| وَرّاق الجزيرة
سيلتقي القراء الكرام بإذن الله بدءاً من هذا الاسبوع بمجموعة من الحلقات التي تترجم للوراقين القدامى في منطقة وسط الجزيرة العربية من إعداد الباحث الاستاذ منصور بن عبدالعزيز الرشيد وهي جزء من مشروع علمي كبير له جاوزت سنوات العمل فيه ربع قرن وقد آثر مشكورا ان يخص (وراق الجزيرة) بهذه التراجم على شكل حلقات وكلنا امل في ان يجد فيها القراء ما يفيدهم ويجيب على استفساراتهم المعرفية.
كتبت مقالاً بعنوان (الوراقة والوراقون في نجد) في العدد الاول من السنة السادسة من مجلة الملك فهد الوطنية تحدثت فيه عن مهنة (الوراقة في نجد قبل منتصف القرن الثاني عشر الهجري) ثم بعد ان قدمت البحث للمجلة استجدت لدي بعض المعلومات التي أحببت أن اضيفها على شكل مقالات.
وأحببت ان ابدأ باربعة علماء دمشقيين، درسوا في (المدرسة العُمرَية) في دمشق، التي كانت في عهدهم محط الرجال الراغبين في طلبة العلم من اهل نجد، حيث لازموهم ودرسوا عليهم، واستمروا في الدراسة والتعلم حتى أجازوهم,وكان طلبة العلم من اهل نجد يقطنون هذه المدرسة ويدرسون على علمائها، ويكتبون بأيديهم مؤلفاتهم، ويتداولونها، ثم يدرسونها لتلاميذهم بعد عودتهم الى نجد,وكان أقدم هؤلاء العلماء هو الشيخ العالم الفقيه القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي ثم الدمشقي الصالحي، شيخ المذهب الحنبلي ومحرره 820/885ه، والذي ألف عددا من المؤلفات أشهرها كتاب (الانصاف معرفة الراجح من الخلاف) والذي طبع في 12 مجلدا بتحقيق محمد الفقي والذي كان له دور كبير في القطر النجدي,حيث ولد بمردا سن 820ه، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، ودرس مبادىء القراءة والكتابة في كتاتيبها، ثم درس مبادىء العلوم والفقه بهمة ونشاط ومثابرة، حيث درس في مردا أعلى الشهاب احمد بن يوسف، ثم تحول منها في سنة 838ه الى دمشق، ونزل في مدرسة (أبي عمر) بالصالحية، والتي استوطنها العديد من طلبة العلم في عهد المرداوي وما قبله وما بعده.
ومدرسة أبي عمر: هي مدرسة علمية في دمشق تقع في حي الصالحية، منسوبة الى الشيخ محمد بن احمد بن قدامة المقدسي، أخ الشيخ إمام المذهب الحنبلي موفق الدين أبو محمد بن عبدالله بن احمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبدالله المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالحي الفقيه المولود سنة 541ه والمتوفى سنة 630ه، ووالد الشيخ الفاضل الصالح عبدالرحمن بن محمد بن احمد بن قدامة المقدسي الصالحي 597/682 أبي عمر صاحب (الشرح الكبير على مختصر الخرقي) وأول من تولى القضاء في دمشق حيث استمر بها قاضياً اثني عشر سنة.
وكانت مدرسة ابن عمر منذ تأسيسها وهي حافلة بالعلماء والفقهاء وبالكتب النادرة، وهذه المدرسة الهامة تفرقت كتبها فيما بعد.
وكان من أشهر المشايخ الذين درس عليهم المرداوي الشيخ التقي أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف البعلي، ثم الصالحي الشهير بابن فندس، الذي عاش خلال الفترة 809ه/861ه درس عليه في الفقه وأصوله، وكان جل انتفاعه عليه، حيث درس عليه المقنع في الفقه الحنبلي، ومختصر الطوفي في الأصول، وألفية بن مالك في النحو، ودرس على غيره من العلماء, ودرس المرداوي على علماء دمشق ومصر ومكة حيث زارها مرتين إحداها سنة 857ه وغيرها.
وقد اطلعت على كتاب التذكرة في الفقه على مذهب الإمام احمد بن حنبل للإمام العالم أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، الذي فرغ من تأليفه سنة 474ه، وأصل هذا الكتاب موجود في المكتبة الظاهرية في دمشق، وهذا الكتاب هو احد وقفيات الشيخ احمد بن يحيى بن عطوه بن زيد التميمي النجدي، حيث كتب على الغلاف، انه ملك لأبي بكر بن قندس، وربما أنه درج على يد الشيخ احمد بن يحيى بن عطوه عن طريق شيخه المرداوي ودرج على المرداوي من شيخه بن قندس.
وبعد ان حصل المرداوي على قسط كبير من العلم والمعرفة جلس في المدرسة (العمرية بدمشق) للتدريس والتعليم حيث لازمه العديد من طلبة العلم من شتى الأقطار، حيث درس عليه عدد كبير من أهل نجد أشهرهم:
1 الشخ احمد بن يحيى بن عطوه بن زيد التميمي المتوفى سنة 948ه وكانت وفاته سنة 885ه، ومن هنا نعلم ان دراسة الشيخ ابن عطوه عليه كانت اثناء القرن التاسع الهجري، وحوالي سنة 880ه حيث رحل الى دمشق واستوطن (المدرسة العمرية) بالصالحية، ودرس على الشيخ المرداوي 820/885ه ثم على ابن عبدالهادي 841/909ه ثم على احمد بن عبدالله بن عساكر، ثم جلس للتدريس في (المدرسة العمرية) بعد وفاة ابن عساكر سنة 910ه فترة بسيطة درس عليه العديد من الطلبة منهم موسى الحجاوي 895/968ه ثم عاد الى نجد ونشر فيها علمه ومعرفته.
2 الشيخ محمد بن أبي حميدان الشهير بأبي جده، الذي اوقف كتاب (الانصاف في مسائل الخلاف) سنة 870ه على (المدرسة العمرية) بدمشق وذلك قبل وفاة شيخه بسبعة عشر سنة، والإنصاف هو احد مؤلفات شيخه المذكور, ويظهر ان محمد بن ابي حميدان توفي في دمشق حيث أنجب عددا من الأبناء اشهرهم الشيخ ابراهيم والد كل من الشيخ احمد بن ابراهيم ومحمد بن إبراهيم والد ابو النورين عثمان بن محمد بن ابراهيم ودرس عليه غيرهما من اهل نجد.
وكان من بين مؤلفات الشيخ المرداوي التي اعتنى بها طلبة العلم في نجد بفضل الله ثم بفضل الدارسين عليه من اهل نجد، والذين اشاعوا هذه المؤلفات في نجد بعد عودتهم من رحلاتهم العلمية:
1 الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف, وهو كتاب في الفقه الحنبلي ألفه تصحيحاً للمقنع لابن قدامة المقدسي وهو أحد الكتب التي اهتم بها علماء الحنابلة، ومن بينهم علماء نجد، والذين من اشهرهم:
أ الشيخ محمد بن حميدان النجدي الشهير بأبي جده الاشيقري، الذي يعتبر من أوائل العلماء النجديين الذين درسوا على الشيخ المرداوي، كما يدل على ذلك وثيقة خطية تعد من اقدم الوقفيات النجدية المسجلة على مخطوطة فقهية، حيث اوقف كتاب (الإنصاف) تأليف شيخه المرداوي على الحنابلة في (المدرسة العمرية) بدمشق، حيث اوقف هذا الكتاب قبل وفاة شيخه المرداوي بخمسة عشر سنة، وذلك سنة 870ه، وكان نص الوقفية (هذا المجلد وما قبله وما بعده، وقف صاحب المعارف، الشيخ محمد بن حميدان النجدي، على الحنابلة بالصالحية في دمشق المحروسة وجعل النظر عليها للفاضلين، أحمد بن الوفاء، ومحمد الرباني ثم لأمير الحنابلة، في شهر رمضان، حرره الفقير محمد بن حميدان سنة 870ه.
ب الشيخ احمد بن إبراهيم بن محمد بن ابي حميدان، الذي اوقف ثلاثة كتب حنبلية هي (الفروع والزركشي والانصاف)، وهذه الكتب تقع في حدود أربعين مجلداً، أوقفها على طائفة الحنابلة (بمدرسة أبي عمر) بالصالحية في دمشق، وجعل الشيخ شمس الدين محمد بن ابراهيم بن محمد بن ابي عبدالله المشهور بأبي جده، وصياً على الوقف، وقد جاء في نقل موثوق به، عن وثيقة نقل جزء منها الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ما نصه: (شهد الشيخ الصالح صفي الدين سليمان النجدي المشهور بلقبه، ان الشيخ الفاضل أحمد بن إبراهيم بن أبي حميدان النجدي الحنبلي، ابن عم الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم، بأن محمد وقف الكتب الثلاثة التي تركها في دمشق وهي (الفروع والزركشي والانصاف) على طائفة الحنابلة بصالحية دمشق، وجعل نظرها لابن عمه الشيخ محمد بن ابراهيم بن محمد بن أبي حميدان، ومن بعده النظر لطائفة الحنابلة).
وبعد ان تزود الشيخ احمد بن ابراهيم بن ابي حميدان زاداً نافعاً عاد الى نجد فكان ممن بث المذهب الحنبلي في ربوعها، وهو من علماء القرن العاشر رحمه الله تعالى .
ج الشيخ احمد بن محمد المنقور المتوفى سنة 1125ه الذي نقل عنه في كتابه الفواكه العديدة والمسائل المفيدة 145 نقلا.
2 التنقيح المشبع في تحرير احكام المقنع للمرداوي، وهو مختصر كتاب (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) وقد طبع في مجلد واحد وقد اهتم بهذا الكتاب الكثير من علماء الحنابلة بالكتابة والنسخ والتعليق، وهناك علماء وضعوا هوامش على هذا الكتاب اشهرها:
أ حاشية التنقيح للشيخ احمد بن عبدالعزيز بن علي البهوتي في 861/949ه.
ب حاشية التنقيح للشيخ موسى بن احمد بن سالم الحجاوي 895/968 وقد اعاد كتابة هذه الحاشية من اهل نجد، الشيخ ناصر بن ابراهيم بن زيد، وتمت هذه النسخة في 22 ذي الحجة من عام 1178ه.
وقد نال كتاب التنقيح من علماء نجد اهتماما خاصا، حيث اعاد كتابة هذا الكتاب العديد من العلماء النجديين منهم: الشيخ احمد بن عيسى النجدي اليذ فرغ من كتابته في 18 جمادى الآخرة سنة 989ه، ولعل هذه النسخة تعد من اقدم النسخ التي كتبها علماء نجد، وهي من ضمن مكتبة الشيخ عبدالله بن حسن وزير التعليم العالي، والمهداة لجامعة الملك عبدالعزيز بمكة.
وللشيخ المرداوي مؤلفات أخرى اعتنى بها أهل نجد منها: أ تحرير المنقول في تهذيب علم الأصول والذي شرحه أبو البقاء تقي الدين أحمد بن عبدالعزيز بن علي بن ابراهيم الفتوحي 861/949ه في كتابه الكوكب المثير بشرح مختصر التحرير، والذي نقل عنه الشيخ في كتابه الفواكه العديدة والمسائل المفيدة ستة عشرة صفحة في آخر الجزء الثاني.
ب تصحيح الفروع ونقل عنه المنقور في أربعة مواضع في كتابه وغيرها وبالله التوفيق وطبع في مجلد كبير هذا إن استطعنا الحصول عليه وبالله التوفيق.
|
|
|
|
|