| متابعة
لم يكن مستغربا ان تفشل جهود الرئيس كلينتون الدؤوبة خلال 14 يوما من المفاوضات المضنية في التوصل الى اتفاق فلسطيني إسرائيلي حول التسوية النهائية للنزاع,, فلقد كان واضحا رغم حملات تسريب الشائعات والانباء المغرضة ان باراك ظل متمسكا بمواقف ترتبط بلاءاته الشهيرة اكثر من ارتباطها برغبة حقيقية في التوصل الى اتفاق يتمشى مع الشرعية الدولية والالتزامات الموقعة والمرجعيات المتفق عليها بينما اصر الفلسطينيون على عدم الخروج على الشرعية.
وليس من شك في ان الرئيس كلينتون الذي كان حريصا على نتيجة ايجابية لكامب ديفيد بل متلهفا عليها لاسباب اكثر من الاسباب الشخصية بل مرتبطة بادراكه خطورة الوصول الى طريق مسدود وتداعيات ذلك سوف يستمر في المحاولة رغم خيبة امله,, ولكن يبدو ان خيبة امله هذه بالاضافة الى ارهاق السهر والسفر الى جانب معرفته ان الفشل يحسب داخليا وخارجيا في خانة سلبيات باراك الذي يريد انقاذه هي التي دفعته في تصريحاته الى ان يشيد بما اسماه الخطوات الشجاعة لرئيس وزراء اسرائيل الذي تحرك في رأيه اكثر مما فعل الفلسطينيون,, ولكنه سرعان ما اضطر الى الاعتراف بأن عرفات قد ابدى بالفعل مرونة,, والواقع ان الفرق بين الموقفين يجب ان يكون واضحا فإن باراك تحرك من موقف بالغ الجمود والتعنت قائم على تجاهل القانون الدولي اما الفلسطينيون فقد تحركوا باستمرار في اطار الشرعية ولذلك تعذر التقاء الموقفين خاصة وان الولايات المتحدة فيما يبدو لم تباشر ضغطا كافيا على الاسرائيليين ليصلوا الى نقطة يمكن ان تلتقي فيها متطلبات السلام والعدالة والشرعية وخاصة بالنسبة للقدس,, وفي هذا الصدد فإنه من المهم التذكير بأن المشاكل الاخرى الهامة التي كانت مطروحة على القمة,, بالاضافة الى القدس لم تجد ايضا حلا.
ويبدو ايضا ان الرئيس كلينتون وهو يدلي بتصريحاته كان يفكر على ضوء الموقف التقليدي الامريكي حول كيفية مساعدة رئيس وزراء اسرائيل داخليا اذ سيواجه باراك هجوما من اليمين بدعوى انه تنازل اكثر من اللازم ومن اليسار الذي يدرك ان رئيس الوزراء ربما يكون اضاع فرصة جيدة للاتفاق مع الفلسطينيين,, ولكن الحقيقة ان بارك لو توصل الى اتفاق لوجد معه غالبية الشعب الاسرائيلي.
وعلى اي حال فإن الفشل ليس من الضروري ان يكون نهائيا اذ ان امام الرئيس كلينتون فسحة من الوقت تسمح بالتحرك,, كما ان امام باراك فرصة اخرى ليثبت انه رجل دولة وانه قادر على ابداء شجاعة حقيقية تصل الى نتائجها المنطقية فإذا كان مثلا قد ابدى استعدادا لمناقشة (السيادة) في القدس، حتى اذا كان طرحه غامضا وملفوفا فإن ذلك قد يعني امكانية تحركه في اتجاه ما نص عليه اتفاق اوسلو من ان مصير القدس محل للتفاوض وليس كما يدعي الاسرائيليون خطاً أحمر لا يمكن عبوره,, وتبرز اعادة تأكيد الاطراف الثلاثة في القمة مواصلة السعي لايجاد تسوية نهائية على اساس القرار 242 و338 ان لاءات باراك مخالفة تماما للقرارين فالقدس احتلت في يونيو 1967م وبالتالي فهي خاضعة مثل بقية الاراضي المحتلة لالتزام الانسحاب وهو ما لم يجد الاسرائيليون بدا من الاعتراف في حين اقترحوا نوعا من السيادة المشتركة على بعض اجزاء المدينة مما يشكل ثغرة حقيقية في الادعاءات بأن مصيرها قد تقرر فعلا وانه غير قابل للتفاوض على الرغم من وضوح اتفاق أوسلو الذي ينسف هذا الادعاء.
يبقى ابداء بعض الملاحظات التي قد تفيد في هذه المرحلة المبكرة من ردود الافعال.
1 ان الرئيس الفلسطيني المدعوم بمواقف عربية حازمة قد تحرك في اطار التمسك القوي بالحقوق الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية,, وقد استطاع الوقوف في وجه كل محاولات الضغط والابتزاز,, ولذلك فإنه يحظى بالتأييد الكامل من شعبه.
2 ان تردد باراك هو الذي عرضه في الماضي وفي الحاضر الى مواقف داخلية صعبة فلو حزم امره لوجد تأييدا واسعا لدى الشعب الاسرائيلي المتعطش الى السلام، اما الآن فقد وضع نفسه في موقع من يتلقى النقد من يساره ويمينه.
3 ان الرئيس كلينتون ما زالت امامه فرصة لتحقيق الانجاز التاريخي الذي يتطلع اليه، ولكن ذلك يقتضي ان يكون اكثر وضوحا وحزما في رفض الالتفاف حول الالتزامات والاستحقاقات.
4 انه من المهم تأكيد ان ما تضمنه البيان الثلاثي في اعقاب فشل كامب ديفيد من تعهد الطرفين بايجاد جو ملائم بلا تهديد واجراءات من جانب واحد يعني بدون شك وقف الاستيطان ومحاولات التهويد ومنع المستوطنين من التصرفات الاستفزازية التي تؤدي بالضرورة الى ردود فعل.
5 ان تنفيذ التزامات المرحلة الانتقالية والتوصل الى اتفاق حول موضوعات الحل النهائي يجب ان يتم في اطار التاريخ المتفق عليه اي قبل 13 سبتمبر القادم,, واذا لم يتحقق ذلك فإن اعلان الدولة الفلسطينية في ذلك التاريخ يصبح ليس فقط شرعيا بل ضرورياً لقطع الطريق امام استمرار محاولات التسويف والالتفاف حول الشرعية.
6 ان ما حدث في كامب ديفيد من فشل يجب الا يكون نهاية الطريق، ويجب ان يستمر الرئيس كلينتون في مساعيه بعد استخلاص الدروس والعبر مما حدث,, فلم يكن احد يتصور ان المفاوضات ستكون سهلة، ولكن المطلوب مرة اخرى هو موقف امريكي واضح وحازم متمسك بالثوابت والمبادئ التي حددتها القرارات الدوليةو الاتفاقات,,, ويستطيع كلينتون في تحركه في هذا الاطار كما تستطيع الاطراف الاعتماد على مساندة قوية وفاعلة من مصر التي لم تتوان في مختلف المراحل عن تحمل مسؤولياتها والعمل من اجل سلام شامل وعادل وبالتالي مستقر.
سفير مصري
|
|
|
|
|