| الثقافية
* أبها محمد السيد
تفاعلا مع الحدث الوطني الهام اختيار الرياض عاصمة للثقافة لعام 2000م وتفعيلا لمهرجان أبها المنوع تواصلت نشاطات العمل الثقافي الابداعي بنادي أبها الأدبي فمن أمسية شعرية الى رأي حول الشعر وفي هذا الإطار استضاف نادي أبها الأدبي الأديب الدكتور عبد العزيز بن محمد السبيل الأستاذ المشارك بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في محاضرة بعنوان الشعر العربي بين البدء والتحول ادارها القاص تركي محمد العسيري، الذي قال اننا في هذا المساء نستمع الى احد المهتمين بدراسة الشعر وأغراضه في بلادنا، لان الشعر يظل ديوان العرب، ثم بدأ المحاضر محاضرته بتقديم الشكر لرئيس نادي أبها الأدبي على اتاحته له الفرصة للالتقاء بالجمهور الكريم بالمنطقة مؤكدا حرصه على التواصل مع النادي وتلبية الدعوة,, وقال:
البداية يقول الجاحظ وأما الشعر فحديث الميلاد صغير السن أول من نهج سبيله وسهل الطريق اليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة، فاذا استظهرنا الشعر وجدنا له الى ان جاء الله بالاسلام خمسين ومائة عام واذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتا عام وانطلاقا من طبيعة التدرج في الأشياء يجد المرء صعوبة في قبول رأي الجاحظ بان امرأ القيس 500540م أول من بدأ الشعر أو حتى رأي ابن سلام في الطبقات بان المهلهل وهو خال امرئ القيس وجد عمر بن كلثوم لأمه أول من قصد القصيد والمهلهل عاش حتى نهاية القرن الخامس الميلادي فقد شارك في يوم السُّلان سنة 450 كما تشير المصادر الأدبية والتاريخية وانما سمي مهلهلا لهلهلة شعره اي رقته وخفته وكأن الشعراء فيما بعد اعترفوا للمهلهل بهذا الدور,, فهذا لبيد بن ربيعة يقول والناطقون الأولون آراهم,, سلكوا سبيل مرقش ومهلهل وتشير بعض المصادر ان الأفوه أول من قصد القصيد ويقال بان الأفوه قد أدرك المسيح وتلك أقوال يصعب التثبت منها من ناحية ومن ناحية أخرى لا نجد أدلة تدعمها لكننا حين نتجاوز كل ذلك وننظر الى القصيدة الجاهلية في تلك الفترة نجد انها ذات بنية شعرية متكاملة محكمة النسج وذات بناء متجانس وهذا ما جعل الباحثين يترددون في قبول رأي الجاحظ أو ابن سلام وغيرهما، ذلك ان الشعر في تلك الفترة كان يمثل مرحلة من النضوج، ومن المفترض ان تكون ثمة بدايات في العصور السابقة تطورت حتى وصلت الى هذه المرحلة.
ومضى المحاضر يقول: وبنظرة سريعة لمقدمة القصيدة الجاهلية يجد المرء ما يؤيد هذه الرؤية، فالوقوف على الاطلال والبكاء عليها سنة درج عليها الشعراء منذ أول شعر وصلنا حتى اليوم بصرف النظر عما اذا كان الوقوف حقيقة أو مجازاً أو تقليدا واذا كان المهلهل بن ربيعة كما اسلفنا من اقدم الشعراء الذين وصلنا شعرهم فاننا نجده يشير الى ان الأطلال معروفة قبل زمنه حيث يقول:
هل عرفت الغداة من الطلال رهن ريح وديمة مهطال |
ثم نجد اشارات من امرئ القيس تفيد انه مقلد في هذا الجانب فهو يقول:
عوجا على الطلل القديم فإننا نبكي الديار كما بكى ابن حزام |
وهذه اشارات صريحة في حال صحتها الى ان هناك من سبق امرأ القيس في قول الشعر والبكاء على الاطلال ولذلك فان المقولة المشهورة بأن امرأ القيس هو أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى تفقد شرعيتها في هذا السياق لكن التساؤل الأكبر يتمثل في العصر الذي يعود اليه ابن حزام, وقال: بأن علماء اللغة في دراساتهم يؤكدون التغيير الكبير في اللهجات عبر التاريخ وان العربية الفصحى قد تبلورت واكتملت قبل مجيء الاسلام ولاشك ان نزول القرآن بهذه اللغة مؤشر لمرحلة النضج التي وصلتها,, ولعله من الطبيعي حين البحث عن أول شعر قيل ان تتحول المسألة الى التخمين والتوقع لأن التدوين لم يكن معروفا بشكل كبير في العصر الجاهلي وكان الاعتماد على الرواية الشفوية في نقل اخبار وأحداث وأشعار الاجيال السابقة.
وأكد د, السبيل ان الباحث في بداية الشعر سيجد بعض الروايات التي تقترب من حد الطرافة وغير المعقولية مستشهدا بما يرويه المؤرخ المسعودي على انه من شعر آدم عليه السلام.
وأوضح بانه لا بديل لنا حين تغيب الحقائق سوى ان نمضي مع رواية الافتراض اي ان نتوقع بان الشعر بدأ بكلمات قليلة مسجوعة ثم تطورت الكلمات الى بيت ثم الى مقطوعة ثم الى قصيدة مستشهدا بما قرره ابن قتيبة بانه لم يكن لأوائل الشعراء الا الأبيات القليلة، يقولها الرجل عند حدوث الحاجة,, وبيّن د, السبيل ان الشعر العربي ارتبط بالحداء ومن هنا نجد ارتباط الصوت بالحركة وتلك مرحلة هامة في رحلة الشعر العربي لان هذا الارتباط قاد الى الاستفادة من الشعر في نواح شتى من النشاطات الاجتماعية المرتبطة بالحركة وقال حين ننظر نظرة شعبية الى النشاط الاجتماعي لدى العرب نلحظ ذلك الارتباط الوثيق بين هذه النشاطات الاجتماعية والشعر فالشعر مرتبط بجميع النواحي للحياة، ونجده في الافراح والاتراح في الحل والترحال في التوديع والاستقبال في الاحتفاء والاحتفال وفي ترقيص الاطفال وفي الحماس والأعراس,, ومضى يقول: من كل ما ذكر نلاحظ كيف كانت العرب تعتبر الشعر الصوت الحقيقي المعبر عن المشاعر الانسانية بأكملها، وقد حدث ذلك مع الصحابة رضوان الله عليهم في مناسبات عدة, وأكد المحاضر بأن الشعر قد تعدى ذلك قافزا الى مستوى ثقافي واجتماعي وسياسي كبير، فأصبح يقوم بدور جيد وهو الدور الرسمي الناطق باسم القبيلة والمخاطب للخلفاء والملوك وهو دور يتم الى جانب الدور الذي قام الشعر أساسا عليه, وختم محاضرته يقول:
اذا كان البدء يرتبط بالنشاطات الاجتماعية فان التحول حدث حين نمت وظيفة الشعر وتطورت وأخذت بعدا أكبر بحيث تحولت هذه الوظيفة الى تحقيق اغراض اخرى اكبر قيمة وأكثر تأثيرا في حياة الفرد والمجتمع, وفي نهاية الأمسية فتح باب الحوار والنقاش الذي وجد اقبالا من الحضور مما يدل على تفاعلهم مع الأمسية، وقد كانت المداخلات ايجابية ورائعة شارك فيها الأستاذ أحمد مطاعن ومطلق شائع وصالح الأحمد وعبد الرحمن الحسن ومحمد الحازمي، وفي الختام عبر رئيس نادي أبها الأدبي الأستاذ محمد الحميد عن شكره وتقديره للضيف وقد حضر هذه الأمسية الاستاذ حجاب الحازمي رئيس نادي جازان الأدبي وجمع كبير من المثقفين من المنطقة وخارجها وعدد من الجمهور بالمنطقة.
|
|
|
|
|