| مقـالات
* السيدة مريم نور,, أمريكية من أصل لبناني، ومسلمة من الأرمن، أشهرت إسلامها في الولايات المتحدة قبل حوالي عشرين عاماً على يد داعية من الهند، وتعلَّمت القرآن والتعاليم الشرعية على يد شيخ سعودي في أمريكا أيضاً، وتبدو إنها ناهزت السبعين من العمر إلا قليلا، متخصصة في علوم التغذية والدواء, تقول: أنها بنت دارها الصغيرة الجميلة؛ من الزبائل والمخلفات، وإنها لا تسمح أن يدخلها أحد بحذاء، ولا تسمح بدخول التليفون ولا الجوال ولا الدخان,,,! وتوصي بشرب ماء زمزم، وبفلترة مياه المساكن, أما الطرح الذي تحمله؛ فهو مثير للجدل، لما يتسم به من واقعية ومنطقية، ولما يحمله من تحد عنيف؛ في مواجهة التطبيع القهري الاستهلاكي، الذي فرضته وتفرضه الشركات العملاقة المصنعة للغذاء في العالم، على المجتمعات البشرية.
* شاهدتها أول مرة وهي تتكلم من إحدى القنوات الفضائية، ثم قرأت لها بعد ذلك في مجلة الجديدة وفي جريدة المسائية، وما يثير العجب والدهشة؛ أن أحداً في المؤسسات الغذائية والزراعية والمرجعيات الدوائية في عالمنا العربي؛ لم يحرك ساكناً، ولم يبد رأياً بالتأييد أو الرفض حيال طروحات هذه السيدة التي تتهم صراحة كافة المسئولين عن الأغذية والأدوية في العالم العربي والإسلامي بالتقصير، بل,, بجرم كبير يجترحونه ضد شعوبهم ومواطنيهم، بموافقتهم وسكوتهم وتسهيلهم لاستهلاك الأغذية المصنعة، وإغراق الأسواق بأصناف مسمومة من اللحوم، والفواكه، والخضراوات، والحبوب المقشرة، والأطعمة الجاهزة؛ والدواء غير المقنن في بعض الأحيان، فهي تدعو إلى العودة للطبيعة الأم، وترى أن معظم الأمراض التي تنتشر في زماننا هذا بين الناس ويستعصي علاجها؛ تتسبب فيها الأطعمة المصنعة والجاهزة، وتستدل على صحة هذه النظرية بما يتمتع به عادة أبناء القبائل والبدو الذين يعيشون بعيداً عن المدن وترفها، فهم في صحة أفضل، لأنهم يتناولون غذاء طبيعياً طازجاً.
* والسيدة مريم نور التي تذكرنا في هذه المسألة بنصوص إسلامية من القرآن والسنة، وبتعاليم شرعية واضحة في عادات الأكل والشرب والنوم واللبس والصيام والصلاة؛ لم تأت بجديد، لكنها ملكت الشجاعة الكافية، فتحررت من الإغراءات، وتمردت على كل أنواع الضغوط التي تمارسها عادة شركات كبرى، لها ثقل وتأثير كبيران؛ ولها مصالح مالية عظمى، وتمارس ترويج أي شيء يباع ويشترى ويحقق ربحا؛ حتى لو كان فاسداً ويهدد صحة وحياة الناس، المهم الربح وبأي طريقة.
* إن الولايات المتحدة الأمريكية؛ والدول الأوروبية عموما؛ ادركت منذ سنوات خلت خطورة الغذاء المصنع بعد تجارب مريرة مع هذه الصناعة التي أفسدت البيئة، وساهمت في نشر الأمراض المستعصية، فسعت الى الحد من هذا النشاط المحموم، وإحلال الغذاء الطبيعي بدلا عنه، وانتشرت بعد ذلك أسواق تبيع الخضار والفواكه الطبيعية، الى جانب الأخرى المعدة في بيوت محمية, أذكر أني شاهدت قبل أكثر من عشرين سنة في أسواق أثينا عاصمة اليونان؛ حبات قثاء طول الحبة الواحدة قريب من متر,,! ورأيت من الخيار والكوساء والطماطم والفاصوليا وغيرها؛ ما يثير العجب؛ مما لم يكن شائعا في أسواقنا، وكان ذلك بفعل التدخل الكيميائي؛ والحقن بالهرمونات التي لم تسلم منها حتى الحيوانات واليوم، لم يعد هذا مألوفا في اليونان؛ ولا في كثير من دول اوروبا، ولكنه شائع في بلادنا، فالخضار والفواكه التي نتناولها؛ هي في واقع الامر في وضع غير طبيعي البتة، لأن جشع الكسب؛ لحقها في المزرعة، وفي ماء البئر، وفي التربة باستخدام وسائل غير مشروعة منها الرش بالمبيدات الحشرية، بدون دراية او رقابة، ومنها تسييل منشطات وهرمونات في مياه السقي,, ومنها التظليل بالمحميات وما يتبعه من تدخل كيميائي وهو أمر يناقض الطبيعة التي تتطلب شمساً ساطعة وهواء كافيا,, كل ذلك من اجل (التكبير والتبكير),, تكبير حجم المحصول وتبكير النضج والاستواء، حتى رأينا حبات الحبحب على سبيل المثال تحقن صغيرة فتكبر وتكبر حتى يصعب حملها,,! وفي بلدان آسيوية؛ تحقن حبات الحبحب؛ ثم تدخل في صناديق بلاستيكية على اشكال مختلفة، لتعرض امام المستهلك وهي مربعة الشكل؛ او مستطيلة، أو مستديرة، أو مثلثة,,! وبذلك,, تحولت المحاصيل والثمار؛ الى ألياف أشبه بالاسفنج، أو المطاط، أو البلاستك,,! لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ولا فائدة غذائية ترجى منها، عوضا عما تلحقه بالانسان من أضرار مرضية خطيرة, وهذا التدخل غير المشروع؛ لم يتوقف عند الخضار والفاكهة؛ ولكنه شمل اللحوم بشتى أنواعها، بيضاء وحمراء، ونتيجة لهذا التدخل الغريب؛ وصلنا الى اكباش وخراف بدون شحم، وأخرى لحوم بدون شحوم، واخرى صغيرة أو كبيرة، ونوع ثالث بدون لية,,! أما الدجاج؛ فحدث ولا حرج؛ بعد أن أصبح يباع من الثلاجة بأوزان متساوية، وألوان موحدة,,! وماذا بعد,,؟!
* إن الله سبحانه وتعالى جعل من الغذاء نماء ودواء في الوقت نفسه، ونحن نعمل على مسخ هذا الغذاء، حتى لم يعد نافعا لا للنماء ولا للدواء,, بل زدنا الطين بلة؛ بأن جعلنا من الغذاء ما يتسبب في أمراض خطيرة تهدد البشرية، منها السرطان والسكر والضغط وغيرها,, فمتى ننتهي,,؟!
* تقول مريم نور من جملة طرحها الذي تتبناه في هذا الاتجاه: بأن العلاج يكمن في المطبخ، وان حليب الام هو البديل المفروض لحليب البقرة؛ وفي هذا القول؛ اتفاق مع السنن الربانية، ولأن الابن أو الابنة للأم وليس للبقرة، فالبقرة لها صغارها من البقر,,!
* والذين يستمعون لهذه السيدة وهي تتكلم؛ سوف يقولون بداهة مثل ما قال لي احدهم: إذن ماذا نأكل,,؟! وأنا أقول لهم من هنا: آباؤهم وأجدادكم ماذا كانوا يأكلون,,؟!
* أليس مما كانوا يزرعون ويحصدون ويصنعون وينتجون,,؟! بأيديهم هم؛ لا بأيدي غيرهم، ولا من صنع الآلات والمكنات.
* يوجد كثير بل كثير جداً من النور فيما تطرحه وتنادي به السيدة مريم نور الديجور الوحيد في هذه القضية؛ من وجهة نظر خاصة؛ ان هذه السيدة تصادم علنا شركات غذائية كبرى في هذا الكون؛ شركات تمسك بزمام العالم وتقوده الى مصير مجهول، وأنها تبدو وحدها في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، وأن لا أحد حتى اليوم في مراكز القرار من يجرؤ على الخوض في هذه القضية، ربما خوفا من سطوة الشركات المصنعة للغذاء، التي تدافع (وتدفع) عن قنوات ربحها، بالترغيب تارة؛ وبالترهيب تارات,,!
* كيف يكون الموقف من عالمة غذائية تقول بالفم المليان؛ وبعد تجارب علمية: بأن الزيوت المعلبة خطرة جدا؛ وخير من ذلك ان تطلبوا زيوتا مكبوسة، لا تذهبوا الى (السوبرماركت)، الحذر الحذر,, من المرطبات، والأغذية الجاهزة، فهي تتسبب في أمراض منها السكر والسرطان، وتحتوي على مادة (موتو صوديوم جلوتاميت),,! وهذه المادة ممنوعة في الولايات المتحدة والعالم المتحضر، وتكتب: (اجينا موتو),, وهي محسنات لونها أبيض، موجودة في بيوتنا بكثرة,,!
* وكيف يكون الموقف؛ وهي تحذر من الدجاج المقفص: لا تحبسوا الدجاج؛ لان الدجاجة التي تحبس؛ تفرز افرازات سامة تضر بالانسان,,! لا تأكلوا الرز الابيض؛ كلوا الرز الكامل، والبر والقمح والشعير، واللحم الطازج، بدلا عن لحم البقر,,! اما (العلف الامريكاني),, الذي يأتي في شكل مواد غذائية مصنعة؛ مثل (الهامبورغر)؛ فهو يسبب أمراضا سرطانية,,!
نحن يجب أن نتقي الله في مانزرع وما نصنع وأن نقدم لمجتمعنا مايفيده ويسعده ولا ما يضره ويشقيه.
* نحن نعيش في عصر غريب، نحتاج فيه الى أخلاق غذائية، والى امانة انسانية، لان حب المادة اعمى الناس، وصرفهم عن حقائق الكون، وعن طبيعة العلاقة بين الانسان والطبيعة، التي هي في جوهرها؛ علاقة تكاملية بالضرورة.
* هل تواصل مريم نور السير في هذا الطريق المحفوف بالخاطر؟
,,ثم هل تنجح؟ ومتى,,؟
|
|
|
|
|