| الاقتصادية
هناك نكتة قديمة تقول إن أسئلة الامتحانات التي ترد في مادة الاقتصاد تظل ثابتة كل سنة، وأن الإجابات فقط هي التي تتغير، ومن المؤكد أن النقاش حول أفضل الأسعار أسعار الصرف من هذا القبيل.
بَيدَ أن هناك إجابات جديدة تظهر بشكل مستمر وأحدث إجابة عن السؤال الذي يثار عن نظام أسعار الصرف الذي ينبغي أن تختاره البلدان هي لا شيء وهذا يعني أن على البلدان أن تتخلى تماماً عن استخدام عملتها الوطنية وأن تتخذ كعملة رسمية لها عملة أجنبية مستقرة تكون في الغالب هي الدولار.
والحقيقة فإن هناك نقاشاً واسع النطاق يدور حول الدولرة الكاملة للاقتصاد، أي ربطه ربطاً كاملاً بالدولار، كسبيل لتمكين البلدان النامية من التغلب على مشكلة عدم استقرار النقد وسعر الصرف, فما هي تكاليف عملية الدولرة والفوائد التي ينتظر أن تعود منها على البلدان النامية؟!.
ففي القرن الماضي، أولت حكومات عديدة اهتماماً جاداً لعملية الدولرة، وأخذ بعض علماء الاقتصاد البارزين يسوقون حججاً تدعو لان تطبق جميع البلدان النامية نظام الدولرة, على أن البلدان النامية ليست هي فقط التي تفكرفي الدولرة.
لقد أدت سمتان مميزتان لعقد التسعينات الى تغيير فحوى النقاش: السمة الأولى أن مشكلة التضخم تراجعت بشكل ملحوظ والثانية ان درجة حراك رأس المال وحجم تدفقات رأس المال زادا زيادة حادة وزاد بالمثل تواتر أزمات النقد وحدتها الظاهرة, وكان الكثير من مرامي هجمات المضاربة الشرسة تلك ينصب على الابقاء على شكل من أشكال ربط اسعار الصرف.
وبسبب تلك الأزمات، أثارت فكرة الدولرة الكاملة اهتماماً كبيراً, وبزغ الرأي القائل بأنه في عالم يسوده حراك رأس المال بدرجة كمالية تعد عمليات ربط أسعار الصرف دعوة الى هجمات المضاربة، وتصبح الخيارات القصوى وحدها، ربط العملة بأخرى على نحو ثابت مثلاً بانشاء مجلس للعملة او نظام للتعويم الحر للعملة، هي الخيارات التي تتوافر لها مقومات النجاح.
وقد هاجم مؤيدو نظام الدولرة هذين البديلين على حد سواء وكانت حجتهم في ذلك ان عمليات التقويم الحر للعملة لا تصلح لبلدان كثيرة، نظراً لأنها تؤدي الى تقلب أسعار الصرف بدرجة مفرطة وفي الوقت نفسه، أصبح واضحاً أن مجالس العملة ليست محصنة ضد هجمات المضاربة المكلفة.
يقول أندرو بيرغ: إن الدولرة الكاملة تبصّر بالتوصل الى تلافي حدوث ازمات في مجال النقد وفي ميزان المدفوعات, فبدون وجود عملة محلية، ينتفي احتمال انخفاض قيمتها، كما يستبعد حدوث تدفقات لرأس المال الى الخارج بصورة فجائية بدافع من مخاوف من تخفيض قيمة العملة.
ويقول ادواردو بورتزستاين: قد تأتي عملية الدولرة بفوائد، كحدوث تكامل أوثق مع الاقتصاد العالمي يشجّعه انخفاض في تكاليف المعاملات واستقرار مؤكد في الأسعار، وقد يؤدي نظام الدولرة أيضاً، باستبعاده التام لإمكانات التمويل التضخمي الى دعم المؤسسات والى ايجاد مواقف ايجابية تجاه الاستثمار.
ومع هذا تعزف البلاد عن التخلي عن عملاتها الوطنية، ذلك أن العملة رمز وطني.
ويمكن القول، من وجهة نظر اقتصادية، ان حق إصدار العملة يتيح للحكومات إيرادات من رسوم صك العملة.
في ظل نظام الدولرة، يفقد أيّ بلد يتخذ عملة أجنبية كعملة رسمية الدخل من رسوم صك العملة ويكون على هذا البلد، أولاً أن يشتري أرصدة العملة المحلية الموجودة في حوزة عامة الناس أو المصارف، مقابل دولارات يدفعها من احتياطياته، ثانياً، يتخلى عن إيراداته المستقبلية من رسوم صك العملة التي كانت تأتيه من إصدار العملة الجديدة التي تطبع سنوياً لمواجهة الزيادات في الطلب على النقد، بَيدَ أن هذه الزيادات ينتظر أن تتضاءل بمرور الوقت، نظراً لأن التطور المالي يؤدي الى انخفاض الحاجة الى عملة لتنفيذ المعاملات التجارية.
وعلى الرغم من ذلك فإن بلداناً كثيرة قد لا تستفيد من خيار الأخذ بنظام الدولرة حتى عندما تكون قيمة الدولار غير مغالى فيها.
لأنه ربما يؤدي الى تقليل احتمال التهافت على سحب الودائع من المصارف, فما لم يوجد في المراكز المالية للمصارف اختلال كبير في موازنة أرصدة العملات، فإن ثقة المودعين في النظام المصرفي المحلي قد تزداد وإذا اضطلعت المصارف الاجنبية الكبيرة بدور مهيمن في النظام المصرفي، فإن ذلك سيؤدي الى تقليص خطر التهافت على سحب الودائع المصرفية.
أما بالنسبة للبلدان التي يحتمل أن تستفيد من نظام الدولرة، فهي تلك البلدان التي حققت تكاملاً عالي المستوى مع الولايات المتحدة في العلاقات التجارية والمالية.
ختاماً أقول إن المخاطر التي تتعرض لها المصارف ودوائر الأعمال من جراء تخفيض قيمة العملة من شأنها أن تجعل عملية التخفيض مخاطرة مالية كما أن سعر الصرف لن يقوم بمهمة أداة السياسة العامة، نظراً لأن الأسعار ستكون متماسكة من حيث قيمتها الدولارية, وفي هذه الحالات، يمكن أن تكون الفؤائد التي يتيحها نظام الدولرة أكثر من تكاليفه.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|