| الاخيــرة
لا أدري كم يتيح لنا حسنا الاستهلاكي الشره بالتمعن في الرسائل العقلية أو الوجدانية التي تحملها بعض البضائع التي قد نقبل على اقتنائها بتقبل أعمى يحول بيننا وبين طرح الأسئلة, هذا فبينما لا تتورع المنظمة العالمية للتجارة عن توجيه مئات الأسئلة اللاذعة لنا قبل ان تقرر مدى صلاحية انضمامنا إلى قافلتها التي قد تسير عكس مصلحة أوطاننا وطاقة ركضها، فإننا لا نملك إلا الاستسلام لغريزة الاستهلاك ولعقد النقص التقني ان لم نقل سواه في كل ما تلفظه الشركات العالمية, كما اننا لا نكف عن طلب ود اصحاب الاستثمار دون ان نرفع حاجبا, وهذا يحدث إما الجهل بالقيم الاجتماعية التي تمثلها تلك البضائع أو امعانا في الخضوع لشروط العولمة التي ليس لنا يد في تحديد أي منها, هذا ناهيك عما يتمتع به بعضنا وخصوصاً من يتمتعون بسيولة نقدية لم يعرقوا في الحصول عليها من أمية سلعية, وفي هذا يتساوى الولاء السلعي للخارج من السيارات التي تستورد بمواصفات قد لا تتفق مع شروط البيئة إلى استيراد لعب الاطفال والاطعمة، التي علينا ان نكيف او نعكف أذواقنا الجمالية والبيئية معاً لنتلاءم نحن مع ما يعرضه السوق وفي هذا تنقلب النظريات الاقتصادية العريقة من أيام آدم سميث فيصير العرض هو ما يحدد الطلب وليس العكس, ونصبح نحن تلك اليد الخفية التي تحدث عنها، التي تعمل بيدنا ضدنا.
وما أثار شجني الدفين في هذا الموضوع هو مجموعة من البطاقات التي وجدتها تباع في احدى القرطاسيات التجارية الكبرى بمدينة الرياض ممن يقف الاهالي والطلاب عند أجهزة الدفع المتعددة فيها بالطوابير ليغرفوا من جيوبهم المليئة أو شبه الخالية بسخاء على ما يلزمهم ولا يلزمهم من بضائع تلك القرطاسية.
ففي هذه المكتبة يوجد من ضمن ما يوجد من معروضاتها المستوردة الباهظة قاعدة طويلة عريضة تحتوي على عدة ارفف تعرض تلك القرطاسية عليها وبكل فخر بطاقات تحمل صوراً وتعبيرات تعبر عن التصور الغربي المتعالي للشعوب التي لا تشبهه نوع من التصور العنصري الذي تحاربه عدد من المؤسسات الاهلية وشريحة من المفكرين الغيورين على قيم المساواة ومضادة التمييز العنصري بين المجتمعات والحضارات في الغرب نفسه.
إن معظم بطاقات ذلك الرف في تلك القرطاسية التجارية الكبرى تعرض صوراً تصور المواطن وكذلك المواطنة بزيهم المحلي في صور تبدو ساذجة وبلهاء تقف حائرة ومتبلبلة وجاهلة امام الحضارة الغربية, وتتوج هذه الصور العلاقة المتعالية الشوفانية في النظر إلى مجتمع الجزيرة والعرب عامة في علاقتهم بالغرب من خلال تكرار مشاهد بطاقات بعينها مثل بطاقات تحمل صورا لبعير ضاحك يرفع رأسه ببلاهة وانبهار ويتطلع الى طائرة معلقة في الفضاء, وبعير آخر ينظر بجزع وفزع مضحك الى جهاز الكمبيوتر وآخر يحمل جوالا وهكذا وسواها من مناظر السخرية والتندر.
وإذا كنتُ أفهم ان النقد عموماً والنقد الذاتي بالذات حتى في صوره القاسية والساخرة هو أحد أدوات التغيير في المجتمع وهو بعض ما نحتاجه لتغيير مابأنفسنا كفن الكاريكاتير مثلا أو سواه، إلا أنني لا أستوعب ولا اريد ان أتقبل بأي شكل من الأشكال أمثال تلك البضاعة المريبة التي تريد ان تكرس عن سابق عمد واصرار وبأيدي عدد من خبراء الغرب التقنيين أو غير التقنيين ممن يعيشون على ارضنا تلك الصورة الاعلامية الشوفانية المشوهة التي يروجها الاعلام الغربي عنا في اوطانه واعلامه, فتكريس مثل تلك الصورة عنا ونقلها من فضائه الاعلامي إلى حيزنا المعاش ما هو الا تكريس لتلك العلاقة الالحاقية التابعة بين الغرب وبين كل ما هو غير غربي وغير أمريكي، بما يعمق الهوة الحضارية بين المجتمعات ويلغي حق الشعوب في الاختلاف والتمايز أو في تخير طرق الخروج على تخلفها ما لم تمر بحواجز التفتيش.
فهذه البطاقات التي تباع في مكتباتنا او في بعض البزارات الغربية على ارضنا تركز على الجانب الذي يرضي الغرور الغربي من الصورة بينما بجرة ريشة تحاول ان تلغي زخمها الشعبي فلا يظهر من كل الموار الاجتماعي لحركة المجتمع وقواه البشرية المختلفة إلا تلك الصورة النمطية القاصرة.
هذا في الوقت الذي تطالب فيه بعض المجتمعات ومنها مجتمعات نامية الغرب عبر المحافل الدولية بالاعتذار العلني عما لحقها من حيف اعلامي او سواه من قبل الغرب, وهذا أيضاً في الوقت الذي تنشط فيه الدراسات الأكاديمية في جامعات الغرب والشرق لدراسة وتحديد عناصر التمييز العنصري التي تظهر في عدد من الاعمال التشكيلية الغربية التي رسمها اصحابها خلال اقامتهم او زيارتهم لأوطان كان يستعمرها الغرب, فقد اطلعت على سبيل المثال منذ وقت قريب على رسالة دكتوراة تحلل أعمالا تشكيلية من القرن التاسع عشر وتبرز ما فيها من معارضة او تأييد للتمييز العنصري الذي كان سائداً في تلك الحقبة التاريخية داخل الغرب نفسه وبينه وبين شعوب الأرض.
فهل بعد قرن من ذلك التاريخ الذي حاولت خلاله الأوطان المغلوبة حينها على امرها استعادة زمام امرها يصح ان نعطي مجالاً حيوياً لتكون مجتمعاتنا مادة لاعادة انتاج علاقات التعالي والإلحاق؟؟
هذا مع العلم أنني عندما طلبت مقابلة المسؤول في تلك القرطاسية التجارية الضخمة لأشرح له وجهة نظري فيما تحمله تلك البطاقات من مضامين غير حيادية فإنني قد فوجئت ان سعادة المنجر لا يتحدث الا لغة غربية لا تمكنه ان يفهم لماذا أحتج على تصوير البعير بكل رمزه الصحراوي بتلك الصور المهزوزة الهازئة مع انه يبدو له Very Funny فهل حقا البعير الضاحك ضاحك؟!
فوزية أبو خالد |
|
|
|
|