| الثقافية
مع كثرة التيارات الفكرية الوافدة، وازدياد سعرتها، وحرارة جمرها كان لزاماً على اهل الثقافة وهم مفكرو الامة ان يقفوا وقفة التحمُّل العاقل والتجمُّل الواعي، للتفكير في الرد الكافي والواقي، حماية لافكار الامة وشبابها على وجه الخصوص من خطورة تلك الاتجاهات الفكرية والتيارات المعرفية.
وهي مذاهب للثقافات اليوم، لا يمكن غض الطرف عنها بأية حال من الاحوال, بل العمل على مجابهتها هو الخيار الوحيد في تصوري المتواضع, لان الموضوع قد تضخم في الواقع العملي, ولا ادلَّ على ذلك من الشبكات,, شبكات العولمة والمعرفة والغزو الفكري، والمغريات المادية والصحية والاتصالات العامة، الى آخر ما هنالك من الامكانات الواقعية والمتخيلة والتصورية والفعلية.
فالجيل الجديد والناشئة والشباب فجأةً وقعوا في اطار هذه الامكانات الرهيبة امامهم,, شاؤوا ام ابوا، فالخيار الواقعي واحد او العمل على تحصينه واجب المثقفين والمفكرين والعلماء في هذا العصر, عصر المادة والفكر الهش والسرعة والفضاء والطرق الواسعة والمديدة، والمغريات بصفة عامة.
ولعلّي لم آت بجديد الآن، بيد ان الامر,, امر ملحاح للمعالجة الفعلية وليس للطرح لانه مطروح منذ زمن، الشيء الذي ينبغي معالجة قضاياه المتشعبة، وزواياه المتعددة، واطرافه الممتدة الى بعيد من التفكير والتشغيل والعمل الدؤوب, وهذا الواقع هو الجدير بالتفعيل للموضوع والتطبيق الفعلي للعمل به وعليه، والمفكرون ورجال الرأي متفقون على هذه الخطط وامثالها من الطرق الفكرية لمعالجة الوضع ورأب الصدع في التصور الحديث للعولمة والاقتصاد والمعرفة والشبكات الفضائية.
ولعل اهم الطرق لذلك هو الطريق الثقافي العملي، وتربية التذوق المعنوي وتنمية الموهبة الفنية، ولا اقصد بالفنية هنا الفن الطربي، وانما قصدت بها فنون المعرفة والفكر والعلم والادب والثقافات وفنونها المعنوية عامة، والذهنية خاصة.
وهذا بالضبط ما اردته كطريقة علاجية لصد التيارات الفكرية والعلمية ذات الاثر الداهم للتصورات الشبابية وموقف الجيل الحاضر من الحياة الحديثة المعاصرة، بوسائلها الاعلامية والمادية المتعددة.
وهنا يكمن المجال الخطير الذي لابد من معالجة واقعه على ضوء الفكر الانساني المعاصر ونور التفكير الديني العريق، والفنون المعرفية والعلمية المستحدثة، ولابد من التركيز على النواحي العلمية الفكرية وآلياتها الحديثة المادية والمعنوية، ونحن سائرون في هذا الطريق العلاجي المهم لحاضرنا ومستقبل ناشئتنا والشباب امام تيارات العالم الحديث واتجاهات مساره العنيف ضد ماهو اصيل وعريق.
ان الواقع الثقافي يُحتّم على ذويه الاسراع في الاصلاح الفكري لبناء صرح معنوي امام التيارات الوافدة الخطيرة، فلقد مضى زمن احرى بواقعنا الان اطّراح تذكرها، وهو الامر الذي يوحي لنا باتخاذ المبادرة المعنوية للصد من خطورة الموقف الثقافي ومشهده المنذر بالحذر في مواجهة الباطل لايجابياتنا والعمل على دفن قيم الحضارة العربية الاسلامية وطرح البديل المغري ونبذ الظاهر الصالح لحياتنا! والواقع الثقافي هو المعمول في الساحة الانسانية اليوم، والعمل فيه مرهون بالتمسك,, تمسكنا بأسس ومبادئ الفكر الاسلامي والادب العربي والتراث العام, ان المادية ليست السبيل الوحيد للحياة اليوم، وان العلم و الثقافة و الفكر مصطلحات واقعية من الخير السلوك في مساراتها العملية ودروبها الفعلية.
في عالم مادي يرضى باليسير من الصنعة ويترك التأسيس للحضارة,, حضارة الغد وعالم الغد مستقبلها في الحياة الحديثة.
الثقافة اذن هي عمل وفعل وتنفيذ للتفكير العلمي فيها، وتحويل هذا العلم في الحياة الى انجاز عملي وفقاً لاوامرها التنفيذية، وخططها المستقبلية.
فالثقافة,, ثقافة اليوم هي مَلازم من الامور الفكرية، وصفحات من الشؤون الذهنية في عالم لا يؤمن بالمادة فحسب، بل يؤمن بما وراءها من الهندسة المغرية لمستقبله، والزركشة السطحية لواقعه, لكن الاصل في الثقافة، هو التثقيف العملي الجاد في كافة المجالات وفي متعدد المسارات وفي كافة الجوانب وبالوسائل العملية اعلامياً وتربوياً ومادياً واجتماعياً، وهي عملية او مجموعة من العمليات لضمان تجديد العمل العلمي والفكر الثقافي والفعل التربوي، والامر الاعلامي المبثوث في كل اتجاه في الحياة الانسانية عموماً التي تربط المجتمع بكافة الاربطة الدينية والدنيوية، وهناك مجالات متنوعة ومتعددة لتنفيذ الامر العام للثقافة وفكرها الحيوي الجاد, ولست ادري لماذا لا نخصص قناة للكتاب والمجلة والصحافة عبر البث المرئي عبر الشبكة العربية عرب سات بحيث يتابع الناس النشاط الثقافي العربي الاسلامي؟ بصفة عامة!
وقد تبدو هذه الفكرة غريبة، لكن المستقبل - كشاف بضرورتها العملية: واغرائها المفيد وحيويتها الباكرة، والله اعلم!!
ان كثيراً من المواد الثقافية تتطلب منا الكثير من العمل، وان عديداً من الكلام لابد له من تنفيذ سواء في الفكرة او البحث او الدراسة او المقال الى آخر ما هنالك من انواع العملية الثقافية، في اتجاهاتها البعيدة المدى والاثر.
نعم نحن الامة العظيمة بأمس الحاجة للضبط المعنوي الثقافي العام في اعمالنا ومشاريعنا وصناعاتنا وكلامنا وافعالنا واحاديثنا ومواعيدنا! الشيء الذي تعمله الثقافة عملاً ووزارة ومجالاً للابداع والاكتشاف والابتكار! وهذا مطلب الكثير من المحبين والعاشقين للثقافة جدة وحيوية , وان دولتنا الفتية لجديرة بانشاء واحياء الثقافة,, ثقافتنا العربية الاسلامية بدلاً للعلم كالمعارف، ونفعاً للاجيال كرعاية الشباب، وتوطئة للطموح كالتعليم العالي.
وحول الواقعية الثقافية اليوم ارى رأياً متواضعاً فيما تهدف اليه، ألا وهو المعنى الواسع العام لكل ما تمتاز به الثقافة من تعبير محلل للحياة الانسانية، مع تصوير دقيق لمجرى النشاط اليومي في المجتمع الكبير.
وفي ضوء هذا الواقع للثقافة والمثقفين، فان ثمة فسحة من كيفية للعمل الثقافي,, هذه الكيفية تحتوي على تصور واضح للسير في حركة الحياة بمنطق واقعي للثقافة وبأسلوب بياني يوضح الفكرة الثقافية من خلال النتاج العلمي والعملي على مدار الزمن اليومي للانسان في حياته.
ان المثقف العربي المسلم يأخذ في تصوره للحياة وهذا ما ينبغي بالفكرة الايمانية لاسباب الحياة المعيشية حتى يدرك مبتغاه من سلوكه الثقافي بالعلم والفكر والخلق للواقع لمتطلبات الحياة الادبية والدينية والعملية والعلمية في اي مكان وزمان، الامر الذي يجعله متجملاً لنشاطه ومتحملاً لمسؤولياته ومفكراً لرأيه في الحياة الانسانية والاجتماعية، وعارفاً للايمان الحقيقي للحياة فيها يتعبد الله، وإليه يسعى،وبه يتكل, فلامناص في أية حياة إلا الإيمان, ولا ملاذ في كل حياة الا الى الله الحق, وهذا توكل جاد فكرياً ومادياً واجتماعياً، ينبغي من المثقف التأمل فيه بالطرق النظرية النقلية منها والعقلية, وقد قصدت في هذه الجزئية من حديثي هنا ربط الفكر الانساني بالاسلام والضمير بالايمان، ربطاً ثقافياً للواقع الحياتي، وربطاً ادبياً للتعبير المنطقي، ورمزاً للمعتقد الصافي لكل مثقف راشد بلغ من تفكيره المدى المطلوب للتأمل والتدبر ونشداناً لاسباب النعم والمادة في الحياة الانسانية والاجتماعية.
وغني عن البيان ان الثقافة شيء لا يستهان وامر - مصيريّاً - السير في خطاه لابد من انجازه والعمل من اجله، وهذا يتفق مع السياق فيما مضى، لاقامة الجبهة القوية المقاومة لتيارات الفكر الضال ومذاهبه الفتانة.
وقد يكون الامر واقعياً للعمل ويكون تصورياً للتأمل وتاريخياً للاعتبار و التذكر، ففي ذلك كله مجال السير والمضي قدماً نحو الافكار المرجوة والآمال المتصورة، ولله في خلقه شؤون.
|
|
|
|
|