الهجاء باب من أبواب الشعر,, وقد اشتهر بالهجاء جرير والفرزدق,, وكذلك الحطيئة الذي لم يسلم منه أحد حتى نفسه,, وفي الهجاء تنفيس عن النفس ولم يكن الشرع يحتكم إليه عند المهاجاة وإلا لقل بلاؤه, وتحفظ كثير من الشعراء في الانتقام من معارضيهم,, والشاعر الصافي النجفي من أشهر شعراء العراق له شعر في كل الفنون, ويأتي شعره عفوياً من غير تكلف كأنما تنقاد له الصور والكلمات,, كان في حديقة من الحدائق يحاول نظم قصيدة فسمع خوار ثور أزعجه وكدر عليه سماع صوت بلبل,, فمزج المداعبة بالهجاء في قصيدة مرسلة,, وما ينطبق على الحيوان,, قد ينطبق على الإنسان,, قال:
شوشت صوت البلبل فاصمت, وقم وترحلِ ياغمة لا تنجلى ياهم ليل,, أليل يامثل شرب المسهل ياشوكة في الأرجل ياوخزة في المفصل ياضربة في المقتل يا ابن البلاء المنزل يابن الوباء المقبل ياتنبل ابن التنبل يامفرطاً في المأكل |
وضل في هجائه لهذا الثور,, بكل وصف يقاس ,, على أفعل بن الأفعل حتى قال:
ياجالب الآلام لي تحكي بدون تأمل تهذي بدون محصل يكفيك هذراً فاخجل الهيتني عن بلبل بخوارك المتأصل يا أفعل بن الأفعل |
وقوله في الأخير,, يا أفعل بن الأفعل,, ليتيح للقارئ أن يقيس على ذلك من الشتائم التي لم يدرجها النجفي في هجائه هذا,, وقد عرف عن العراقيين القدامى كالنجفي والرصافي,, والجواهري,, سعة أفقهم الشعرى وقدرتهم الفائقة في قول الشعر, ومن الغريب أن هؤلاء العباقرة الثلاثة في ميدان الشعر العراقي قد عاشوا حياة متشابهة من حيث الفقر والعوز والتشرد عن اماكن صباهم, وماتوا فقراء, لكن بقي شعرهم خالدا تقرأه الأجيال لكن يظل النجفي من ابرعهم واقدرهم على الاسترسال الشعري, ولم يعان الصافي من شيء مثلما عانى من جارة له,, قال فيها من القصائد الساخرة الشيء الكثير منها قوله:
لي جارة متقاعدة ليست لها من فائدة فإخالها بقعودها للبيت شبه القاعدة زادت عناي فأصبحت للجسم,, مثل الزائدة |
والكتابة عن شاعر كالنجفي يحتاج الى مسافة اكبر,, لكن لعلي أعود اليه مرة اخرى في زاوية قادمة.
|