ساقِني مِن رَحيقِ كَرمِ الجِنانِ
وَاروِني مِن ماءِ الورُوُدِ الحِسانِ
ثُمَّ زِدني ، فَإنَّ ذَا الغُلَّةِ الشَّو
قَ شَديدٌ مُستَصرِخٌ فِي كِيَاني (1)
طائِفيَّ الهَوَى يَهِيمُ لَدَى الصُّب
حِ نَسِيماً وَفي اللَّيَالي يُعَانِي
جَدَّ يَسرِي وَجَازَ أَعلَى سَراةٍ
مِن جِبَالِ الهَدَى إلى غَزوانِ (2)
فَاستَفَاقَت ، تَزيدُ مِن نَشوَةِ السَّا
رِي وُرُودٌ بِبَاكِرِ الرَّيَعَانِ (3)
وَاشرَأبَّت لَهُ الظِّبَا رَانِيَاتٍ
مُغرَماتٍ وَشَاهِداتِ عِيَانِ (4)
وَبَدا الطَّيرُ مِنَ أَكِنَّتِهِ يَص
حُو وَيَشدُو لِرَوعَةِ السَّرَيَانِ
وَنُسُورُ الشَّفَا مَعَ المَوكِبِ الهَا
نِي حُمَاةٌ لِذلِكَ المِهرَجَان (5)
يَا لِهذا السَّاري جَفاهُ كَرَى الجَف
نِ وَمَسراهُ قُرَّةُ الأَجفانِ
عَبقَرِيٍّ حَوَاهُ قَلبٌ كَتُومٌ
جَدَّ يُخفِيهِ مِن فُضُولِ اللِّسانِ
وَلَكَتمُ الهَوَى الجِهادُ لَدَى الذِّك
رَى ,, فَهَل كَشفُهُ مِنَ الهَيَمَانِ ؟
إنَّ في الحُبِّ مَا نَصُونُ مِنَ القِي
لِ فَيَحتَازُهُ سِجلُّ الزَّمَانِ
ذلِكَ السَّاكِتُ الجَهُورُ الذي يُس
عِفُ بِالسَّكتِ أَو بِرَمزِ البَيَانِ
أيُّها الطّائِفُ الذي قَد سَقَاني
مَاءَ وَردٍ مِن مُزنِهِ الهَتَّانِ
قَد سَقَى وَردَةً فَأَهدَتهُ عِطراً
فَغَدَا مِنهُ عَاطِرَ الهَطَلانِ
تَتَرَوَّى بِهِ قُلُوبُ اللَّهَافَى
وَالخَلِيِّيِنَ ,, إِذ هُما مِثلانِ
أسرفَت فيهِ غُلَّتِي وَتَمَادَي
تُ لأُروَى ، فَمَا الرَّوَاءُ كَفَانِي
فَسَقَانِي النَّدَى بِوُديَانِ وُجٍّ
وَثَقِيفٍ وَمِن غَدِيرِ الحَنَانِ (6)
جِئتُ والغِيدُ تَستَقِي مِنهُ جَذلَى
والبَراعِيمُ مِثلُها ذاتُ شَانِ (7)
قُلتُ بِاللّهِ رَوِّها ثُمَّ غِثنِي
غَيرَ نَاسٍ مَشَقَّةَ الظَّمآنِ
فَانتَشَى الغِيدُ وَاحتَفَلنَ بِزَهرٍ
وَتَبَرَّجنَ بِالثِّمارِ الرِّزَانِ
وَإذا بِالنَّدَى المُغِيثِ حَفِيلٌ
بِنُهُودِ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ
وَحَفِيلٌ بِكُلِّ بُرعُمِ وَردٍ
فَوقَ غُصنٍ يَشِبُّ لِلإفتَانِ
قُلتُ رَوَّيتَ وَانتَشَينَ فَغِثني
فَتَهَيَّا ، وَخِلتُهُ قَد نَسَانِي (8)
فَسَقَاني الرَّحيقَ مِن عَرشِ كَرمٍ
يَنتَشِي مِنهُ مُدنَفٌ وَمُعَانِي
مِن قِطَافٍ أَلِفنَ رَشفَةَ طَيرٍ
يَتَحَرَّى العَتِيقَ فِي الرَّشَفَانِ
يَا لَها رَشفَةً تُطِيرُ صَوَاباً
ثُمَّ تَرتَدُّهُ مَعَ الرَّجَحَانِ
شَاهِدي أَنتَ والجِبالُ وَكَرمٌ
وَقَريضٌ سَكَبتُهُ مِن جَنَاني
وَفُؤادٌ يَهتَزُّ مِن بَأسِ خفقٍ
مِنهُ تُصدِي الجِبَالُ لِلخَفَقَانِ
فَارقُبِ الخَفقَ لِلسُّرَى نَحوَ غَزوا
نَ وَكَيفَ الهَدَى يَشُدُّ عِنَانِي
وَاستمِع لِلصَّدَى يَثورُ بِهَذا
وَيُرائي الصَّدَى الذي في الثَّاني
يُروِيَانِ الفُؤادَ مِن غَيرَةِ الحُب
بِ وَرَبِّي فَلَستُ بِالرَّيَّانِ (9)
وَلَعَمرِي فَعِشقُ أَهلِكَ مِن طَب
عِي وَفِيكَ الغَرَامُ مِن إدمَانِي
أَيُّها الطّائفُ الفَصيحُ البَيَانِ
وَنَدِيُّ الفِصاحِ في كُلِّ آنِ
أيُّها الطَّائفُ الذي سَادَ شِعراً
وَسَمَا فِي عُكاظَ بِالِميزانِ (10)
بِجَلالِ الفُصحَى ,, فَمَن غَيرُها أَو
فَى بِعَهدِ النَّبِيِّ وَالقُرآنِ ؟
وَأَنَارَ الطَّريقَ فِي لُجَّةِ الجَه
لِ عُلُوماً ، فَهَل وَنَت فِي رِهَانِ ؟
لَيتَ شِعري ، فَهَل عُكاظُكَ مَعنِي
يٌ ِبِميزانِهِ الرَّهِيفِ السِّنَانِ
لَيتَ شِعري ، فَهَل عُكاظُكَ مُشتَا
قٌ لِصَفقِ التُّجَّارِ بِالذُّهبَانِ (11)
وَلِذَوَّاقَةٍ يَلُوذُ بِهِ الشِّع
رُ فَيَصفُو مِنَ الوَنَى في المَعَانِي (12)
وَيُبَاهِي الدُّنيَا بِمُعجِزَةِ الجَر
سِ وَآيِ الإبداعِ وَالأَوزانِ (13)
عَبقَرِيُّ الإتقَانِ لِلشَّاعِرِ الفَح
لِ وَوَحيُ الأَنغَامِ لِلفَنَّانِ
فَلَكُ المُبدِعِ المُحَلِّقِ لِلخُل
دِ العَسِيرُ المَنَالِ لِلمُتَوَانِي
فَهوَ ، جَهراً ، يُحَاوِرُ الحِسَّ وَالذَّو
قَ بِأَصداءِ هَمسَةِ الوِجدانِ (14)
وَبِهَمسٍ ، إِذَا الفَصَاحَةُ في الهَم
سِ وَرَمزٍ ، إن شِئتَ لِلتَّرجُمَانِ
ذلِك الشِّعرُ قِمَّةُ الذَّوقِ في النَّف
سِ وَقَامُوسُ هَاجِسِ الإنسَانِ (15)
ما تَوَانَى المِيزانُ فِيهِ وَكُنَّا
فِي عُكَاظٍ نَعَافُ هذا التَوَانِي
وَاجتَوَينَا بِذَوقِنَا كُلَّ غَثٍّ
ثُمَّ صُغنَا الإبداعَ بَالعِقيَانِ (16)
وَإذا بَالدُّنيَا تَصُوغُ كَمَا صُغ
نَا وَتَشتَدُّ فِي مَدَى الإتقَانِ
يَا حَفِيًّا بِشِعرِ قَيسٍ لِلَيلَى
وَطِعَانِ الفُرسانِ لِلفُرسانِ
وَبِشِعرٍنَصُولُ فِيهِ بِصارُو
خٍ كَمَا صَالَ عَنتَرٌ بَالحِصانِ
يَا عُكاظاً ! والهَتفُ مِن عُمقِ نَجدٍ ،
أَنَا ذُو التَّاجِ صُنوُ عَرشِ البَيَان (17)
إِيتِ لِلشِّعرِ ، بِالجِبَالِ وَبِالوَر
دِ وَصَفقِ التُّجَّارِ ذَا صَولَجَانِ