| متابعة
* صنعاء الجزيرة من عبدالمنعم الجابري
أكد عدد من الوزراء والمسؤولين وشخصيات سياسية واقتصادية وثقافية على ضرورة العمل من اجل بناء علاقات تعاون شامل وتحقيق شراكة كاملة وفاعلة بين دول المنطقة في مختلف مناحي الحياة,, مشيرين الى ان الفرص مواتية والظروف مهيأة اكثر من اي وقت مضى للوصول الى ذلك الهدف.
وتناول العديد منهم مسألة العلاقات اليمنية السعودية وآفاقها المستقبلية على ضوء معاهدة الحدود الدولية البرية والبحرية التي توصل اليها البلدان مؤخرا، معتبرين ان المعاهدة انجاز تاريخي بارز ومحطة انطلاقة جديدة ومهمة في مسار العلاقات ومجالات التعاون المختلفة بين المملكة واليمن.
ونوه بذلك المسؤولون والشخصيات اليمنية من خلال المداولات في الندوة التي عقدت في صنعاء الاسبوع الماضي تحت عنوان اليمن وجيرانها من النزاع على الحدود الى الاتفاق والشراكة .
عبدالقادر باجمال: المعاهدة تحول جذري في علاقات المملكة واليمن
الاستاذ عبدالقادر باجمال نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية قدم مداخلة الى الندوة بعنوان من مذكرة مكة الى معاهدة جدة 27/ 2/1995م 12/6/2000م ، معتبرا مذكرة التفاهم نقطة تحول جدي في مسار العلاقات اليمنية السعودية وفتح ملف الحدود بين البلدين بصورة واضحة وشفافة وبعقل مفتوح للسعي من اجل تبيان الحقائق الموضوعية والقانونية وبالاعتبار للمتغيرات التاريخية والسياسية والخروج برؤية واتفاق يحرك المياه الراكدة,, كما يعيد للعلاقات الثنائية تفاعلها المطلوب في اطار فهم جديد لشروطها الموضوعية والذاتية والزمان والمكان.
وقال ان مذكرة التفاهم كانت المفتاح الذي نقل العلاقات بين البلدين من الذات الى الموضوعية ومن الحالة الهلامية الى الحالة المؤسسية ومن حلم الدعاية والخطاب الإعلامي الى معطيات البرنامج الواقعي والموضوعي.
واشار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني الى ان مذكرة التفاهم الموقعة في مكة المكرمة في عام 1995م كانت قد وضعت الاسس السليمة والواضحة للعلاقات بين المملكة واليمن وفقا لما تضمنته مواد ونصوص المذكرة من محددات شكلت منطلقا للعمل من قِبل الجانبين إلى ان تم التوصل الى النتيجة المرجوة وهي الاتفاق على كل الحدود من خلال معاهدة جدة التي وقعت اخيرا.
وقال باجمال ان هذه المعاهدة ستؤدي الى تحول جذري في مستقبل العلاقات اليمنية السعودية.
وزير التخطيط: ثوابت وأسس العلاقات لم ولن تتغير
الأستاذ أحمد محمد صوفان وزير التخطيط والتنمية ذكر في ورقة العمل التي قدمها الى ندوة المجلس الاستشاري على مستقبل علاقات التعاون الثنائي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية على ضوء معاهدة جدة للحدود الدولية البرية والبحرية وانعكاسات هذه المعاهدة على مستقبل الاوضاع الاقتصادية لكلا البلدين.
واشار الى ان الجانبين اكدا في معاهدة جدة التزامهما بشرعية معاهدة الطائف وملحقاتها وكذا بمذكرة التفاهم التي وقعت في 27 رمضان 1415ه,, كما ان هناك معاهدة جدة ومذكرة التفاهم تجعلان معاهدة الطائف هي الاساس في تنظيم العلاقات بين البلدين وتضيفان اليها ترسيم بقية الحدود وتعيين الاحداثيات للحدود المتفق عليها سابقا.
وقال الاستاذ احمد صوفان في ورقته ان معاهدة جدة المرتكزة على معاهدة الطائف، هي معاهدة تستهدف تعزيز كافة اوجه العلاقات بين الشعبين والدولتين, واضاف في ذات السياق ان الثوابت التي تحكم علاقة البلدين لم ولن تتغير وهي التي وردت في معاهدة جدة,, ومن ثم فقد كان الحرص من قِبل قيادتي البلدين على تأكيد هذه الثوابت، ولم تجد أي مبرر لاستحداث نصوص جديدة في معاهدة جدة توضح تلك الثوابت المتمثلة في وحدة العقيدة واللغة والتاريخ والثقافة والجغرافيا والجوار وايضا المصالح المشتركة.
معاهدة جدة تنظيم لكافة مجالات العلاقات
واضاف وزير التخطيط والتنمية اليمني بأن معاهدة جدة جاءت لتعلن عن قرب ميلاد اطار منظم وآلية جادة تبلور كافة الابعاد الاستراتيجية الكامنة في معاهدة الطائف، وتضع المفاصل اللازمة لتحقيق التوازن بين الامكانيات والمصالح والاهداف والوسائل ليتمكن الجانبان من احداث نقلة نوعية في طبيعة علاقتي الشعبين والدولتين، ويخرجاهما من واقعهما الكابح الى مستقبل مبشر للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلدين خصوصا ولمنطقة الجزيرة والخليج العربي بصفة عامة.
واعتبر ان معاهدة جدة لم تكن مجرد اتفاق لترسيم الحدود فحسب، بل تنظيم كامل للعلاقات السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية بين المملكة واليمن,, حيث تضمنت المعاهدة تحديدا واضحا للثوابت الاستراتيجية التي تقوم عليها علاقات البلدين.
واستطرد الوزير احمد صوفان في ورقة العمل التي قدمها الى ندوة المجلس الاستشاري بصنعاء في تناوله لمستقبل العلاقات السعودية اليمنية بأن معاهدة جدة تفتح مجالا للحكومتين لإنجاز مهام كثيرة في سبيل تفعيل مبادئها والوصول الى تحقيق اهدافها وغاياتها الاستراتيجية.
تحديات العولمة
وأكد وزير التخطيط والتنمية اليمني ان اتجاهات العولمة الاقتصادية التي نشهدها اليوم تفرض على متخذي القرار والمفكرين الاقتصاديين البحث في الفرضيات التي من شأنها إحداث النمو لمسايرة آلية النهوض والتطوير والتعقيدات التي تمليها مؤشرات الواقع، وإذا كانت منطقة الجزيرة العربية لم تتمكن من تحقيق وتائر ومعدلات النمو المرتفعة التي حققتها مناطق اخرى رغم ما تملكه منطقة الجزيرة العربية من مقومات للنمو متمثلة في موقع جغرافي متميز وشعوب فتية متطلعة وثروات طبيعية قابلة لتمويل تحقيق نهوض اقتصادي ذي قاعدة عريضة، فكيف يمكن لهذه المنطقة النهوض في ظل ما يمكن ان نسميه بداية لمرحلة استقرار ووفاق سياسي بدأ يلوح في الافق بعد حل المنازعات الحدودية وتقارب القيادات وترحيب الشعوب، وبداية يجب التأكد انه ما لم يتلازم مع هذه المرحلة التفكير الجاد في تعزيز المصالح والمنافع المشتركة وتطويرها وتعميق الشراكة والتكامل الاقتصادي فإن هذا الوفاق لن يكون اكثر من شعور وجداني لا يؤثر كثيرا في المستقبل، ومن هنا فإنه من المناسب ان نضع بعض الافكار لبعض المشاريع الاقتصادية التي يمكن من خلالها تحويل العلاقة بين دول المنطقة، وبالذات اليمن والسعودية من جيرة الى شراكة اقتصادية ، وقد ثبت في شرق وغرب المعمورة ان المصالح والشراكة الاقتصادية هي المدخل لحل جميع التناقضات، وعليه سأتناول في التالي طرح افكار لبعض المشاريع والتي يمكن جدواها في الاطر المناسبة.
وحدد الوزير احمد محمد صوفان المشروعات الاقتصادية التي يمكن للمملكة واليمن الدخول فيها وهي:
مشروعات مشتركة
المشروع الأول: يبلغ احتياطي المملكة العربية السعودية من الغاز الطبيعي المحقق 204,5 ترليون قدم مكعب TCF ولازالت الاكتشافات تتوالى من مختلف الحقول، كما ان هناك حقولا محتملة في مناطق عديدة ليس فقط في الشمال الغربي والشمال الشرقي، وانما ايضا في الجنوب الشرقي من المملكة,, وفي الوقت الذي توسعت فيه صناعات البتروكيماويات باستخدام الغاز الطبيعي كتغذية ووقود فإن قرب انضمام المملكة الى منظمة التجارة الدولية WTO سيفتح آفاقا جديدة للتوسع في هذه الصناعات، ولاشك ان المملكة تمتلك من الخط الساحلي على البحر الاحمر والخليج العربي مايزيد في مجموعه على 2400 كم ما يكفي للتوسع في هذه الصناعات، وربما للتفكير ايضا في تصدير جزء من الثروة الغازية في صور غاز مسال واقامة ميناء للتصدير على هذه السواحل,, ولكن الاقتصاديات والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية تفرض على دولة تمتلك هذه الثروة الهائلة ان تفكر في تعدد المنافذ.
ولاشك ان دراسة امكانية اقامة موقع لتصنيع البتروكيماويات ولتصدير الغاز الطبيعي في المناطق اليمنية على شاطئ البحر العربي والمحيط الهندي، علاوة على تلبيتها لمتطلبات التفكير الاستراتيجي السياسي.
مشروع مصفاة وأنابيب لتصدير النفط السعودي
من المعروف ان للمملكة العربية السعودية احتياطي محقق من النفط يزيد على 261 بليون برميل ومازالت الاكتشافات قائمة مما يجعل المملكة تملك اكثر من ثلث احتياطي النفط في العالم، ومن المعروف ان لدى المملكة عددا من خطوط انابيب النفط تزيد طاقتها عن الحاجة التصديرية، ولكن هذه الخطوط ايضا تقع في البحر الاحمر والخليج العربي وكلاهما يعتبران بحيرة عند المقارنة مع البحر العربي والمحيط الهندي ولاعتبارات استراتيجية سياسية واقتصادية ولاقتصاديات المنافسة وتقليص تكليف النقل البحري وخاصة في التصدير لآسيا وامريكا فيمكن تحقق الجدوى الاقتصادية للخط، وكذلك لاقامة مصاف ففي الوقت الذي تطمح المملكة لزيادة قدرات المصافي فقد يكون لاقامة مصفاة في إحدى مناطق اليمن على البحر العربي جدوى اقتصادية وسياسية للمملكة في الوقت الذي سيستفيد منه الاقتصاد اليمني ويفتح آفاقا للتعاون ولتصفية النفط اليمني ايضا.
مشروع سكة حديد من البحر الأحمر إلى البحر العربي
ان من اهم عوامل النهضة الاقتصادية تيسير وتعدد اساليب النقل وخلال السنوات الماضية بدأت افكار القطاع الخاص في المنطقة والمستثمرين الدوليين التفكير في اهمية خطوط سكك الحديد والتفكير في اقامة مشروع سكة تربط سواحل البحر الاحمر مع سواحل البحر العربي وصولا الى الخليج قد يكون له جدوى اقتصادية في ذاته وبما يؤدي اليه من تحقيق نمو اقتصادي وتشجيع تنمية التجمعات السكانية الساحلية وبالتالي القدرة على التعامل مع تحدي محدودية الموارد المائية التي تعاني منها السعودية واليمن ويمكن ان يؤدي الى فتح آفاق لنمو قطاعات اقتصادية واعدة.
أخيرا,, ومع اهمية التطلع الى المستقبل وبحث آثار لتعاون وعلاقات اقتصادية واسعة بين اليمن والسعودية كنتيجة لتطلعات القيادتين والشعبين الشقيقين وما انجزاه في التوصل الى معاهدة جدة عرضنا بعض الطموحات للعلاقات الاقتصادية والمشاريع المشتركة التي يمكن بحثها,, مشيرا الى ان هناك بعض مجالات للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
الدلالات المستقبلية لمعاهدة الحدود
الى ذلك وفي ورقة عمل بعنوان انعكاس معاهدة جدة على سير العلاقات اليمنية السعودية ، رؤية مستقبلية قدمتها الدكتورة خديجة الهيصمي استاذة العلوم السياسية بجامعة صنعاء,, فقد تطرقت الى المراحل التاريخية للعلاقات بين المملكة واليمن وما شهدته هذه العلاقات حتى توقيع مذكرة التفاهم في عام 1995م ومن ثم الوصول الى معاهدة جدة 2000م.
واشارت الدكتورة خديجة الهيصمي الى ان مذكرة التفاهم مثّلت بداية خيّرة لتفعيل العلاقات بين البلدين وعملت على كسر الحواجز النفسية، أما معاهدة جدة فقد قالت ان بنودها عالجت ما كان عالقا من مشاكل حدودية بين البلدين منذ توقيع معاهدة الطائف في عام 1934م، واغلقت ملفا كان اكثر الملفات تعقيدا في اختراق الصعب وتحويله الى واقع توافقي وبناء,, معتبرة المعاهدة بأنها اصبحت ضمانة أساسية لنجاح العلاقات بين الدولتين في المستقبل، وانها تنقل هذه العلاقات من مدار التجاور الجغرافي الى رحاب الشراكة.
وخلصت الدكتورة خديجة الهيصمي في ورقتها الى التأكيد بأن من ابرز الدلالات المستقبلية لمعاهدة الحدود الدولية البرية والبحرية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية انها ستترك اثرا ايجابيا على امن واستقرار المنظومة الاقليمية التي تعيش فيها الدولتان وعلى قضاياها المصيرية,, كما انها تعطي دفعة قوية للعلاقات العربية العربية عبر انطلاقها من المجال القطري الى المجال الاقليمي الاوسع والتأثير فيه بشكل فاعل وقوي، بحكم ما يشكله الموقع الجغرافي للبلدين وما يتمتعان به من ثقل ديمغرافي واقتصادي وسياسي في المنطقة يمكنهما من لعب دور فاعل ومؤثر في الترتيبات الخاصة بالامن الاقليمي لخدمة واستقرار المنطقة وامنها.
واضافت بأن توقيع المعاهدة الحدودية بين المملكة واليمن لم يعد مكسبا للبلدين فقط بل للامة العربية والإسلامية، كونها تقدم درسا نموذجيا وفريدا من دروس التاريخ الحديث في معالجة وحل مشاكل الحدود التي تعد من ادق واعقد المشاكل القائمة حاليا بين الدول العربية.
انطلاقة تنموية جادة
ومن جانبه اعتبر الدكتور محمد احمد السعيدي ان توقيع معاهدة الحدود اليمنية السعودية ستفضي الى العديد من النتائج الايجابية لانطلاقة تنموية جادة,, واشار في ورقة قدمها الى الندوة بعنوان الآثار الاقتصادية لمعاهدة ترسيم الحدود اليمنية السعودية الى ان من تلك النتائج ترسيخ قواعد الاستقرار السياسي باعتباره احد المتطلبات الحيوية لعملية التنمية الاقتصادية في البلدين اضافة الى توفر الامن والطمأنينة في المجتمع، وذلك لما يترتب على توقيع معاهدة الحدود من نتائج تؤدي الى ضبط الحدود، والحد من قدرة الخارجين عن القانون من الافلات من يد العدالة فضلا عن ان المعاهدة تشكل ارضية خصبة لعلاقات اقتصادية افضل تفضي الى تجاوز اشكالية تنقل السلع بين القطرين وتفتح المجال لفتح اسواق في القطرين لمنتجات كل منهما، كما انه بتحديد الحدود سيتم تحرير المناطق الحدودية من الضغوط العسكرية ليتمكن كل قطر من استغلال ما بباطن تلك الارض من ثروات طبيعية وبشكل خاص النفط, ومن النتائج ايضا ان البلدين وبتوقيع الاتفاقية قد تخلصا من اهم معضلة كانت تشكل تهديدا مستمرا لكليهما وهو امر ادى في الماضي الى احتفاظ كل من البلدين بجيش كبير نسبيا، ومن البديهي القول ان كلا من الدولتين صار بإمكانهما تحرير جزء من الموارد المادية والبشرية التي كانت مخصصة للدفاع، وتحويلها الى قنواتها الطبيعية لرفد عمليات التنمية بموارد هي في أمس الحاجة اليها.
مواجهة المتغيرات المستقبلية
واخيرا وفي ورقة عمل بعنوان التصورات المستقبلية للعلاقات اليمنية السعودية الخليجية يقول الدكتور احمد محمد الكبسي استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء: ان توقيع معاهدة الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية قد ادى الى اعادة الامل بإمكانية قيام تعاون وتكامل عربي بعد ان دب اليأس في النفوس كنتيجة للخلافات العربية التي اعاقت قيام الاعمال التعاونية او التكاملية.
واشار الى ان التفكير بأي نوع من التعاون والتكامل او الاندماج هو في الواقع تقوية مستقبلية لها لمواجهة الظروف والمتغيرات المستقبلية بمختلف انواعها، كما انه يقوم على اساس المشروع النهضوي المعاصر الذي يتبناه عدد من المفكرين العرب، والقائم على البعد الأسري والمودة وصلة القرابة والجوار والجوامع المشتركة.
سيناريو المستقبل
ويستطرد الدكتور الكبسي في تناوله ما اعتبره سيناريو التفاؤل والامل وضوح الرؤيا على اساس ان هذا السيناريو لابد ان يقوم على المصالح المشتركة لجميع دول المنطقة.
|
|
|
|
|