان إسماعيل عليه السلام ولد قبل إسحاق بأربع عشرة سنة، فإنه جاء في سفر التكوين (16:16).
وكان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام .
وفيه أيضا (21 5) وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه .
فثبت من ذلك أمران:
(أ) لم يكن لإبراهيم عليه السلام وحيد إلا إسماعيل عليه السلام حتى ولد له إسحاق عليه السلام.
(ب) قُرِّب هذا الابن الوحيد قبل ولادة إسحاق عليه السلام، فإنه لم يبق وحيداً بعد أخيه، وفي كلا الأمرين دليل مستقل على أن المقرب هو إسماعيل عليه السلام.
وإذا كان ذلك بيناً تعسف أهل الكتاب في الجواب فقالوا: إن إسحاق لما كان هو مع أبيه، وكان إسماعيل قد أُبعد عنه فصار إسحاق وحيداً كأن لم يكن لإبراهيم عليه السلام غيره.
وهذا الجواب سقيم من وجوه:
(أ) قد مر آنفا أن إسحاق عليه السلام هو الذي كان بعيداً عن أبيه، وكان إسماعيل عليه السلام ساكناً مع ابيه وأمه في بئر السبع.
(ب) إطلاق الوحيد على اسحاق لا يصح بمجرد ان أخاه الاكبر كان بعيداً عنه وعن أبيه، كما زعموا فإن (ابنك وحيدك) إنما يقال عن لا ابن له غير إبن واحد وهذا ظاهر جداً.
(ب) ولا سلم ذلك على سبيل التنزل، فإسماعيل عليه السلام أولى بأن يُسمى وحيداً، لكونه مبعداً على زعمهم عن مسكن أبيه.
ثم إن هذه الكلمة التي صارت حجة عليهم إنما حرفوها عن: (بكرك) وقد خسروا بهذا التحريف فإنهم فروا من حجة فصارت عليهم حجتان، وأظهرت أمراً لم يحتسبوا أن يظهر، وهو أن إسماعيل عليه السلام قد قرب قبل أن يولد إسحاق عليه السلام.
وورد في ص54/55 (قد مر في قصة الذبح في اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الوضع من بعيد, زعمت يهود ان هذا الموضع هو موضع هيكل سليمان في أورشليم، وزعمت النصارى انه موضع صلب المسيح عليه السلام حسب معتقدهم، ولكن المحققين منهم قد علموا: أنه باطل محض ونذكر خلاصة آرائهم من كلام أحد مشايخهم كولنزو G.W. Calnso فإنه ذكر مخالفتهم في اسم الموضع الذي سموه (أرض المريا) ثم صرح بتحريفهم في هذه التسمية، وهذا ما ذكره من الاختلاف.
ثم أورد الخلاف عند السلف،
قال ابن لحيدان: وقد نظرتها وراجعتها كما هي عند:
1 الطبري: في تاريخ (1/263).
لم تصح/ حسب السند فسند ابن جرير فيه: ضعف
2 ابن كثير/ التفسير (4/16).
قلتُ/ بيَّن ابن كثير/ صفتها
3 الطبري: في تاريخه (1/264 270).
قلت: لم تصح الروايات التي ذكرها.
4 الطبري: لم تصح، وقد أوردها في التفسير (23 81 85).
5 ذكره في (معالم التنزيل) (7/46 47) البغوي).
قلت : السند ضعيف.
6 الدر المنثور/ للسيوطي (5/530 532)
قلتُ : لم يصح، مع أن السيوطي من أهل علم الدراية.
وقد أورد المؤلف روايات صحيحة نقلها من مظانها ان: الذبيح هو (إسماعيل) عليه السلام.
ويتبين من هذا ان لا خلاف في كون/ الذبيح/ هو إسماعيل/ عليه السلام/ مما يلي:
(1) لم يصح نص حسب علمي: انه إسحاق/ عليه السلام/.
(2) كذب يهود وليهم وتحريفهم كما هو مُبين آنفاً.
(3) لم يزل أهل الكتاب يُساهمون ويبذلون في (بناء المساجد التي فيها قبور ومزارات) مع ذكر إسحاق عليه السلام في بحوثهم فتنبه.
(1) قصص الأنبياء ص167/173.
(2) ذهب بسرعة.
(3) ولد البقر يكون صغيراً,,, طرياً.
(4) أحس.
(5) قلت، ولا يوجد في الملائكة من اسمه: عزرائيل.
(6) قلت شوى على الحجر.
(6) من طيب، وهذه عادة العظماء الكرام.
(7) لا يجوز نسبة الشذوذ الجنسي بين الرجال صغاراً أو كباراً إن يقال لواط أو لوطية فلم يرد بهذا نص صحيح، لكن يقال: الخبائث أو: الخبث, فتنبه جداً.
(8) وهذا معنى: الولاء والبراء.
(9) الله قادر على كل شيء وما يفعله بعض الناس (من الأطباء) وغيرهم كله بقدر الله وإرادته وذلك بفعل الاسباب التي خلقها الله تعالى في الحياة/ فقد تلد: العقيم,, والكبيرة.
(10) عد إلى (9).
(11) يعني إسماعيل كما في سورة (مريم).
(12) قلت: وهذا من اسباب رد المتون وبطلانها إذا خالفت نصا صحيحا.
(13) لم يصح/ لم يُبين ابن كثير/ سنده.
(14) القصص/ لابن كثير ص229.
|
|
|
|
|