أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 31th July,2000العدد:10168الطبعةالاولـيالأثنين 29 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

المصلحة,, والتطبيقات المعاصرة,, وخطابنا الفكري
وقفة مع محاضرة الأمير عبدالعزيز بن سطام
محمد بن ناصر الياسر الأسمري
ألقى سمو الأمير عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود طالب الدراسات العليا محاضرة رائعة في الطائف منتصف شهر ربيع الثاني عن المصلحة، حقيقتها وتطبيقاتها المعاصرة, كنت سعيدا بحضورها والمشاركة بمداخلة مع المحاضر ويبدو أن المحاضرة هي جزئية مختصرة عن الأصل الذي هو بمثابة بحث علمي لنيل درجة الدكتوراه في الشريعة.
لقد استمعت ثم قرأت النص,, وأجدني مدعوا إلى التقرير بأن النهج والمسار الذي سلكه سمو الأمير عبدالعزيز بن سطام قد كسر النمطية السائدة في موضوعات واطروحات الدراسات العليا وبنفس المعيار أقول ان منهجية ومنطلق التفكير الذي ساد أسلوب الطرح والمعالجة,, هو فتح ان شاء الله إلى فكر مستنير ينطلق من فقه الواقع والمصلحة والاستحسان والضرورة,, يدلف إلى ميدان العمل الأكاديمي في المجال الأهم والأكثر في حياة أمة الإسلام,.
وأنا جد مسرور وسعيد بما نحا إليه الأمير عبدالعزيز بن سطام في دراسته وبحثه,, فقد مزج الرجل الباحث بين القلم الشرعي ومناهجه وطرق الاستدلال,, وعلم الاجتماع,, بل عدة من العلوم الإنسانية كالإعلام، الاتصال، الإدارة والاقتصاد.
بفقه دال على محاولة لفهم ما تدل عليه الحقيقة,, بوعي وادراك لمرامي وأهداف المصلحة الشرعية,, والعلل والأهداف التي ورد الكثير منها مقروناً فيها الحكم بالمصلحة ولعل استشهاد الأمير عبدالعزيز بن سطام في فاتحة محاضرته بمقولة ابن القيم رحمه الله: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة الى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة , لأكبر المفاتح إلى ذهنيته الأمير التي كان الأساس في البناء المعرفي لها تنوع الاختصاص وسعة الاطلاع.
ولقد كان المنطلق لفكره النير في بحثه ان من أعظم المصالح المرعية رفع الحرج عن الناس,, مصداقاً لقول الحق تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (المائدة 6)، ثم من السنة القولية قول الرسول عليه الصلاة والسلام: إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة,, ومن تقريره عليه الصلاة والسلام لبعض الصحابة رضوان الله عليهم على تركهم فعل ما فيه ضرر ومشقة,, وفعل ما فيه مصلحة.
لقد اختط سمو الأمير عبدالعزيز بن سطام لنفسه من مقولة الإمام الغزالي رحمه الله : ان الشرع عقل من الخارج والعقل شرع من الداخل,, محوراً رئيسياً للاعتماد عليه في جلب المصالح حتى يرتقي عما ساد في العصر الحديث من أفكار ونظريات محدثة أصبحت تعتمد على العقل في جلب المصلحة,, وهذا خلاف الفكر السليم حيث العدالة في جعل الشرع هو الضابط للعقل ضبط اعتدال لا عضل ومنع,, وهذا ما حدا بالباحث إلى الاستناد إلى الشيخ ابن تيمية رحمه الله في قوله: إن ما خالف الشرع الصريح فالعقل الصريح يعلم فساده، وما وافق الشرع الصريح فالعقل يعلم صحته ثم بما قال الإمام الغزالي رحمه الله: ان الشرع والعقل يتعاونان ولم يحدث ان العقل عارض أمراً شرعياً.
أحسن الأمير عبدالعزيز بن سطام غاية الاحسان في ربط المصلحة في الشرع بما عرف في مناهج الدراسات الإنسانية منحى التوزيع الطبيعي Normal Distribution Curve حيث طوع بذكاء واسع استعمالات هذا المنحى في جلب المنفعة ودرء المفسدة,, حيث جعل مجالات أعلى وأدنى,, لتحقيق المصلحة المرادة حيث يكون الالتقاء في نقطة الحرج Critical Point هو المكان / المقر للمصلحة، وعلى هذا فانني كدارس لعلم الاتصال والاجتماع والتاريخ استطيع ان استنتج من هذا التوزيع العلمي حقيقة علمية تقول: كلما كان مجال درء المفسدة أكبر كلما كبر حجم المصلحة ,ولكم أتمنى على الباحث ان يفسح المجال أكثر لاستخدام أساليب القياس الاحصائية لدعم ما توصل إليه في جديده الذي لا أعتقد حسب علمي ان أحداً قد سبقه إلى هذا النهج العلمي الرائع بهذا الشكل من الاستخدام العلمي السليم,وهذا الحال ينطبق على الشكل الثاني الذي استخدم فيه مربعات التساوي المتوازية حيث جعل مصالح الآخرة والمصالح الدنيوية المتفقة مع مصالح الآخرة والمخالفة تلتقي بالاتفاق في نقطة الالتقاء الحرج Critical Point في المصلحة الدنيوية المتفقة مع مصالح الآخر,اما اختيار بعض أوجه التعامل اليومي المعاش في عصرنا الحالي كأمثلة لتطبيقات معاصرة للمصلحة، فلا يقل عمله فطنة وذكاء عما سبق,,
فقد اشار الباحث إلى ان هدفه تقريب العلم بالأخذ والعلم الشرعي في كل ما أباحه الله له من المنافع والمصالح.
هل تطرق في المثال الأول: هل يلزم قبول كل من تقدم للدراسة في الجامعة؟ وهل يقبل الجميع حسب رغباتهم؟
ويرى الباحث,, بالنفي معللاً لذلك بما سيؤول إليه الوضع ونقص في التأهيل للعمل الفني الذي يمثل أغلب الأعمال المتاحة في أسواق العمل.
استقدام عمالة أجنبية للأعمال الفنية التي تحتاج إلى الشهادة غير الجامعية.
عزل أعمال كثيرة عن سوق عمل السعوديين فلا يقوم بها إلا الوافدون وفي بعض الأحيان من غير المسلمين كاضطرار واضح وعلل بعد ذلك ان العمل فرض كفاية فإذا لم يعمل السعوديون في قطاع معين لدرجة نصل بها إلى حد الكفاية تعين على ولي الأمر ان يتخذ الاجراء اللازم للتقليل من دخول الطلبة في التخصصات التي تجاوزت حد الكفاية وتوجيه الطلبة إلى التخصصات التي لم يصل شغل السعوديين فيها حد الكفاية وذلك باختيار الأصلح لكل مجال بطريقة الاختبار للقدرات والمهارات ثم توجيه الطالب للمناسب من قدراته وجهوده.
وأنا هنا بين مؤيد ومختلف,, والعلة عندي بإيجاز ان العلم للعلم شيء,, والمهارة المهنية للأداء شيء آخر,.
فإذا كنت متخرجاً من كلية الشريعة فلا يمنع ان أكون مدير مبيعات في شركة الصابون,, بعد أن أتدرب على مهارة البيع والاقناع، وكذا الحال لو كنت مهندساً فالتأهيل بالتدريب قد يجعل مني مديراً ادارياً ناجحاً,, فلقد تداخلت العلوم والتخصصات.
وبطريقة جد ذكية لامس الأمير عبدالعزيز مسألة المصلحة من عمل المرأة,, وتقديم المصلحة العليا للمهام والمسؤوليات التي خلق الله المرأة لها وميزها في الاستحواذ عليها دون غيرها على أي مكاسب أو منافع أو مصالح دنيوية.
ومضى الباحث الجدير بالثقة والاحترام نظير عمله المتقن المتميز بالاصالة والحداثة والخبرة في ضرب أمثلة أخرى عن تقديم المصلحة الأولى بالرعاية والضرورة على غيرها عند القرار في شأن أولوية بناء طريق لثلاث قرى حين تلجئ الضرورة/ المصلحة فقه الواقع والاستحسان تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة على الاطلاق عند التساوي من جميع الأوجه وتقديم المصلحة/ الضرورية على الخاص وتقديم الخاص على التحسيني.
ثم تحدثت المحاضر عن حكم التسعير وعاد الباحث لتطبيق منحى التوزيع الطبيعي بشكل رائع ومنطق استدلالي أروع.
والمثال السادس عن الضرر من حجب المعلومات في مجال الاستثمارات من قبل المنفذين في المصارف عن غيرهم,, مما يلحق الضرر والخسارة.
والمثال السابع عن نمطية وبداية الاجراءات الادارية في المناقصات الحكومية حين تكون المعلومات المطلوبة لاثبات الحق في يد الحكومة حين تصرف جهة المناقصة في الافصاح عن قيمة العطاءات المقدمة من المتناقص / التاجر دون اذنه بنشرها,, حيث ان هذا الاجراء يلحق الضرر وما هذا حسب رأي الباحث الا بسبب غياب مصلحة الوضوح في العمليات الادارية وهذا هو في رأيي سبب غياب تطبيق فقه الواقع والمصلحة,, بل العرف الذي لا يذهب عند الله وبين الناس.
والمثال الثامن والتاسع عن تعدي الهيئة السعودية للمحاسبة القانونية على حقوق الملكية الفكرية في طلبها الافصاح عن معلومات دقيقة تتعلق بالأعمال المهنية التي يمارسونها لمصلحة عملاء لا يقبلون بفضح اسرار أعمالهم.
وكان مسك الختام من أمثلة المصلحة وتطبيقاتها المعاصرة مثال دمج شركات الكهرباء وعدم الافصاح عن الثابت والمنقول من الأموال والممتلكات عند احتسابها كأصول ذات قيمة في رأس المال,
حيث أكد سمو عبدالعزيز بن سطام ان تقدير ومعرفة المعلومات المتعلقة بالمصالح هو مصلحة ضرورية عامة يحتاج إليها ولي الأمر لتنظيم عملية جلب المصالح.
ومن حسن الطالع,, انني قد قرأت بعد المحاضرة كتاباً رائعاً لاستاذ في جامعة أم القرى هو الدكتور نزيه حماد استاذ الفقه الإسلامي وأصوله عنوانه دراسات فقهية في الصلح، واللقطة في البلد الحرام، الوعد، الهجرة، القنوت، ثم القبض الحقيقي والحكمي للأموال، ولعلي استميح الأمير عبدالعزيز ان اقترح ان يضيف إلى اطار موضوع بحثه القيم المستجد التطبيقات الفقهية المعاصرة للبيوع والأموال, فلقد تطورت أساليب البيع وشروطه، وأحكام القبض وخيارات مجلس البيع, فالمعاملات التجارية اليوم تتم بواسطة شاشات الحاسوب,, من قارة لقارة دون وجود البيعان، أو التقايض يداً بيد.
وانقل هنا ملخصا لما ورد في الكتاب المشار إليه.
1 يعتبر القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل اذا أودعه في حساب شخص آخر أو جعله فيه بحوالة مصرفية قبضاً حكمياً من المستفيد صاحب الحساب وتبرأ ذمة الدافع بذلك اذا كان مديناً له به.
2 اذا كان للعميل حساب لدى مصرف بعملة ما، فأمر المصرف بقيد مبلغ منه في حسابه بعملية أخرى بناء على عقد صرف ناجز تم بينه وبين المصرف، واستيفاء المبلغ الذي اشترى به من حسابه، فيعتبر القيد المصرفي المعجل بالعملة المشتراة قبضاً حكمياً من قبل العميل الآمر، ويعتبر الاقتطاع الناجزمن قبل المصرف للبدل من حساب العميل قبضاً حكمياً له من المصرف ويعد مجموع ذلك بمثابة التقابض بين البدلين في الصرف، وان اتحدت يد القابض والمقبِض حساً.
3 اذا اشترى شخص نقداً من مصرف بنقد آخر، فدفع إليه البدل، وأخذ منه في المجلس شيكاً يعوضه من النقد الآخر مسحوباً على البنك المراسل للمصدر فيعتبر قبضه للشيك قبضاً حكمياً لمضمونه، ويكون ذلك بمنزله التقابض في البدلين قبل التفرق.
4 اذا تصارف العميل مع المصرف الذي له فيه حساب، فأمر المصرف باقتطاع البدل الفردي اشترى به من حسابه، وتسلم من المصرف شيكاً بالنقد الذي اشتراه مسحوباً على البنك المراسل للمصرف الذي اصدره، فيعتبر اقتطاع المصرف الناجز لبدل الصرف من حسابه قبضاً حكمياً لمضمونه، واذا تم ذلك في المجلس، فإنه يعد بمثابة التقابض في البدلين قبل التفرق.
ان ما قام به هذا الشاب النابه,, ما جاء من فراغ,, فقد كان لتنوع دراساته الأثر الجميل في شفافية وصدق ووضوح الطرح والغاية والهدف,, وانني أسأل الله أن يزيده من الفضل لاخراج عمله في كتاب يكون مرجعية معاصرة تستلهم الفقه الاسلامي ومناهج الجدل والاستنباط فيه بما يزيد من علو شأن ومقام أمة الإسلام في كل آن وحين ومكان وهذا طريق واسع للأمان على مسيرة الحياة والمعايشة للزمن وما ينفع الناس,.
تبعاً لمقولة الإمام الغزالي رحمه الله في المستصفى 1/287 نقلاً عن عبدالله بن بيّه أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط في وجوب التكليف بالعبادات
وكما يقول العالم الوزير الفقيه الموريتاني عبدالله بن بيّه,, في كتابه الرائع فتاوى فكرية وهناك مبادئ أخرى هي عبارة عن استنباط العلماء في نصوص القرآن والسنة تعتبر من أسس الشريعة إلى جانب الأصلين، الكتاب والسنة وهي الاجتماع والقياس والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، وهي مجهود بشري رائع في التعامل مع ما يفسر عظمة الإسلام التي تكمن في مقدرته الفائقة على التعامل مع البيئات والظروف، لايجاد الحلول الملائمة في جدلية بين الثابت من النصوص والمتغير من الفروع والوقائع، مما يولد المرونة التي نقلت الديمومة لهذا الدين، وضمنت له الصلوحية في كل صقع وفي كل أوان ص52.
وانني اعتبر عمل الباحث الأمير عبدالعزيز بن سطام خطابا فكريا سعوديا حقيقا أن يدعم ويشارك به في المحافل الفكرية ليكون مع غيره صورة صادقة عن حياتنا وخطابنا الفكري فهو تجديد متأصل بالشرع,, متطور بأعمال الرأي والعقل بضوابط الشرع في الاجتهاد,, ولعل هذا ينطبق عليه قول استاذنا عبدالله بن بيّه أيضاً:
خطاب التجديد خطاب متأن متئد حينما يتعلق الأمر بالمقولات والمفاهيم الانسانية والاجتماعية التي تقترحها المعاصرة بل انه يتعامل بشيء من البطء والتروي إلى حد الانتفاء في الوقت الذي يبذل فيه كل جهد لاستيعاب الجانب العلمي والتكنولوجي بأكبر قدر ممكن من السرعة المحكومة بالظروف والحكمة مندفعاً للمنافسة في هذا الجانب بكل قوة,, انه دعوة إلى بناء انسان جديد فخور بأصالته، متفاعل مع عصره، وهو يهدف إلى تنشئة جيل عربي فاعل يستطيع بكفاءته الروحية والخلقية والنفسية والعلمية المنافسة في ميدان الحياة ومواجهة القرن القادم بتحدياته ومجهولاته.
خطاب التجديد يوجه تحذيراً واحداً: هو أن الاشاحة بوجوهنا، والصدوف والعزوف عن التجديد من منطلق استنطاق ثقافتنا ومنطق اليأس منها، وكذلك الانكفاء على الذات ومنطق اليأس من خير المعاصرة سيخلفان ويخلدان التمزق والضياع، وبالعكس فان أي خطوة جادة نحو فكر التجديد وممارسته ستنعكس ايجابياً على الانسانية ومردود الادارة والانتاج وقيمة الوقت والعلاقات الإنسانية والأمن البشري وسيكون المردود ايجابياً على العالم كله، حيث سنوفر معبراً إلى رحاب التنوع الثقافي لما لعالمنا من صلات تاريخية بنفس التواصل، ولما لموقعنا الجغرافي بين العالم الأصفر والأبيض وتشابك علاقتنا الثقافية مع هذه العوالم انتهى من 102، 103 فتاوى فكرية 1420ه
اشكر فضل الله سبحانه وتعالى,,
أن أوجد في مجتمعنا من الخيرين أمثال الأمير عبدالعزيز بن سطام وأحمد الله أن مكنني من الاستمتاع بالفكر الأصيل,, واعلانه والاعلام به وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved