أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th July,2000العدد:10157الطبعةالاولـيالخميس 18 ,ربيع الثاني 1421

فنون تشكيلية

الفنان سيد القماش يشعل ألسنة النار في معرضه
بعد عامين في أبها : أبها مدينة سريالية جميلة وملونة
بدون العلم والمهارة والممارسة لا نحصل إلا على فن أكاديمي مهزوز
* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح:
في المنطقة الدافئة بين جائزة الدولة التقديرية وجائزة الدولة التشجيعية ابتكرت وزارة الثقافة في مصر في العام الماضي جائزة التفوق,, وفي هذا العام رشحت جامعة المنيا الدكتور الفنان سيد القماش لنيل هذه الجائزة,, بعد ربع قرن من الابداع والتدريس في الفن التشكيلي,, إذ يتعانق العلم بالموهبة في رحلة البحث عن المجهول,, هكذا أسمى القماش معرضه الأخير السفر في المجهول ,, في جو اسطوري ينسجه بالأبيض والأسود وقليل من الذهبي، ويغزله من حكايات الذاكرة وشجن الغربة,.
إنه قمة النضج بعد مشوار حافل من العطاء والجوائز والمعارض في مصر والسعودية والكويت وبلجيكا,, فماذا يقول سيد القماش عن مشواره من خلال معرضه الأخير؟

ألسنة نارية
* في هذا المعرض الأخير رحلة لا نهائية وراء المجهول,, فماذا تقدم من تقنيات خاصة للتعبير عن هذه المتيمة؟
هنا كلمة تقنيات تعني الربط بين الخامة والأداء، فمثلاً في مصر 1995م أقمت معرضاً بالأبيض والأسود حول إنسان القرن الواحد والعشرين واخترت الأبيض والأسود لأنهما يجمعان كل الألوان، ثم إننا حين نريد الاحتكام الى قيمة لوحة ملونة نحكم عليها من خلال الأبيض والأسود,, في هذا المعرض رسمت المجهول الذي لا أعرفه بالأسود والأبيض الا انني لو رسمته بالأحمر والأصفر، فإن دلالات الألوان ستجعله معلوماً إلى حد ما,, أما حين استعمل الأبيض والأسود فإني اترك للمتلقي فرصة تلوين المجهول الخاص به,, فلو تعاملت مع اللوحات في قيمها التشكيلية الخاصة ومن خلال كاميرا تلونها ستجد أنها موزعة بحرفية عالية في درجات الظل والضوء والخطوط وتوزيعها.
بالنسبة لاختيار الالسنة النارية ذات اللونين الذهبي والفضي فإنني لم اتعمد وضعها على هذا النحو، لان الفنان يعيش حالة من الشجن والاحتشاد تجعله قد يضيف الوانا ما,, ربما بحثاً عن الهدوء في الدراما اللونية,, وربما يحدث العكس إذ تشتعل اللوحة أكثر من خلال تموج هذه الالسنة النارية,, التي قال ابعض عنها إنها مستمدة من الفن الايراني وهذا ما لا اعرفه,, فكل ما كنت اعيه هو الاحساس ببطولة الشخصية الانسانية التي تبحث عن عواطفها في هذا المجهول وهو مكلل بالسنة النار,, واعتقد ان الذهبي والفضي اضاف كثيراً الى الابيض والاسود واعتبر المزج بينهما انجازاً جديداً وصعباً.

شفافية التعبير
* هل هناك تقنيات أخرى؟
من المفروض ان يكون الفنان واعياً ومحترفاً ودارساً,, فلو نظرنا إلى المصورين العمالقة سنجد أنهم كانوا رسامين مهرة، يعون تفاصيل الطبيعة من حولها ويستطيعون ان يبدعوا من الرمز الواحد وليكن الشجرة مجموعة مختلفة من العوالم التجريدية او السريالية او التعبيرية,, اما اذا كان الفنان غير واع فإنه عادة ما يرسم بضعف اكاديمي مهزوز,, وهكذا لابد من المهارة والقراءة في الفلسفة والفن والمعارف المتنوعة, فالفنان بدون علم مجرد أسطى شاطر فالذي يبقى ان تمتزج المهارة بالقراءة بالممارسة اليومية, فدائماً ما اشعر انني اشبه بالاسفنجة التي تمتص كل ما حولها ثم تعيد اكتشافه في لوحة.
* في مساحة الدهشة والغرابة تقف لوحاتك,, وتمتاز بشفافية المزج بين التعبير والتجريد في آن واحد,,,,!!
* هناك شفافية في المعرض لأن الأعمال أنجزت في فترة احساس حقيقي بالغربة، فلا استطيع ان اعبر عما يقوله الآخرون وإنما لابد ان اعيش التجربة بنفسي وربما يكون هذا هو السبب وراء هذه الشفافية,, كذلك هناك اداء تعبيري موظف يضفي مزيداً من الشفافية,, بالنسبة للحس التجريدي فهو ليس تجريداً على مستوى الشكل وانما هو تجريد فلسفي أو تجريد الفكرة التي تعبر عن حالة المجهول والسفر، وليس تجريد الاشياء حيث هناك احساس بالكتلة والفراغ والظل والضوء والفورم.

عندما تصبح
السريالية شعبية !!
* برغم الاستفادة من اتجاهات فنية متعددة إلا ان عالمك الاسطوري يدفعنا مباشرة للسؤال عن علاقتك بالسريالية؟
هذا يرجع في البداية الى نشأتي الاجتماعية في مدينة طنطا بالحس الشعبي والصوفي,, كذلك ساهم في هذا التكوين جدتي التي كانت تضمني اليها وتحكي لي آلاف الحكايات عن الشاطر حسن وامنا الغولة وكانت تمثل وتنغم وهي تحكي بما يفتح الآفاق بصدق لموسم عشرات اللوحات السريالية,, هذا الحكي وهذه البيئة اثرت في تشكيل الخيال لدي,, بجانب ان جدي كان يقوم بنحت حجر المطاحن، وكان لابد من عمل ازاميل وسكاكين في هذا الحجر كي يطحن الغلال آنذاك, وبهذا العمل المختلف عن الأعمال العادية يتكرر مع جدي الآخر الذي كان يقوم بتزيين القصور والبيوتات العتيقة,, هكذا فتح عالمي على خيال خصب ومتسع وعلى حرف مميزة داخل الاسرة تغذي الحس الفني بداخلي وتصل بالخيال إلى ذروة التحليق.
بالنسبة للمدرسة السريالية برغم تغلغلها في المعرض فإنني لم احدد السريالية بوعي واختيار، وإنما العكس هو الصحيح، اذ كنت بحس اكاديمي أميل الى التعبير بشكل كلاسيكي تام,, وربما لانشغالي بالخيال والشطحات وجدت نفسي اعيش حالة من الاستغراب,, من دقة الملاحظة,, كل هذا جعل اعمالي من قبل النقاد تقولب باعتبارها سريالية,, وكأن السريالية هي التي اختارتني.
* وكيف تتوازى المدرسة السريالية والخلفية الشعبية في معرضك الأخير؟
اللوحات تجنح الى الخيال، وهي كلمة ذات شق سريالي، ولكنني ابحث عن عمق الخيال الجامح الذي استلهمته من حياتي وبيئتي وهذا ما جعل الرموز الشعبية تخرج من مكمنها وتتداعى على السطح, فجنوحي الشديد للخيال جعلني ابحث عن عناصري الخاصة التي جاءت بدون إرادة معبرة عن الاجواء الشعبية التي تربيت فيها, فمثلاً في تلك البيئة قد نحتفظ برموز كثيرة دون تفريط مثل الدولاب او حذاء ما,, ونظل نحكي الحكايات عن تلك الاشياء البسيطة وتلك العناصر المختلفة,, وهكذا انصهر الخيال الجامح واللحظة المواتية تعبيراً عن بيئة عايشتها وليس إبداعاً على مقاييس مدرسة بعينها!!

نجمة وحصان وإنسان
عند افق الخيال تتراءى رموزك وتتكرر داخل اكثر من لوحة,, لعل اهمها الشكل البيضاوي والنجمة والحصان,, فماذا تعني لك تلك الرموز وعلاقة الدلالة التشكيلية بشحنة التعبير الكامنة؟
الرموز ملك كل البشر على الارض سواء الحصان او الشجرة او النجمة,, لكن عندما يلح الرمز على الفنان ويلقي نفسه في عقله فإنه يندمج في الفكرة ليخرج مرة اخرى على نحو خاص,, فلو كان فكري مثلاً متأثراً بمناخ الصحراء فإن هذا سيجعل الحصان على نحو مختلف عما استعملته للتعبير عن فكرة السفر إلى المجهول, بالنسبة للنجوم فإنني لاول مرة استخدمها واعايشها بتنويعات مختلفة.
* تحدث من خلال المعرض عن ايام الغربة,, ولعلك تعني فترة العمل بالسعودية ماذا يتبقى في الذاكرة عن تلك الفترة,, وعن أبها تحديداً؟
مدينة أبها جميلة وملونة دائماً,, بل أظن أنها هي ذاتها مدينة سريالية ,,فهي مدينة تقع على ارتفاع كبير لدرجة انني ذات مرة رأيت بخاراً كثيفاً فقال لي بعض الاصدقاء انه سحاب وهكذا امسكت السحاب في أبها ,, لقد استفدت كثيراً من الطبيعة الخلابة، كما ان حياتي بمفردي هناك عمقت صوت العقل بداخلي واجترار الماضي وشجن الفراق ممزوجاً بالجو السريالي غير الواقعي,, خاصة في منطقة السوداء هناك التي بهرتني لدرجة انني قمت بتصويرها سريالياً,, كل هذه الخبرة بآلامها وبلحظات الصفا فيها كانت بمثابة الدافع الرئيسي لمعرضي الحالي.
* وخلال تواجدك بالمملكة,, ما مدى متابعتك للحركة التشكيلية هناك؟
لقد شاركت في معرض خميس مشيط وهي بلد على بعد ثلاثين كيلو متراً من أبها يقام فيها معرض عالمي سنوياً للفن التشكيلي، وقد شاركت في هذا المعرض بثلاث لوحات زيتية في سنة 1998م,, وكان المعرض يمتاز بتنوع الاتجاهات سواء تصوير او خزف او رسم او اعمال اسلامية تجريدية، وقد شارك فيه فنانون من جنسيات مختلفة,, هذه الحركة النشطة في حد ذاتها تفعيل للحركة التشكيلية في جنوب المملكة والكشف عن المدارس الفنية المختلفة مثل السريالية والتعبيرية,, وقد اقام الفندق حفلاً كبيراً يشهد بقوة المعرض الذي استمر عشرة ايام رائعة.
* اذا تحدثنا عن الفنانين السعوديين الذين اثاروا اعجابك,, وما اهم السمات الخاصة بهم؟!
هناك فنانون سعوديون كثيرون التقيت بهم في السعودية وقد قابلتهم ايضا في الكويت، وعلى راسهم فؤاد مغربل وهو رئيس قسم التربية الفنية بكلية المعلمين بالرياض,, فهو صاحب بصمة متميزة واتجاه خاص مبتكر في التصوير,, بجانب انه على خلق دمث,, وهناك كثيرون قد لا اذكر اسماءهم لكنهم جميعاً حريصون على تطوير انفسهم فنياً وهذا ما لمسته من خلال قيامي بالتدريس هناك,ومن السمات الغالبة على الفن السعودي نجد التأثر بالبيئة باشكال مستحدثة واستلهام الطبيعة الصحراوية بشكل مختلف، غالباً ما يتم خلالها الدمج بين عناصر صحراوية واخرى اسلامية,, ورغم ان السائد هناك الاتجاه التجريدي الا ان هناك حسا تعبيريا بدأ يتشكل عند اجيال جديدة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved