هَل جَاءَني طَيفُهَا العَجلانُ يَشتَافُ
أَم ذَاكَ لِلشَّوقِ إذكَاءٌ وَإِطرَافُ
يُغِذُّ مَا شَاءَ مَسرى لَيسَ يُدرِكُهُ
مِن صِيدِ غَزوانَ إرصَادٌ وَعُرَّافُ (1)
فَكَيفَ؟ وَالعِطرُ فَوَّاحُ وَأَدرَكَهُ،
فِي زَورَةِ الحُبِّ، مَفتُونُونَ وُصَّافُ
وَاللّهِ لا أَدرِي إلاّ أَن تَمَلَّكَنِي
شَوقٌ وَإِعصَارُهُ فِي القَلبِ طَوَّافُ
أراهُ كَالبَحرِ قَد يُغري بلُجَّتِهُ
فَإن زَلِقتَ فَمَا يُنجِيكَ مِجدافُ
وَكَيفَ أَنجُو وَبَحري كُلُّهُ لُجَجٌ
تُغرِي بِدُرٍّ حَوَت في القَاعِ أَصدَافُ
تَقُولُ في الغَوصِ سُبحَانَ البَدِيعِ لَه،
وَأنتَ فِي العُمقِ هَيمَانٌ وَشَوَّافُ
فَيَا لَجَوهَرِها فِي البَحرِ مَكمَنُهُ
وَفِي الفُؤادِ لَهُ بِالصَّونِ إيلافُ (2)
تُهدِيكَ في الحُلمِ آمَالَ الوِصِالِ وَإن
مَقُولَةُ الحُلمِ لِلمُشتَاقِ إرهَافُ (3)
فَتِلكَ مُشتَاقَةٌ لاحَت وخَافِقُهَا،
كَمَا حَكَى الطّيفُ، مُشتَاقٌ وَهَفَّافُ (4)
إن جَدَّ يُفصِحُ عَن شَوقٍ يَهيجُ بِها
جَدَّت تُكَذِّبُهُ وَالطّيفُ حَلاّفُ
عُلِّقتُها حِينَما جَادَت، وَقَد بَخِلَت
وَمَن تَعَلّقَ لا يُشقِيهِ إرسَافُ (5)
وَمَوعِدُ الحُبِّ يَأتِي وَهيَ تُخلِفُهُ،
يَا هذِهِ فَارفِقِي يَكفِيكِ إخلافُ
لإن كَتَمتُ فَمَا الكِتمَانُ يَصلُحُ لِي
وَإن أَبَنتُ فَمَا التِّبيَانُ إنصَافُ
أَحَارُ فِي كَتمِهِ أَو فِي إبَانَتِهِ
كِلاهُمَا أَمرُهُ بِالحُبِّ إجحافُ
وَإنَّمَا الحُبُّ فِي الأَعرافِ نَستُرُهُ
فَهَل لِحُبِّي وَمَن أَحبَبتُ أَعراف؟
غَرائِبُ الحُبِّ تَحلُو في تَدافُعِها
كَم مِن تَبَارِيحَ أَشفَتهُنَّ أَلطَافُ
فَمِن تَلَوُّ عِنَا يَأتِي تَلَطُّفُهُ
في الصَّدِّ جَذبٌ وَبَعدَ الهَجرِ إسعافُ
وَمِن تَلَطُّفِه الأَشوَاقُ تُلهِبُنَا
كَمَا تُلَهِّبُ فِي شَرَّابِهَا الرَّافُ (6)
وَكَالطُّيُور عَلى خَوفٍ يَجَرِّؤُنا
فَالطَّيرُ فِي الرَّوضِ مِقدامُ وَخوَّافُ
وَمَا ارتَوَى ظَامِىءٌ إلاّ عَلَى ثَمَنٍ
كَالنَّحلِ لِلزَّهرِ أَبَّارٌ وَرَشَّافُ (7)
فَلَيسَ بِالصَّبِّ مِن لا يَنتَشِي حَرَقاً
إلَّا إذَا هَزَّهُ نَايُ وعَزَّافُ