| الاقتصادية
أبرزت الكثير من الدراسات والأبحاث المتخصصة بأن التنمية المستدامة في كافة القطاعات لا يمكن أن تتحقق ويكتب لها الاستمرار والتواصل من دون تغيرات جوهرية في الأسلوب الذي تتبعه الدول في تخطيط وإدارة وتكامل مواردها الاقتصادية مع قطاعاتها التنموية بحيث تتناسب وتتلاءم مع نشاطات تلك القطاعات ولاشك في أن الهدف إلى تحقيق هذه التغيرات يمثل تحدياً وهاجساً لكل دول العالم وذلك لأن المسؤولية في إدارة شؤون تلك القطاعات ولعلي أعني هنا بالتحديد الاقتصادية والبيئة وإدارة الحياة الفطرية والموارد الطبيعية موزعة بين وضمن العديد من الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة وهذا بالطبع يجعل التنسيق والمتابعة صعباً في كثير من الأحيان بالإضافة إلى أن التكرار والازدواجية في العمل سيؤدي إلى إضاعة الجهد والوقت والمال، ولذا فلا بد من التخطيط والتنسيق لتكامل تلك الجهود.
وعلى كل فإن التحدي الذي يواجه العالم يكمن في أن آثار التدهور البيئي وانقراض الحياة الفطرية وانحسار الموارد الطبيعية أصبح أمراً شاخصاً ولا يحتاج إلى برهان للتدليل عليه ولا يتطلب من الدول البحث عن دليل ملموس أو محسوس ليؤكد هذا التدهور أو الاستنزاف حتى تعد له العدة وترصد له المبالغ اللازمة والضرورية لإصلاحه وإعادة تأهيله كما كان في السابق لأن المورد الذي ينضب والكائن الحي الذي يصاد بجير والشجرة الخضراء التي تقتلع وتحتطب والهواء الذي يلوث والآثار التي تندثر ليس بالسهولة أن تعود لوضعها الطبيعي بين عشية وضحاها، بل يتطلب علاج تلك المشاكل وقتاً وجهداً ومالاً وهذا بالطبع اسلوب مكلف وقد يكون غير ناجح في كثير من الأحيان وهناك تجارب عدة توضح أن الاسلوب والنهج الذي يتبع في معظم دول العالم لمعالجة المشاكل البيئية والآثار التي تنجم بعد حدوثها لا يكفي لأن المعالجة قد تكون آنية محددة بمشكلة معينة دون الرجوع إلى الأسباب الاساسية والجوهرية التي تترتب عليها حدوث المشكلة التي قد يكون منشؤها السياسيات الزراعية أو الصناعية أو الاستراتيجيات المتضاربة التنموية الأخرى التي لم تبن أساساً على التقييم البيئي أو التي لم تأخذ بالحسبان المردود البيئي وآثاره في تلك المشاريع.
وعلى المدى القصير فإن هناك العديد من العلاجات الهادفة إلى التخفيض من الضرر البيئي التي تظهر بالنجاح وللوهلة الأولى ولكن على الأمد الطويل يتضح أن هذا النجاح ماهو إلا سحابة صيف عابرة لأن جذور المشكلة وتداعياتها لم تحل مما يطيل بقاءها وأنه في نظري أن المفتاح والمخرج الوحيد والسبيل الأكثر فعالية للتنمية المستدامة التي تلبي حاجات الأجيال الحاضرة دون الإضرار بحاجات الأجيال القادمة تكمن في التصرف المسؤول في الموارد حتى تمكن الأجيال القادمة من العيش بمستويات مشابهة أو أفضل للأجيال الحاضرة ومن أجل تحقيق هذا الهدف فلا بد أن تعمل الدول على رفض السياسات والممارسات التي همها تدعيم مستويات المعيشة الوقتية عبر استنفاد القاعدة الإنتاجية وضمنها الموارد الطبيعية، ومن هذا المنطلق فإنه لابد بل يجب إدراج الاهتمامات البيئية ضمن الخطط التنموية للدولة والأخذ بالحسبان للاعتبارات البيئية والمردود البيئي في كل القطاعات التنموية، ويجب على الاقتصاد أن يأخذ بعين الاعتبار التكاليف البيئية لموارد تم إغفالها وتجاهلها في كل الحسابات الاقتصادية التنموية فالماء والهواء النقي موارد اساسية للحياة، إلا أنها ليس لها سعر قيمتها لا محدودة .
لقد أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله اهتماماً كبيراً بالمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة والحياة الفطرية وإنمائها إذا شملت خططها التنموية بنوداً كاملة وشاملة لتحقيق هذا الهدف ولقد أفرزت خطة التنمية الخامسة 14101415ه فصلاً كاملاً بعنوان البيئة والتنمية شمل مواضيع حيوية عدة، كما تمت إضافة موضوع البيئة إلى تحليل الطلب ليشمل تحليل الطلب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في خطة التنمية السادسة 14151420ه، وأخيراً ولضمان تحقيق إدارة بيئية فعالة فقد توجت المادة (32) من الحكم ذلك العمل حيث تنص على:
تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها.
وأخيراً يمكن القول إن العمل والتعايش مع المبدأ القائل درهم وقاية خير من قنطار علاج في كل شؤون الحياة وبالذات حماية البيئة والموارد الطبيعية هو بالتأكيد أقل تكلفة وأكثر فعالية من معالجة المشكلات بعد حدوثها.
* مدير حماية البيئة بالأمانة العامة لمجلس التعاون
|
|
|
|
|