| الاقتصادية
ارتبطت تقليداً مراكز الصناعة في مواقعها الجغرافية بأقاليم اوروبا (شرقها وغربها) وامريكا الشمالية واليابان، الا أن هذا الارتباط أخذ في العقود الأربعة الماضية في الانتقال إلى مواقع اخرى، فظهرت أقاليم منافسة في جنوب شرقي آسيا والصين وأمريكا الجنوبية وكأقاليم صناعية قوية للاقليم التقليدي، وساعد على إحداث هذا التحول الصناعي سرعة انتشار المعرفة والعلوم والاتصالات في الوقت الحاضر، وبحدوث هذا التغير بدأ كرد فعل مناسب للعالم الصناعي التقليدي في البحث عن صناعات متقدمة ذات تقنية عالية، وعلى الرغم من ذلك فقد تحولت الكيانات الاقتصادية الى انصهار اقتصادي عالمي وإلى منافسة قوية قد يكون من أهم ملامحه ارتفاع حجم التجارة العالمية وانكماش المسافات الفاصلة بين الامم والحضارات، فيها أصبح البعد المكاني غير ذي أهمية مقارنة بالماضي عندما كانت المسافات الشاسعة عائقاً وحاجرا في انتقال المعرفة والانسان والسلع، وفي نفس الوقت فقد أدت التحولات في انتشار مراكز الصناعة في العالم إلى ظهور فرص جيدة اتاحت لكثير من المستثمرين والشركات العالمية المتعددة الجنسيات التوسع في نشاطها الصناعي والتجاري وتبادل الخبرات بين أطراف العالم، وزاد من سرعة حركة التجارة انخفاض معدل التعرفات الجمركية إلى النصف تقريباً عما كانت عليه منذ تأسيس منظمة الجات في النصف الثاني من القرن الماضي، كما ارتفعت كذلك مستويات التبادلات التجارية العالمية بنسب تتراوح مابين 10% إلى 45% لمعظم الدول سواء النامية أو المتقدمة، وهو مؤشر يدل حتما على استمرارية الاتجاه نحو الارتباط والاعتماد في الاقتصاد العالمي بالرغم من القوانين التي لاتزال تقف أمام حرية انتقال السلع، والخدمات المتبقية والتي سوف تخف مع الأيام.
وعلى ضوء هذا الاتجاه فلم يعد التميز التقليدي بين المستثمر المحلي والاجنبي امراً مقبولا، واصبح الآن التكامل وليس التباين أمراً مرغوبا فيه، فالمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة تحقق المزيد من الاستفادة اقتصاديا واجتماعيا.
وساعدت هذه المنافع المشتركة على ظهور المنافسة العالمية بين جميع دول العالم مما اوجب ترقية الانتاج وتحسينه وضمان الجودة وتوفير الطاقة والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية المتوفرة في الموقع الجغرافي، ويبرز هذه المفاهيم والاستراتجيات الحديثة لم تعد الصناعة والتقنية مقصورة على مواقع دون أخرى، ولم تعد العلوم والمعرفة مقتصرة على مواقع دون أخرى، فجميع دول العالم تعمل جاهدة حاليا على تحسين مستويات شعوبها المادية والمعنوية واصبحت القدرة التنافسية لأي دوله الممثلة في قدراتها على الابداع والتطوير والانتاج والتصدير هي التي تمكنها من قيام ونشوء مراكز صناعية حتى ولو كانت مواردها الطبيعية متواضعة (مثال على ذلك كوريا الجنوبية) ففي كوريا الجنوبية كان التركيز منصبا في مرحلة فطرتها الاقتصادية في السبعينات الميلادية على قيام نهضة صناعية يكون فيها الترابط والتكامل الاقتصادي بين القطاع العام والقطاع الخاص جيدا، وكان الهدف منهما تعزيز النمو الاقتصادي وتنمية الصادرات والدخول في الاسواق الاقليمية في جنوب شرقي آسيا او الاسواق العالمية.
وبالإضافة إلى كوريا الجنوبية ظهرت امريكا الجنوبية وبعض دول عربية وخليجية كمراكز صناعية شجعها عوامل واستراتجيات متطورة استخدمت منها عوامل الانتاج المتخصصة والجودة العالية ووجود تجمعات صناعية داعمة مساندة، وتعتبر التجارة الدولية أمر حيويا لها اعتمدت عليها ملايين الوظائف ويستند استمرار نجاحها في تصدير السلع والخدمات وقد يكون من اسباب ما تشهده المنطقة العربية من تطورات اقتصادية ايجابية هو محصلة برامج الاصلاح الاقتصادي وتواصل توجهاتها التنموية والانفتاحية لتحرير اسواقها لمواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة، كما كان لعودة اسعار النفط إلى الارتفاع ولمستويات قياسية (28$) وسيادة اجواء الاستقرار النقدي العام والخاص فيها، وقد تجد بعض الدول العربية الافريقية والاقل نموا ان تفعيل القطاع العام يتطلب الحفاظ على خبراته البشرية الحالية واستقطابه في نفس الوقت إلى خبرات جديدة، وكلا الأمرين يتطلب منها رفع مستوى الاجور فيها لتتقارب أو تتساوى مع أجور القطاع الخاص قد يصعب تحقيقه عاجلا, وينبغي لكي تجعل القطاع العام قطاعا ديناميكيا واكثر انتاجا واكثر التزاما بالتنمية وبالاستثمار الطويل الاجل فينبغي ان يتم تطوير انظمة التجارة والاستيراد والتصدير فيها، كما ينبغي تشجيع المؤسسات المصرفية وإقامة المدن الصناعية والخدمات الاستشارية والتقنية اللازمة له ومع التغير المتسارع في الأسواق العالمية يتعين على الاقتصادات الاقل نموا تفعيل إمكاناتها التنافسية وقطاعاتها الحيوية لاخراجها من الحلقة المفرغة التي تتدور فيها.
|
|
|
|
|