| مقـالات
هذه عبارة ترحيب تسمعها كلما نزلت (أبها) من مضيفيك، وتقرؤها في عيونهم، وتلمسها في تعاملهم معك، بل وتجدها في كثير من الاحيان مكتوبة على لوحات جميلة تهنئك بسلامة الوصول على جوانب الطريق، حتى غدت هذه العبارة شعارا لمنطقة عسير كلها، ورمزا من الرموز الدالة عليها، وهناك طريقة قد يكون من المناسب ذكرها,, كانت أول زيارة لي قمت بها لأبها بمناسبة صدور العدد مائة من مجلة الفيصل الغراء، حيث دعي الى الحفل كل او معظم الذين سبق لهم ان أسهموا بالكتابة فيها أو تعاونوا معها بشكل من الاشكال خلال المائة سنة والذي يرجع الى مجلة الفيصل في اعدادها الاولى سوف يجد بحمد الله مشاركاتي منذ العدد الثاني، وكان من اصدقائي وزملائي المدعوين من قرأ هذه العبارة (مرحبا ألف) لأول مرة فقرأها بشكل آخر (ألفّ لُفَّ)، واحتار في الامر، وسألني: كيف توفق بين كرم هؤلاء الناس، وبخل عبارتهم التي تأمرك باللف وعدم التوقف عندهم، وضحكت وضحك من سمعه معي يطرح علي السؤال، ثم ضحك معنا حين عقل الجواب، وعشنا بقية ايام الاحتفال بمئوية مجلة الفيصل، نردد عبارة (مرحبا ألف), كنت اعتقدت أنها ابتكار شعبي عفوي من أهل عسير لا يشاركهم فيه احد، فهم يرحبون بضيوفهم مرات ومرات، بل الى اقصى عدد، على اعتبار ان العدد 1000) يمثل أعلى عدد وصلت اليه معارفهم، فلذلك كنا نجد عند القدماء عبارة مثل (ألف ألف)أو (مائة ألف الف) ولا نجد المليون واشباهه، وبدا لي أن هذه العبارة موجودة عند العسيريين واضرابهم شائعة بينهم منذ القدم، فهذا الشاعر عبدالرحمن بن اسماعيل الخولاني، (المعروف بوضّاح اليمن) يقول: (الاغاني 6/218 221):
طرق الخيال فمرحبا ألف بالشاغفات قلوبنا شغفا ولقد يقول لي الطبيب، وما نبّأته من شأننا حرفا: إني لأحسب أن داءك ذا من ذي دمالج يخضب الكفَّا إني أنا الوضّاح إن تصلي أحسن بك التشبيب والوصفا شطت، فشف القلب ذكركها ودنت فما بذلت لنا عرفا |
صحيح ان الشاعر هنا يرحب ألفا بطيف حبيبته، لكنها عبارة في جميع الأحوال تحمل في طواياها روح الكرم، وبشاشة الاستقبال وتوسع للضيف وتحسن معاملته الاحتفائية.
وللترحيب والتأهيل في شعر وضّاح مساحة ملحوظة، وبخاصة وصاحبته الحجازية الحَرَميَّة (نسبة الى الحرم) من ذلك قوله:
يا لقومي لكثرة العذال ولطيف سرى مليح الدلال يقطع الحزن والمهامه والبي يد، ومن دونه ثماني ليال عاتب في المنام، احببت بعتبا هُ الينا وقوله من مقال,,! قلت: أهلا ومرحبا عدد القط ر، وسهلا ، بطيف هذا الخيال |
ولا يقف الوضّاح الترحيب على نفسه وقومه ، وبهذه الصيغة وبهذا الاسلوب، بل يعديه الى حبيبته ايضا، فهي ترحب به حين تحس بمقدمه، وتوسع له
الأرض جميعا، يقول في تائيته:
حيِّ التي اقصى فؤادك حلَّتِ علمت بأنك عاشق فأدلت وإذا رأتك تقلقلت احشاؤها شوقا اليك ، فاكثرت واقلت وإذا دخلت فأغلقت أبوابها عزم الغيور حجابها، فاعتلت وإذا خرجت بكت عليك صبابة حتى تبل دموعها ما بلت إن كنت يا وضّاح زرت فمرحبا رحبت عليك بلادنا وأظلّت |
ومات هذا الشاعر ذو الغزل الرقيق، المؤلف في ترحيبه سنة (90 هجرية تقريبا)، قتله الوليد بن عبدالملك حين تغزل بأم البنين، وجاء بعده الشاعر العباسي بشار بن برد، فرحب في مجال الغزل ايضا ألفا، ولكنه يعكف عليها ألفا أخرى، ويرحب بصواحبه يقظة لا عن طريق الرؤى والاحلام كما كان يفعل الوضاح ولعله فعل ذلك ليقنعنا بالحوار الذي دار بينهن وبينه، ويعرض بعض مواقف النساء من الرجال، يقول الشاعر:
يا مرحبا ألفا وألفا بالكاسرات الي طرفا رجح الروادف كالظبا ءتعرضت حوّا ووطفا أنكرن مركبي الحما ر، وكن لا ينكرن طرفا وسألنني اين الشبا ب ، فقلت: بان وكان خلفا افنى شبابي، فانقضى : خلف النساء تبعن حلفا أعطيتهن مودتي فجزينني كذبا وخلفا |
(الحو: جمع حوّاء وهي الشمراء، الوطف: جمع وطفاء وهي كثيرة شعر أهداب العين, الطِّرف: الكريم من الخيل)، وفي الصيف تردد عبارة (مرحبا ألف) تداولا بين المصطافين الذين يهديهم حسّهم السياحي الى الظفر بزيارة مصايف بلادنا الحبيبة، من لدن الطائف المأنوس الى أبها البهية، ويحظى بمشاهدة المهرجانات الترفيهية، التي أعدت لهذا الغرض، وقد اثارت هذه الجملة الجميلة: مرحبا (ألف) شهية الشعراء المعاصرين الفنية، ممن قدر لهم ان يكتبوا قصائد شعرية في هذه المصايف، فذلك ما فعله الشعراء/ ابراهيم مفتاح، وإبراهيم صعابي، ومحمد هاشم رشيد، وفي كناشتي الآن بيتان من شعره في أبها حيث يقول:
مرحباً ألف يا ربوع المعالي ومسار الشذا، ووكر النسور فهنا تلتقي البطولة بالبذ ل، ويهمي الينبوع فوق الصخور |
بقي أن أقول ان عبارة (مرحبا ألف) يسمعها زوار ابها من الصغير والكبير، وما أروع أن يسعدك الحظ فتسمعها من خالد الفيصل الشاعر الامير وما اجمل ان تلهج بها مع الآخرين.
د, محمد العيد الخطراوي
|
|
|
|
|