| وَرّاق الجزيرة
كما أن للناس في هذه الدنيا حظوظ فللكتب أيضاً حظوظ، فبعض الناس لا يعرفه إلا أهل بيته، أو أهل قريته، أو أهل مدينته، وبعض آخر يذيع صيته، ويطير اسمه، وينتشر في الخافقين ذكره.
كذلك الكتب فبعضها لا تجاوز بيت مؤلفها، أو قريته، أو مدينته، وتعمر أياماً أو شهوراً أو سنين معدودة، وبعض آخر تشرق وتغرب وتسهل وتنجد، وتصارع الزمن وتعمر مئات السنين .
بهذا الكلام ابتدأ أحد المحققين في تحقيق أحد الكتب، وحقا ماقال، فإن الله عز وجل إذا ما كتب التوفيق لمؤلف في تأليفه لكتاب معين، فإن هذا الكتاب سيبقى طويلاً، والأمثلة على مثل هذه الكتب المحظوظة كثيرة، وسأكتفي ببعضها، فمن ذلك: كتاب الأربعين حديثا للإمام النووي رحمه الله فإن هذا الكتاب من الكتب التي شرقت وغربت وبقيت على مر السنين، واهتمام العلماء بها في ازدياد، فمازال العلماء يوصون بحفظها ولا زالت المؤلفات التي تشرحها في ازدياد، رغم أن كتب الأربعينيات في الحديث كثيرة، إلا أن الله كتب لأربعين الإمام النووي القبول والانتشار، فالإمام النووي توفي عام (676 ه) ولا تزال الكتب التي تشرحه في خروج وازدياد، ولعلي أذكر هنا: أني لم أجد شخصاً استطاع أن يستقصي جميع شروح هذا الكتاب على كثرة من حاولوا ذلك.
ومن الكتب التي كتب الله لها القبول: كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى فهذا كتاب منذ أن ألفه الشيخ والناس في اهتمام به حفظاً وشرحاً وتدريساً، وكلما أمعن الإنسان فيه النظر ازداد له حباً، ولقد شرح العلماء هذا الكتاب شروحاً كثيرة طويلة ومختصرة، كل شرح له مميزات وفيه فوئد قد لا توجد في الشرح الآخر، ولا يغني شرح عن شرح، وهذا الكتاب أيضاً من الكتب التي لازمت حلقات أهل العلم في المساجد بل إن من العلماء من لا يزال كلما انتهى من شرحه أعاده مرة أخرى، وليس هذا عبثا، بل أن الشيخ رحمه الله وضع هذا الكتاب في موضوع الاعتقاد الذي هو أول شيء يجب على الإنسان معرفته ودراسته، وتصدى فيه مؤلفه لكثير من الطرق المؤدية إلى فساد الاعتقاد التي لازالت بحاجة إلى توضيحها للناس، فمن يقرأ هذا الكتاب يظن أن المؤلف قد ألفه لهذا العصر الذي نعيش فيه، وما كان ذلك إلا لصدق المؤلف في تأليفه رحمه الله رحمة واسعة.
وأحياناً قد يكون الكتاب محظوظاً، ليس فقط في انتشاره وعلو صيته، بل هناك أمور اخرى قد ترفع من شأن الكتاب زيادة على صيت الكتاب وانتشاره، ومن هذه الأمور: أن يقوم أحد العلماء الكبار بشرح هذا الكتاب، ولعلي أمثل هنا بكتاب معاصر، وهو كتاب: حلية طالب العلم للشيخ الدكتور بكر أبو زيد وفقه الله فهذا الكتاب رغم أنه لم يمض على تأليفه أكثر من اثنتي عشرة سنة إلا أنه ذاع صيته وتكررت طبعاته، وذلك بسبب العناية التي لقيها هذا الكتاب من مؤلفه وكونه يتكلم عن الأخلاق والآداب التي جميع طلبة العلم بحاجة إلى الاتصاف بها، ومع ذلك فقد زاد من شأن الكتاب قيام الشيخ العلامة محمد بن عثيمين وفقه الله بشرحه في جامع عنيزة، وهذا الشرح موجود في أحد عشر شريطاً، فماذا لو كان هذا الشرح مطبوعاً حاشية للكتاب الأصلي، ألا يكون ذلك جمعاً للفائدتين في مكان واحد.
هذه بعض الأمثلة، وإلا فالكتب كثيرة، ولكن ما يهمنا هنا هو أن مؤلفي هذه الكتب لعل مما زاد من انتشار كتبهم صدق نياتهم نحسبهم كذلك ثم نظرهم إلى حاجة الناس إلى هذا الكتاب الذي يؤلفونه، فلا يكفي ان تؤلف ، بل ألف ما ينفع، وكلما ازداد النفع زادت أهمية الكتاب.
* ص,ب: 90818 - الرياض: 11623
|
|
|
|
|