| مقـالات
يمتد التواصل في حديث اليوم مع الدكتور حسن الوركلي في كتابه: ياقوتة الأندلس، الذي حوى سبعة أبحاث أندلسية:
2 ففي بحثه الثاني: الفقيه الغرناطي، أبو سعيد فرج بن لبّ والأدب، ورغم أن الندوة في جامعة القرويين عن واقع الأدب والبحث فيه في الغرب الإسلامي، إلا أن الحديث كان عن فقيه أندلسي، وما ذلك إلا أن الأدب يقترن بسائر العلوم، لأنه يهذّب الطباع، ويرقق الحسّ، ويمكن من فهم اللغة العربية ومفرداتها وعلومها,, واللغة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
هي دعاء الدين,, أي أن الدلالة في أحكام الإسلام وكلمة التشريع، لا تدرك إلا بالتمكن من اللغة العربية:
وقد كان فقهاء المدينة السبعة في اول عصر التابعين، من الأدباء المرهفين حساً، المتذوقين فناً,, ولذا نرى الدكتور حسن يولي هذا الجانب أهمية، مبيناً دور الفقهاء في عنايتهم بالأدب، مع أنهم غير محسوبين على الأدب فيقول: ولسنا نزعم أننا بهذا أول من يدعو الباحثين إلى إيلاء تراث الفقهاء الأدبي ما يستحق من عناية واهتمام، فقد سبق إلى ذلك شيوخ وأصحاب، من أولئك أستاذنا عبدالله كنون رحمه الله في كتابه عن أدب الفقهاء ، ومن هؤلاء أخونا الدكتور عبدالسلام شقّور، في دراسته القيمة عن القاضي عياض الأديب ، وكانت لنا من بعدهما مشاركة في هذا المجال بالبحث المعنون بابن عبدالبر الأديب الذي قدمناه منذ نحو سنوات ثلاث إلى الندوة التي نظمتها جمعية العلماء، خريجي دار الحديث الحسنية عن الحافظ بن عبدالبر (ص67).
كان هذا البحث إهداء لصديقه الودود الدكتور عباس الجراري في حفل تكريمه بهذه الندوة العلمية.
فابن لبّ الغرناطي ]701 782ه[ تعلق بالأدب في سن مبكرة، لأن الحرص عند طالب الفقه ابن لبّ على الأخذ من كل فنّ وعلم بطرف سيراً على سنة من سلف من فقهاء الأندلس المشاهير، كان يدفع به دفعاً غير رفيق إلى مجالس الأدب واللغة والنحو والعروض والبيان، حيث ينتصب للإقراء فيها شيوخ عرفوا بمهارتهم في هذه المعارف وتمكنهم منها أورد أربعة منهم وبيان مكانتهم ]6972[.
وبعد أن استعرض كتب علوم الآلة واللسان، التي تلقّى معارفه الأدبية منها وهي أكثر من خمسة عشر كتاباً، قال تخرج ابن لبّ على أيدي هؤلاء الشيوخ تخرّج ابن لبّ وله حفظ للآداب، ونيل فائق في العروض والبيان، وباع مديد في النحو واللغة كما مدحه أحد تلاميذه: ابن الأحمر، وقد أعانه على تكافؤ كفتي الفقه وعلوم الشريعة، والأدب وعلوم الآلة واللسان ما منحه الله من ذكاء، وقوة حافظة ]7275[.
ومع اضفاء المكانة العلمية الشرعية على ابن لبّ، فقيه غرناطة، فإن الدكتور قد ركز بحثه على الجانب الأدبي عنده، بعد شيوخه ومشاربه الأدبية، أبرز مكانته الأدبية في موضوعين هما: الدرس الأدبي المتمثل في الشرح الأدبي، وشواهده، وتعليمه وتصوّره، والموضوع الثاني الإبداع الأدبي، في الشعر وفي النثر,, وخلص من البحث بأمرين: أن أدب الفقهاء بعامة والأندلسيين منهم بخاصة أدب حري بعناية الدارسين، وأن ابن لب لو تفرغ للأدب لكان أحد أعلام أدباء الأندلس في القرن الثامن للهجرة ]ص107[.
وهو بحث جدير بالعناية من المهتمين بهذا الجانب.
3 والبحث الثالث عن عبدالله كنون والتراث الأدبي الأندلسي، وقد بدأه بالثناء على نشاطه العلمي الدؤوب، ثم استبيان تصوّر الأستاذ عبدالله كنون للتراث أولاً، وللأدب ثانياً ]ص113[, واعتبر اهتمامه بالتراث، له بواعث علمية، ووجدانية، ووطني أو قومي, وقد زاد اهتمامه بعد أن جرى تعيينه مديراً لمعهد مولاي الحسن للأبحاث، حيث اهتم بتصوير الأصول والمصادر الأندلسية من الأسكر يال بإسبانيا، وأعطى أحكاماً على كثير من الكتب الأندلسية، فكان رأيه حكماً يستنار به لاهتمامه ومتابعته، مع الحث على العناية بتراث الأندلس الأدبي، والاهتمام بترجمة بعض الدراسات الموضوعية التي كتبها المستعربون الإسبان عن ذلك التراث، ثم يذكر المؤلف الدكتور حسن: أنه عندما أهدى ابن كنون نسخة من ترجمته لكتاب الدكتور داريو كابانيلاس عن ابن سيدة المرسي كتب له شاكراً ومقترحاً ترجمة كتاب اسين بلاثيوس عن ابن حزم ]ص117[.
ولم يقصر المؤلف جهد عبدالله كنون رحمه الله على الجمع والحث على العناية والترجمة، وتزويد مكتبة المعهد بأكبر قدر من ذلك التراث العلمي والأدبي، بل كان له أعمال بارزة في التحقيق والدراسة ]ص118125[، وختم بحثه بإبانة مكانة الأستاذ كنون في هذا المجال، وما تركه من أثر حيث قال: وبذلك حققت مباحث الأستاذ كنون الأندلسية فوائد جلى حين كشفت عن جوانب الإبداع والابتكار في التراث الأندلسي الأدبي، وحين ناقشت الآراء المتسرعة حوله، وردتها بالحجة والدليل العلميين، وحين ضبطت وقومت وصححت، وبذلك كانت شأنها شأن مباحثه الأدبية بعامة، غرساً مثمراً لجيله والأجيال الدارسين لهذا التراث من بعده ]ص126[.
وهو بهذه الدراسة، ثم مجمل البحث ينصف الأستاذ كنون، ويسلط الضوء على جهوده الأدبية مع أن له جهوداً إسلامية لم يتعرض لها، ولا تعريفا بسيرة حياته ولادة ووفاة ودراسة من باب تعريف القارىء بما يجب عنه، ومع ذلك فهما من مدينتين متجاورتين بالمملكة المغربية، تطوان بلد المؤلف وطنجة بلد كنون، ومشهورتين بالعلم والعلماء قديماً وحديثاً، وبين الرجلين صلة صحيحة، ولم يتوف عبدالله كنون إلا منذ سنوات قليلة, والقارىء يتطلع لمثل هذه المعلومات.
4 والموضوع الرابع: بحث عن أصداء من بيئة النصارى في أدب الأندلس: فالكاتب يرى أن الدراسة لهذا الموضوع لن يعطي ثماره إلا بالدرس العمودي لا الأفقي لمحورين رئيسين من محاوره وهما: سبل التفاعل ومنافذه، من مختلف التواصل في أبعادها النظرية والعملية، مثل الترجمة بالنسبة للأولى، والعيش في كنف الآخر بالنسبة للثانية,, والمحور الثاني مجالات التفاعل ومجاليه وهي على ضربين: نظرية وعملية ]ص131132[.
وتسامح المسلمين، وحسن معاشرتهم للنصارى في الأندلس، أوجد تمازجاً وتقارباً، حيث تزوج المسلمون منهم، فكان كثير من أبنائهم مولدين من أمهات نصرانيات، مما جعل كثيراً من المسلمين يعرفون اللغة اللاتينية أو العجمية، وهي لغة أصحاب البيئة، ومعرفة هؤلاء من جهة اخرى اللغة العربية,, فكان الانتشار واسعا بين الفئتين، حيث جاء في كتاب: قضاة قرطبة أخبارا عن قضاة كانوا يكلمون الخصوم الذين بين أيديهم بالعجمية، وإلى جانب أن العربية لم تزل تستهوي بأدبها وعلمها أبناء العجم النصارى، حتى قرأوا بها وكتبوا وترجموا منها وإليها,, وأورد نماذج لهذه المكانة منها قوله: إن سانشو الرابع: الذي قيل بأن ببلاطه أزيد من عشرة شعراء عرب، وقمبيطور كان يطرب لسماع أخبار المهلب بن أبي صفرة تروى بين يديه ]ص 132133[.
ولذا فإن الترابط بين المسلمين والنصارى في مجتمع الإسلام المتسامح قد جعل الاصداء الأدبية تبرز في مظاهر المعابد والسجن والمحارب وأبرز ذلك في المرأة التي تغزل بها كثير من الشعراء العرب، وأورد أشعاراً عديدة تصف المعابد والقساوسة، إلا أن أكثرها في الغزل,, وللمواجهة بين المسلمين والنصارى فإن تصوير المحارب النصراني وخاصة المنهزم مما يهتمّ به الشعراء حسب النماذج ]ص 150 152[.
5 أما الموضوع الخامس فهو عن: فتاوى غرناطة في الحوادث والبدع، وذلك أن عصور الإسلام المختلفة لم تكد تخلو من ظهور حوادث، وبروز بدع في الأصقاع الإسلامية، وإلى جانب الفتاوى الفقهية ذات الجانب العلمي برزت في الأندلس فتاوى في الحوادث والبدع، التي فيها المحرم والمكروه، وغير المحرم والمكروه، ومنها ما يمس العقيدة، ومنها ما يتعلق بالعبادة، أو يتصل بالعبادة، وكان من أبرز فقهاء الأندلس، الذين صنفوا في الحوادث والبدع، ابن وضاح والشاطبي، وابن سهل والطرطوشي وابن رشد ]ص159[.
وقد اعتبر المؤلف: أن تيار البدع العربي عرفت به غرناطة في القرن الثامن الهجري كان شديدا، مسّ حياة الناس في جميع المجالات المؤذنة بالتردي: سياسياً واجتماعياً، واقتصادياً، مما ساعد على التمكين لبعض البدع، التي كان الغرناطيون يجدون في ممارستها تنفسا لمعاناتهم المادية والروحية، من مثل الانتظام في سلك طرقية صوفية، وعقد حلق الذكر، والانتفاع من إرفادها، ومن مثل الاجتماع لإحياء ليلة المولد، وإنشاد الأشعار المعبرة عن التعلق بصاحبها عليه الصلاة والسلام، والاستنجاد به ]ص161[.
وقد فزع للتصدي لهذه البدع طائفة من الغرناطيين، كانوا معنيين بأمر دينهم، حريصين على اتباع السنة، يستطلعون حكم الشرع في هذه البدع وغيرها من الفقهاء المفتين وذكر منهم أربعة وهم: أبو سعيد ابن لبّ المتوفى عام 782ه وأبو اسحاق الشاطبي المتوفى عام 790ه، وأبو عبدالله بن علاق المتوفى عام 806ه، وأبو عبدالله الحفار المتوفى عام 811ه, وقد تراوح موقف الفقهاء المفتين، من الحوادث والبدع بين الاعتدال والتشدد تبعا لاختلاف مفهومهم للبدعة، وقد تحدث عن كل واحد، وأورد بعضا من فتاواه في نوع من البدع ]162166[.
والموضوعان اللذان اهتم بهما المؤلف: حلق الذكر والإنشاد، وإحياء ليلة المولد,, فقد تحدث عنهما أولاً ثم أورد فتاوى لمحاربة هذه البدع وإنكارها: لابن الحاج في حلق الذكر، وأخرى له في حلق الفقراء ومجالسهم في الربط، وفتوى للشاطبي في حلق الفقراء، وأخرى في الوصية لإحياء ليلة المولد النبوي، وفتوى للحفار في التحبيس لإقامة المولد النبوي، ]ص166178[, وكلهم يتشددون في إنكار هذه البدع وإبطالها.
يقول الشاطبي في الوصية بالثلث ليوقف على إقامة ليلة المولد: فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة، فالانفاق على إقامة البدعة لا يجوز، والوصية به غير نافذة، بل يجب على القاضي فسخه، وردّ الثلث إلى الورثة يقتسمونه فيما بينهم، وأبعد الله الفقراء الذين يطلبون انفاذ مثل هذه الوصية ]ص176[, وفتاوى الشاطبي ص 23، المتوفى رحمه الله عام 790ه.
ولأن علماء الأندلس رحمهم الله ممن عرف عن كثب أثر هذه البدع في تغيير معالم دين الإسلام، فقد أبرأوا ذممهم بحماسة شديدة، لاقتلاع هذه الجذور، حتى يعود للإسلام نضارته، فيقول مثلا ابن الحفار المتوفى عام 811ه من ضمن فتواه في التحبيس لإقامة المولد النبوي: وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع الله في تعظيمه، لأن تعظيمه من أعظم القرب إلى الله، وإن كانت تلك الليلة مما انعم الله بها على عباده بولادة خير الخلق، ولكن لم تشرع زيادة تعظيم، ألا ترى أن يوم الجمعة، خير يوم طلعت عليه الشمس، وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه، ولكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الجمعة، مع عظم فضله، فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان، إلا أن شرعت، وما لم يشرع فلا يفعل، إذ لا يأتي في آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها، ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام، فيجتمع فيه ويتعبد، ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له فيها من الشرف ما لا يقدر قدره، فتحدث عبادة، فلا يقف ذلك عند حدّ، والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له، فما فعلوه فعلناه، وما تركوه تركناه,, الخ ما جاء في الفتوى ]ص177 178[.
6 والموضوع السادس للبحث المعنون له ب: المستدرك على ديوان الرصافي البلنسي,, نسبة إلى بلنسية، فبعد المقدمة عن تراجم الأدباء وآثارهم وتوثيق ذلك، مرّ بإلمامة تمثل عناية المحققين للتراث الأندلسي الشعري في مختلف أعصاره، وأقطاره ومثل بتحقيق وصنعة عشرين ديوانا اهتم بها كبار الأدباء والمستشرقون وهمش في الحاشية على تاريخ الصدور ومكانه ومن بينها ديوان الرصافي البلنسي ]ص183185[.
والرصافي البلنسي من مرموقي شعراء الأندلس في القرن السادس الهجري، قال: إن الدكتور إحسان عباس قد بذل جهداً في لم شعر الرصافي من جميع المظان المتيسرة: تسعاً وخمسين بين مقطوعة وقصيدة، عني بترتيبها وتحقيقها والتعليق عليها, وقد وقع إلينا والكلام للدكتور حسن منذ أعوام، مصدر لم يتيسر للأستاذ الدكتور إحسان عباس الإطلاع عليه، حين عني بصنعه ديوان الرصافي، وهو الكتاب المعروف بأعلام مالقة ، الذي اختير فيه من شعر هذا الشاعر أبيات غير قليلة بالقياس لما بين أيدينا من قصائده ومقطوعاته المختلفة، لم يشتمل عليها الديوان المطبوع، رأينا في نشرها بعد النظر فيها تحقيقا وتعليقا، مما يسهم في تحقيق الغاية التي كانت نصب عينيّ صانع الديوان وهي جمع شتات شعر الأندلسيين، الذين لم تصلنا دواوينهم ]ص185186[.
وهذه لفتة جيدة تعطي إضافة لجهد الدكتور إحسان، وقد أورد المؤلف الدكتور حسن ثمان مقطوعات، حوت ثمانية وخمسين بيتا، حققها وبين بحورها ومناسباتها ]ص187196[, واكمل البحث بترجمة للشاعر جعلها ملحقا ]ص197 198[.
7 والموضوع السابع: بعنوان الأندلس في مؤلفات المسعودي,, هذا البحث لم يكن للمؤلف، وإنما كان نوه في الهامش بأنه من إعداد المستشرق الفرنسي شارل بيلا وقدمه للمؤتمر الأول للدراسات العربية والإسلامية بقرطبة عام 1962م.
يتضمن الحديث عن المؤرخ المسعودي المتوفى عام 346ه، وما جاء في كتبه التي وصل علمها للكاتب وهي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، والتنبيه والإشراف، وكتابا ثالثا هو الوصية وهو في مدح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والإشادة بشخصيته، وأن كتبه في مجملها تزيد عن الثلاثين، ورغم جزمه بضياعها كلها ما عدا الثلاثة هذه، إلا أنه في ص 210 أثبت له كتابين هما: أخبار الزمان، والكتاب الوسيط، ولعل السرّ في جزمه ذلك، أنه لم يقع نظره على هذين الكتابين، مع أنهما مطبوعان باللغة العربية، ويرى أنه في منهجية المسعودي التي تقوم على ما كتبه في المروج، وبصورة أفضل في كتاب التنبيه: على تلخيص واختصار ما كتبه في كتابيه: أخبار الزمان، والكتاب الوسيط، ومن شأن هذا أن يحملنا على سعة علم المسعودي (ص210[.
ومع قلة المعلومات التي رواها عنه الكاتب عن الأندلس: إلا أن المسعودي جاء بمعلومات وعجائب مهمة رغم أنه لم يتجاوز الفسطاط في مصر غربا في أسفاره، ولكنه ينقل عن غيره، وهو يهتم بالجغرافيا أكثر، وبالمغامر الغربي خشخاش بن سعيد ]ص 205[ الذي حاول اكتشاف ما وراء المحيط مع مجموعة من الشباب، وكذا غزو المجوس للأندلس حيث ينسب أهلها منهم، وعن أول من استخدم صقور الشاهين للصيد من ملوك الأندلس واسمه أزرق ]ص207[, وكان من سوابقه التي لم يذكرها غيره حديثه في مروج الذهب عن أمية بن اسحاق الذي ثار على عبدالرحمن الثالث 327ه والتحق بخدمة ثلاثة من ملوك الأندلس ]ص 209210[, ومع ذلك لم يغمط الكاتب المسعودي الفضل في المعلومات التي أورد، إلا أنه جزم بأنه ليس بمؤرخ ولكنه أديب ]ص211[، وهذا حكم شخصي يخضع للمناقشة والمداولة.
وفي الحقيقة أن ياقوتة الأندلس هذا، كتاب جيد، به جهد ومعلومات موثقة، يستحق العناية ويفيد القارىء في الرجوع للمصادر المعينة على توسيع المدارك.
مشاهدات ابن بطولة:
اشتهر ابن بطوطة برحلته الطويلة التي روى فيها المشاهدات والعجائب ]703 756ه[، رغم قصر عمره، وقد بدأها من طنجة حيث ولد، يوم الخميس 2 رجب عام 725ه وعمره 22 سنة، وقد حج في هذه الرحلة الحجة الأولى سنة 726ه وتبعها خمس حجج آخرها سنة 749ه وكان من مشاهداته في مكة ما رآه من بدع، يتبعها عادات عديدة ومظاهر واحتفالات، ومن تلك البدع التي تحدث عنها واستنكرها: العمرة الرجبية، التي نسب أصلها لعبدالله بن الزبير لما فرغ من بناء الكعبة، خرج ماشيا حافيا معتمرا ومعه أهل مكة، في اليوم السابع والعشرين من رجب، فاتخذت بعده عادة، وليلة النصف من شعبان التي يعظمها أهل مكة يعتمرون فيها ويصلون جماعات وأفرادا ويجتمعون في المسجد الحرام جماعات لكل جماعة إمام,, وغير هذا من أمور ذكرها كالاحتفال بدق الطبول عند دخول رجب وشعبان، والاحتفال بالإسراء والمعراج.
ثم قال: وأهل البلاد الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد، يبادرون لحضور عمرة رجب، ويجلبون إلى مكة الحبوب والسمن والعسل، والزبيب والزيت واللوز، فترخص الأسعار بمكة، ويرغب عيش أهلها، وتعم المرافق، ولولا أهل تلك البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش، ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم، ولم يأتوا بهذه الميرة إلى مكة أجدبت بلادهم، ووقع الموت في مواشيهم، ومتى اوصلوا الميرة أخصبت بلادهم وظهرت فيها البركة، ونمت أموالهم، فهم إذا حان وقت ميرتهم، وأدركهم كسل عنها، اجتمعت نساؤهم فأخرجتهم.
وهذا من لطائف صنع الله تعالى، وعنايته ببلده الأمين، وبلاد السرّ والتي يسكنها بجيلة، وزهران وغامد، وسواهم من القبائل مخصبة، كثيرة الأعناب، وافرة الغلات، وأهلها فصحاء الألسن، لهم صدق نية، وحسن اعتقاد، وهم إذا طافوا بالكعبة، يتطارحون عليها، لائذين بجوارها، متعلقين بأستارها، داعين بأدعية، تتصدع لرقتها القلوب، وتدمع العيون الجامدة، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم، مؤمّنين على أدعيتهم، ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم، ولا استلام الحجر، لتزاحمهم على ذلك، وهم شجعان أنجاد، ولباسهم الجلود، وإذا وردوا مكة، هابت أعراب الطريق مقدمهم، وتجنبوا اعتراضهم، ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيراً، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء ,, وكفاهم شرفاً دخولهم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان يمان والحكمة يمانية .
وذكر ان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرى وقت طوافهم، ويدخل في جملتهم، تبركاً بدعائهم، وشأنهم عجيب كله.
وقد جاء في أثر: زاحموهم في الطواف، فإن الرحمة تنصب عليهم صبّاً .
]رحلة ابن بطوطة 1: 182 183[.
|
|
|
|
|