| تحقيقات
منشأ العداء
يقول الدكتور سعد الماضي جراح المخ والأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي: ان اعداء النجاح هم من يكسوهم شعور دائم بالفشل أمام أنفسهم وان كانوا ناجحين أمام أعين الآخرين,, كما أن ممارسة العدائية تجاه أي نجاح في رأيي الشخصي اشكالية أزلية وثابتة من ثوابت الكون ولدت بولادة النجاح والإنجاز وهي عائق تكبد منه الرسل والأنبياء كثيراً من قبل,, وعانى منه العلماء والمبدعون والمجددون على حد سواء ونعلم أن النفس اما لوامة او أمّارة تبدأ مثل هذه الافرازات بالظهور على السطح جليلة واضحة.
وأصحاب هذا المسلك فيما أظن فئة مرت بحالة احباط في مرحلة من مراحل حياتها وليس بالضرورة استمرار معايشة حالة الاحباط هذه ولكني اعتقد بأن مجرد المرور بمثل هذه الفترة التي تحمل في طياتها الكثير من الكبت يكون كافياً ان يشعر بالعداء تجاه النجاح.
وعن التصدي لمثل هذه الظواهر الاجتماعية يقول: كما أسلفت هي حقيقة أزلية ثابتة لا مجال لإنكارها إلا انني وبالرغم من دورها الفاعل في بعض الأحيان في قطع أي امتداد للنجاح أرى بانها دلالة للنجاح نفسه في أحيانٍ أخرى فالضد يظهر حسنه الضد كما يقال، وان كان هناك من وسيلة للتصدي لهذه الممارسة او على الأقل تحجيمها فلو تبنى استراتيجية نقدية هادفة وبناءة كفيلة بدعم كل نقد ايجابي يكون بمثابة وقود حقيقي لضمان استمرارية النجاح والاراء المفلسة التي من شأنها هدم ما يصبو اليه أي انسان ناجح في كافة ابعاد الحياة، والبداية بالطبع تكون من الاجيال القادمة عن طريق غرس مفهوم النقد الهادف وأهميته في دعم مسيرة المجتمع في أذهانها.
التنافس ظاهرة صحية
ويؤكد الدكتور الماضي على ان التنافس في العمل ظاهرة صحية وطبيعية فيقول: يكون التنافس ظاهرة صحية عندما نمارسه انطلاقاً من قناعتين: أولها ان ننظر لصاحب النجاح نظرة تقدير واحترام لنجاحه، وثانيتهما: ان يكون هذا النجاح او الانجاز محفزاً رئيسياً لبذل الجهد والمثابرة بغية اضافة نجاح آخر.
ويشير الدكتور الماضي بأصابع الاتهام الى بعض التجاوزات الفردية التي تقلل من عطاءات الآخرين والتربص بهم قائلاً: ان مثل هذه التصرفات تكون تجاوزات فردية لا تشكل سوى سلوك فردي أكثر منها سمة لهذا المجتمع إلا انه لابد من تقويمها الى العمل الجاد لترسيخ مفهوم النقد البناء واحترامه في ذهنية الاجيال القادمة.
كذلك هناك بعض الأمور لابد من أخذها بعين الاعتبار وهي احترام طرح الآخرين وزوايا الرؤية المختلفة لديهم تجاه ما يختلج في داخلهم وان نعتقد جازمين بأن هناك أكثر من رؤية لكل اشكالياتنا وهمومنا إلا فيما يختص بعباداتنا العقائدية, علينا ان نؤكد على مبدأ أدب الاختلاف وان يكون الباحث عن النقد والجدل تجاه أي نجاح وانجاز الرغبة بالسمو لهذا المجتمع فقط دون تحديد او تعديل الأمور الى منحنى شخصي بحت.
لكلٍ خصائصه
وتعرج بنا الاخصائية النفسية ليلى وهبي في محاور هذه القضية لتحدثنا عن النجاح والفشل كأحد الأسباب الكامنة في داخل الانسان فتقول: لكل إنسان خصائصه وعندما خلق الله سبحانه وتعالى الحياة خلق لكل منا قدرات خاصة تميزه عن غيره، حتى بين الأخوة نجد ان هناك صفات ومميزات تميز كل واحد عن غيره اقتبسوها عن أبويهم او عن البيئة الاجتماعية المحيطة بهم كذلك المستوى التعليمي والثقافي.
فنجد هنا مثلاً إنساناً يشعر بالغيرة من إنسان ناجح والسبب في ذلك يعود الى تركيبته النفسية والاجتماعية فنجد ان هذا الانسان لديه طاقات معينة وأحلام خاصة لم يستطع ان يحققها فيتحول ذلك الى شعور بالحقد والغيرة فنجد اثنين في مرحلة دراسية واحدة فالأول تهيأت له الظروف واكمل تعليمه ووصل الى مراكز عُليا في الحياة فيحدث الثاني نفسه ويقول هذا الرجل كان صديقاً لي ووصل إلى مكان مرموق وكان من المفروض أن أكون مثله أو أعلى منه وهكذا وخصوصاً اذا كان لا يستطيع ان يعطى مثل صديقه فيتحول شعوره الى حقد ويبدأ يطارده ويطارد نجاحاته وقد يستعمل أساليب لتحطيمه ونقده أمام الآخرين والتقليل من عطائه.
ومن هنا يجب على الانسان الذي لم ينل حظه في الحياة ان يرضى بوضعه وأهم البدايات ان يكون لديه إيمان قوي بالله وان يعرف شيئاً مهماً وهو ان خسر في الحياة فلن يخسر في الآخرة وان يبني لآخرته وهذا الشيء يقدر عليه كل إنسان وهنا يكون الإنسان سوياً ولم يرم نفسه الى الهاوية، لأن الأمور احياناً قد تصل الى طريق مسدود لأنه يبدأ بالغيرة والحقد والحديث مع نفسه حتى يصل الى الجنون لاقدر الله.
كما يجب على الانسان الناجح أن لا يقلل من أهمية الانسان الذي لم ينل قدراً من النجاح بان يشعره بأهميته وهنا يكون مبدأ التكافؤ الاجتماعي في الحياة لان هذا الانسان قد تكون له قدرات كبيرة ولكن الظروف لم تساعده وربنا سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد.
ولكن هل التنافس في العمل يعتبر ظاهرة صحية؟, الاجابة ان التنافس الشريف يؤدي الى تحسين الأداء في العمل وهذا مطلوب من الطالب والموظف والكاتب والفنان مطلوب في كل الأمور, بل حتى من الأم في منزلها لتصبح أفضل من غيرها,, كل هذه الأشياء مطلوبة لتحقيق الأفضل في حياتنا، أما التنافس غير الشريف للوصول من خلال طرق ملتوية ودسائس على حساب تحطيم الجنس الآخر فهذا الأمر غير مطلوب وهو مؤثم عليه، وان لقي هذا الشخص نجاحاً فسوف يكون نجاحاً مؤقتاً.
أما الانسان الذي يقدم على مثل هذه التصرفات فهو إنسان مريض وشخصيته غير سليمة ولديه عقدة نفسية سببت له هذا الشيء أو يكون قد واجه ضغوطاً نفسية في تربيته الاجتماعية والبيئية وهنا نوجه نداء للوالدين أن تكون تربيتهم للابناء تربية سليمة وعلى أسس قوية وواضحة وان لا يفضلوا وأحداً عن الآخر لأن هذا الأمر يخالف الدين الإسلامي وان لا يفرقوا بينهم لان التفريق بين الولد والبنت مثلاً يجعل البنت تحدث نفسها هل هي ناقصة كذلك التفريق بين الاولاد ومن هنا يبدأ يمارس أعمالاً وأساليب خاطئة ليعطي الشيىء الصح على حد تفكيره وهو يعطي الشيىء الخطأ وهو لا يدرك هذا ولا ننسى نقطة هامة وهي اذا كان الأبوان مختلفين بالأراء او بالطبقية كل هذه الأمور تنعكس على الأطفال فيصبح الطفل مذبذباً وعندما يخرج الى الحياة لا يعرف الصح من الخطأ ولا يستطيع ان يتخد قراراً صائباً، ومن هنا يصبح في الكبر إنساناً حاقداً ويبدأ في تحطيم من حوله لانه غير راض عن وضعه.
ضرورة المواجهة
وعن التصدي لمثل هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها تضيف قائلة: اول شيء يجب ان نفعله عندما نواجه مثل هذه الأمور ان ندفع بالشخص المتصدي بان نجعله يقلد الانسان الناجح لان ظاهرة التقليد موجودة في اي مجتمع وان نجعل هذا الانسان الناجح قدوة له وان لم تفلح المحاولات يبدأ بالمواجهة لان المواجهة ضرورية وتعتبر الصدمة الأولى له لان الانسان الفاشل يحاول دائماً الاضرار بالآخرين دون ان يترك وراءه حقائق او دلائل تثبت عليه، اما المحاولة الأخيرة فتأتي على شكل التهديد له بان لا يكرر فعله هذا ولله الحمد اننا كمسلمين لدينا الرادع الديني الذي يمنعنا من الأساءة للآخرين وقذفهم.
مجمل القول انه يجب علينا ان نعطي فرصة للآخرين لأنهم قد تكون لهم اسباب ودوافع نفسية خارجة عن ارادتهم ونأخذ مثلا على ذلك السارق لا تقطع يده قبل أن يسأل فربما يكون جائعاً او محروماً واضطر الى فعل ذلك، اما اذا كانت مجرد عادة او حسد هنا يقوم عليه الحد، وأحب ان اقول للانسان ان الحياة فرص واذا كل انسان حاول ان يستغل الفرص بطريقة سليمة فانه سوف يصل ولا ننسى ان الله سبحانه وتعالى لا يجعل في قلوب المؤمنين حسره.
عزيمتي تجاوزت الدسائس
وتروي لنا الإعلامية سحر الناجي تجربتها الإعلامية وتحدياتها للمغرضين فقالت: ان موضوع النجاح وما ينتج عنه في العادة من افراز فئة من الحانقين الذين قد يجندون انفسهم للحيولة دون بلوغ الهدف بالنسبة للناجحين وذلك من خلال رصد الطموح الانساني بنفور او لنقل بامتعاض قد يؤدي في اغلب الحالات الى غرس العقبات في درب الخطى المتوثبة بالاصرار، نجد ان للمنافسين في هذا الصدد نصيباً كبيراً أحياناً في عرقلة الطموح وذلك إما باطلاق الشائعات او تدبير المؤامرات بهدف اسقاط اسم لامع لزميل من على منصة النجاح المتألقة بأضواء النجومية ولعل ساحات الأدب والثقافة لا تخلو من هذه الشرائح فنجدها تنضح بنماذج مماثلة مما أشير اليه في السياق السابق، وخصوصاً اولئك الذين لا هم لهم سوى التربص بالمتميزين من اجل اطفاء وهجهم او إلغاء ادوارهم من واجهة الإعلام المقروء بكافة مجالاته وكون تجربتي الادبية والإعلامية قد مرت بمراحل بناء عديدة تخللتها احيانا بعض من العقبات والدسائس من قبل بعض الجهلاء والمستثقفين، إلا انني استطعت ان اتجاوز هذه العثرات بمزيد من التحدي والعزيمة, وذلك بمواصلة العطاء الأدبي والصحفي والاذاعي دون الاكتراث الى الجماجم التي تكهمت في دربي وحاوَلت وسط العواصف ان تخلق اجواء الفزع بهمهماتها لتحول دون تقدمي وقد انتهجت في ذلك منهجاً محايداً حيث اعتكفت في عالمي وبين اوراقي واكوام افكاري في تواصل مع الحرف والكلمة وفي معزل عن الاحتكاك بمعظم الفئات الثقافية والأدبية على حد سواء ولكن هذا لم يكن يمنع من مصادقتي ومودتي لبعض الوجوه والاسماء الإبداعية والإعلامية المتميزة حيث اخترت هذه الصداقات بعناية وحذر شديد واحمد الله انني احسنت الاختيار في هذا الشأن لان صداقاتي كانت تمثل لي مصدراً غنياً للتغذية الفكرية والانسانية وكانت تمدني بالصمود والاستمرارية في زمان بات يعاني من انيميا حادة في جسد وخلايا العلاقات الإنسانية والثقافية.
هي النفس المريضة
كما تقول الفنانة التشكيلية المعروفة هدى العمر في هذا الاتجاه: إن الزمن المعاصر وتطور الإنسان السريع في المجالات العلمية اصبح بريق واحد هو الذي يلفت انتباهه الا وهو بريق المادة الذي قاده الى حب الذات والتملك والانانية في كل شيء وبتألق هذا البريق في عينيه اصابه العمى فلم ير الأشياء الجميلة الأخرى التي حجبها هذا البريق ومع التكوين الجديد للنفس البشرية التي يزداد عددها يوماً بعد يوم بصورة مخيفة انقرض انسان المبادئ والقيم فمن الطبيعي ان يواجه هذا الانسان الضعيف المهدد بالتلاشي من على وجه البسيطة احباطات أمام هذا الكم الهائل من البشر, من منا يؤمن بالصدق والأمانة ويحب النجاح لغيره كما يحبه لنفسه لم تواجهه معاناة في حياته، ومن منا حمل ذات مرة راية الوفاء واتجه بها لصديقه فظنه الأخير انه حمل هذه الراية بغرض طعنه بها، لقد أصبحت الثقة شبه معدومة بين الاصدقاء، والناس تتعامل مع بعضها البعض بحذر وتوارى الحب والاخلاص بينهم وضعف الايمان ونسينا في متاهة الحضارة قول الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، وصار الانسان الناجح بدلا من ان يشجعه من حوله على نجاحه ليدفعوه بهذا الى تقديم ما هو احسن وجد العكس منهم بل انهم غالباً ما يشككون في انجازاته وينتقدونه وكلما حقق الانسان مزيداً من النجاح والشهرة زاد عدد من ينتقده, وهذا للأسف الواقع المؤلم الذي نعيشه الان سواء كنا اصحاب مهن او مبدعين في شتى المجالات الفنية والادبية.
وتقول الدكتورة وعد مارديني استشارية نفسية: من خلال عملي كطبيبة واحتكاكي بالرجل وجدت وبصراحة شديدة ان الرجل يقف وراء بعض النجاحات وهنا انا احدد رأيي كطبيبة ومن مجال عملها حيث ان الرجل في المجال الطبي يقلل من نجاحات المرأة الطبية بإصداره الكثير من القرارات في حين ان المرأة الطبيبة لا تقدر على اصدار أي قرار مهما كانت أهميته كما انه من الممكن ان يحاربها في مجال عملها بطريقة غير مباشرة عندما يقلل من أهميتها كطبيبة ومتناسياً ايضاً ان المرأة لها وضعها الخاص الحساس فهي تمر بعدة مراحل حرجة في حياتها مثل الحمل والرضاعة والتربية وغيره وكل هذه الأشياء تكون مرهقة لها وتحمل المرأة ورغم كل هذا تجدها تعطي وتعمل بجهد وهي تحمل جنينها في احشائها بالاضافة الى عدة مسؤوليات خارج نطاق العمل تتحملها كأم فالكل يريد حقه منها.
أما عدو النجاح في رأيي فهو الانسان الذي لا يساند النجاحات ويدفع بها بل لا يعترف بنجاحات الآخرين وهذا يدل في النهاية على عدم وعي الانسان بأهمية العطاء ومثل هذا السلوك يأتي من انسان غير مُقدر للمسؤولية وعظمتها.
كلمة المحررة
وبعد: كيف نستنشق الصح من الخطأ من الآخرين وهل هناك معيار محدد لصداقاتنا، من يتعهد لنا اليوم ان يكون صديقاً مخلصاً ولا يخون الصداقة والزمالة,, اسئلة كثيرة تطرح تذكرنا بالصح والخطأ واذا اتفقنا على ذلك يجب علينا ان نعلم جيداً ان مثل هذه التصرفات قد تواجه كلاً منا, فهل يرضى احد ان تسرق نجاحاته من أمام عينيه والاجابة لا,, لا احد يريد ذلك لا يسرق من أمامنا الحاضر والمستقبل وحتى الأحلام وان كانت غير مسموعة.
|
|
|
|
|