| شرفات
* حوار : مريم شرف الدين
فنان لبنان
ي استطاع ان يتوغل في خبايا الذات بعد ان عشق الفن وتكوين علاقة من الحب بينه وبين قطعة القماش التي يرسم عليها ,, وبناء فنه الراقي بحركات ديناميكية وبشكل ايقاعي متراقص وتجسيد ابداعه بدقة متناهية من خلال نبضه وانفعالاته,.
وبذكائه وفلسفته وخبراته الطويلة استطاع جمع مخزونه التشكيلي الذي استغرق اعواما من البحث عنه مما جعل لأعماله صبغة خاصة ,, ووميضا يستثير انفعالات المتلقي,, وتقديمه ضمن تعبيرات جرئية تؤكد على مدى القدرات التي يمتلكها ضيفنا في هذا اللقاء,, لتتحول الرموز الى حالة تحمل آماله وطموحاته,,
استهواه المهجر ,, ولكنه لم ينس جذوره العريقة على الرغم من انه لازال حتى الآن يعيش في باريس.
تحدث الينا عن بداياته احلامه معاناته عن علاقته باللوحة ورحلته المليئة بالتجارب عن الرصيد الذي استطاع ان يخرج به من خلالها في البداية سألته:
* هل انت راض عن كل ما قدمته الى الحركة التشكيلية في بلدكم لبنان من خلال هذه التجربة؟
قال: الرحلة طويلة وقاربت على الخمسين عاما بدأت من التراث وكل التراث سواء تراث البحر الابيض المتوسط او المشرق العربي والبلاد الاسلامية وما بين 1950 1960 انتقلت بعدها الى مرحلة اخرى لايجاد حركة تشكيلية من الحرف العربي,, وكنت بهذه الخطوة من اوائل الفنانين العرب الذين عملوا على الحرف العربي ومحاولة ايجاد المدرسة العربية المعاصرة.
وحقيقة لذلك انا لست مع فكرة ان يقول الفنان بأنه وصل الى القمة,, وانما جميعنا مازلنا نحبو على شاطىء مجهول وبعد خمسين سنة من هذه التجربة استطيع ان اقول بأن الرصيد الذي خرجت به من هذه التجربة يجعلني اؤكد بأن في المشرق العربي والاسلامي هناك فنانون لا يقلوا ابداعا وتقنية وفنا عما نشاهده في كل متاحف ومعارض العالم.
وقد جدت في العالم العربي طاقات ابداعية لا تقل في مستواها عما سبق لي مشاهدته في الخارج.
بدأت الرعاية الكريمة وخاصة في المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج بتشجيع الفن التشكيلي في العالم وتشجيع الفنانين القادمين اليها, ولاشك انني خلال تجربتي في المملكة تمكنت من اداء واجبي كفنان عربي مسلم، عملت فيها على مدى حوالي 30 سنة واشتغلت في جدة بمعدل معرضين في كل سنة ,,وكانت العديد من الاعمال للمطار وبعض القصور وقصر المؤتمرات والساحات العامة على الرغم من عدم اقامتي الدائمة فيها.
هذا بالطبع اضافة الى اقامة الكثير من المعارض,, واعمالي المنتشرة في الكثير من بيوتات المملكة العربية السعودية ومجموعة هذه الاعمال كانت تمثل المرحلة الاسلامية باعتبار أنه يوجد لدي خمس مراحل في الفن التشكيلي مررت خلالها ومنها المرحلة التراثية التي كانت هي البداية,, والتي ارتبطت وكما ذكرت بكل دول المتوسط,ثم كرست المرحلة الثانية للتراث العربي الاسلامي ثم الانتقال الى الحروفية العربية والى الحركة واللون الذي اقمته مؤخرا في جدة, والحركة في هذا المعرض شملت الحروفيات والحركة اللونية والرقص التصوفي بمعنى ان الحركة في اللون واللباس والحروف, اما اللون فقد استند الى الشفافية المطلقة التي تصل الى شفافية الروح والنور الالهي والتسامي من اجل التوصل الى هذا النور فهذان المحورات هما من حاولت او ادرت التركيز عليهما في ذلك المعرض لانه يكاد يكون المعرض المعاصر الوحيد الذي يصل الى هذه النورانية.
طموح بلا حدود
* وهل انت راض عن كل ما قدمت؟
في الحقيقة بعد خبرة نصف قرن من الزمن استطيع ان اقول بأنني قد توصلت الى اسلوب فيه تقنيات عالية الا ان طموح الانسان لا يتوقف عند حدود معينة لأنه في هذه الحالة عندما اشعر بالرضاء او الاقتناع عن كل ما قدمت اكون هنا قد انتهيت وانا لا ارغب في ذلك,, وانما ينبغي علي ان ابحث بشكل دائم ومتواصل عن المجهول وعن الجمال من الجمال، بمعنى ان استخلص من الجمال جمال ومن حركة الى حركة دائمة والاستوحاء من كل ما هو موجود ،وبعد وضعي لقطعة القماش البيضاء امامي على الجدار -هذه من النقاط المهمة للغاية بالنسبة لي وبعكس ما يفعل الفنانين واستخدامهم للحامل - من خلال هذا الوضع ابدأ مرحلة التأمل بعمق وانا جالس على كرسي هزاز ومن ثم عندما اشعر بأنني بدأت انتقل الى مرحلة التفاعل واشاهد بأن هناك خيالات على المساحة البيضاء والمسافة التي تفصلني عن اللوحة مجرد مترين واشعر بانها قد تحولت الى مئات او الوف الامتار الى ان اغوص فيها.
وعندما تلامس الفرشاة هذه القماشة تبدأ لكن الى اين والله لا اعلم.
تلقائية الحركة
* سيطرة هذا الشعور عليك هل يعني هذا ان الفرشاة هي التي تحرك اناملك او أنك لاتسيطر على حركتها؟
- اللوحة عندي مثل القصيدة تماما ,, لان الشاعر عند كتابته للقصيدة يشعر بعدم مقدرته الى اضافة اي حرف الى هذه القصيدة,, تكون قد انتهت الى هذا الحد.
عقبات واجهتني
* هذه التجربة الطويلة,, هل هناك عقبات واجهتك خلالها خصوصاً اثناء انتقالك من مرحلة الى اخرى؟
حقيقة نعم, وخلال فترتين زمنيتين من حياتي الفترة الاولى كانت عند اتخاذي او اخذي للقرار الجاد للتخلي عن وظيفتي كمهندس في وزارة الاشغال, آنذاك كان عندي خمسة اولاد,, ومع هذا قررت التفرغ كلياً الى الفن عندها واجهتني بعض المشكلات ومنها كيفية استطاعتي توفير سبل الاعاشة لاعالة خمسة من الانفس بالاضافة الى والدتهم من الفن, وبعد ان كنت مهندسا ولي مركز جيد,, آنذاك قلت لهم هنا التحدي وهنا كانت اولى الصعوبات التي واجهتها في حياتي وكان علي اما ان اثبت من خلالها بان الفنان,, ولا اقصد هنا الفنان الذي يغني ويرقص,, باستطاعته ان يصل الى المكانة التي يطمح اليها وكسب عيشه بجهوده في ذات الوقت الذي ينبغي عليه التضحية واما ان يصاب بالفشل وخيبة الامل.
خلال هذه الفترة كنت اعمل لمدة عشرين ساعة في اليوم بدون توقف لان هذه المرحلة كانت في مستهل شبابي وكانت نوعا من التحدي بالنسبة لي وهذا مما اضطرني ولفترة زمنية معينة بان اعمل على التزين الفني وعمل اللوحات الاسلامية,, وتطوير التراث الاسلامي الى الافضل والانتقال به الى المعاصرة,, عملت في هذه التجربة نحو مدة 8 سنوات لاصل بعدها الى مرحلة من الاكتفاء الذاتي.
وكانت هذه الفترة هي المرحلة التي دخلت فيها اعمال الى المملكة العربية السعودية بايجاد ومساندة ودعم شخص لن انساه ما حييت ولن ينساه التاريخ,,لانني ذكرته بكل كتبي وهو الشيخ ابراهيم شاكر الذي اكد على الطاقة الهائلة الموجودة عندي وبعد دعوته ومطالبته لي بالعمل في الفن الاسلامي وفتحه للطريق امامي.
ومن خلاله توصلت لاقامة اكثر من علاقة في المملكة العربية السعودية,, وفي وقت كان من الصعب ان يدخل الرسم التشكيلي فيه الى البيوت سنة 60 1961م .
ومن هنا بدأت بتطوير المرحلة الثانية وهي الحروفية المطورة.
التي انتشرت الى العالم بشكل هائل اخبرتهم آنذاك ان المدرسة الاسلامية مدرسة تزيينية لان كل قطعة فنية من هذه الاعمال كانت تستغرق مني لاعدادها والحفر عليها ثم اعادة تذهيبها والتعشيق والتلوين مدة 3 اسابيع.
* دراستك للهندسة المعمارية التي تخليت عنها مقابل هذا الفن هل هي من ساعدتك على تطويع الحرف؟
لاشك ان تخصصي في مجال الهندسة ساعدني كثيراً.
اولا: في عمل الجداريات,, لان الجدارية تحتاج الى معرفة النسب ومنها على سبيل المثال:النسبة الموجودة بيني وبين اللوحة,, والمشاهد للوحة والمتلقي ومكان العمل وكيفية ابرازه وكل هذا في الاساس يعتمد على الجانب الهندسي.
الكنز العربي الإسلامي
* تواجدك في الخارج,, ماذا اضاف لرصيدك التشكيلي؟
انا من الفنانين الذين بحثوا عن الكنز العربي الاسلامي في الشرق العربي والاقتناع ان بلاد النور وبلاد الايمان هي بلاد الشرق وبلاد كل الديانات, و بالطبع لم يكن يوجد لدى اعمال جديدة لكنها اشارت علي بأخذ الاعمال من مجموعتي الخاصة,, وجعلتني اشارك فعلا في هذا المعرض الذي رصدت له العديد من الجوائز ومنها جائزة رئيس البلدية وجائزة رئيس اللجنة وجائزة الجمهور.
وبعد ظهور نتائج هذا المعرض,, وكما علمت فإن جائزة رئيس البلدية قد منحت لفنانة جيدة وحلوة للغاية ولباسها كان فيه شيء من الاثارة اما الجائزة الثانية فقد منحت لصاحب لوحة كانت قيمتها تحت الالفين دولار او ما يعادل 3 آلاف فرنك.
اما الجائزة الثالثة فكانت تتوقف على ترشيح الجمهور المثقف من مرتادي هذا المعرض الذي توجد لديهم الرغبة لاقتناء اعمال المعرض وباعتبار انني خلال هذه الفترة كما ذكرت خارج باريس وصلني فاكس الى بيروت من مديرة اعمالي تفيدني فيه ان جائزة الجمهور كانت من نصيبي وان الفرق كان بيني وبين المشارك الثاني 50 صوتاً ,, فكانت الفرصة كبيرة بالنسبة لي لانه لم يتم اختيار من قبل لجنة لها اقارب او اصدقاء محسوبين لان الجمهور هو من اختارني,, وهذا دليل مهم على المقدرة الموجودة لدينا نحن الفنانين العرب.
الوطن العربي,, ومبدعوه
*وطالما انك اشرت الى مقدرة الفنانين العرب,, كيف تنظر الى الفن التشكيلي على مستوى امتداد خارطة وطننا العربي وعلى مستوى المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص؟
- الحقيقة بالنسبة للفن في الوطن العربي فهو بخير ومن يشاهد في الخارج لا يصدق ان في الوطن العربي يوجد مجموعة من الفنانين المبدعين الذين باستطاعتهم ان يكونوا من اهم المعاصرين اليوم,, ولا ارغب بتسميتهم لانني اخشى ان اذكر احدهم وانسى الآخر ولكن يوجد منهم في السعودية 3 في الظهران و 5 في جدة و 4 او 5 في الرياض .
وفي دول مجلس التعاون الاخرى, يوجد في الكويت نحات جيد يشكل مجسمات جمالية وهو رائع,, كما يوجد في العراق 4 او 5 فنانين ايضا وهم يعملون اليوم خارج العراق بين لندن وباريس، كما يوجد في المغرب العربي عدد من الفنانين الجيدين للغاية.
* وما آخر انتاجك؟
اولا بمناسبة المئوية في المملكة العربية السعودية,, فقد قمت آنذاك بتنفيذ دراسة لجداريتين الاولى عن الكيفية التي كانت عليها الرياض اثناء دخول الملك عبدالعزيز اليها,, هي الدرعية وبيوت الطين كما تجسد دخول الملك الراحل ورفاقه الى قصر المصمك,, وهذه الجدارية طولها 100 متر .
اما الجدارية الثانية,, تجسد نظرة المشاهد من خارج الرياض وكيفية مشاهدته لها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بصروحها من المطار والملاعب والابنية الشامخة والنهضة العمرانية الهائلة التي حدثت وكيف كانت وكيف اصبحت وهذه الاعمال تعتبر اروع ما نفذت كدراسة وهي دراسة لمئة مربع بالموزاييك ان شاء الله سيتم تنفيذها على طريق المطار.
كما اقوم بالاعداد لمدينة الملك عبدالعزيز التاريخية في الرياض والقصر القديم وادخال العديد من اللمسات الفنية واعداد دراسة خاصة لهذا المشروع.
وحقيقة لا يسعني في الختام الا ان اتقدم بالشكر للقائمين على جريدة الجزيرة كما اتمنى للمملكة دوام التوفيق والتقدم في ظل قيادتها الرشيدة.
|
|
|
|
|