| متابعة
من الموضوعات الحيوية المواكبة للمستحدثات اللازمة للمرحلة موضوع علاقة الجامعة بالمجتمع، هذه العلاقة التي أكاد أن أضعها في منزلة الترابط العضوي في جسد الإنسان، ذلك لأن الجامعة هي البوتقة المهيمنة على فكر المجتمع من حيث تعليمها بناء الفكر ، وتوظيف مهاراتها العليا في توجيه مخرجات العناصر المختلفة في الإنسان؛ فكره ووجدانه ومهاراته وقدراته للمجتمع بحيث تمتزج بخلاياه، وتشكّل نسق حركته، ولاسيما عندما تكون هناك معرفة أكيدة بحاجة الجامعة لأن تمتزج بالمجتمع من خلال حاجة المجتمع للجامعة، والجامعة هي علم وفكر أساتذة/ باحثون/ مختبرات/ ومراكز بحوث/ نتائج/ ومتابعات.
ومنذ صدور كتاب نجاحات من الصحراء للشابين عبدالله بن عبدالمحسن الزامل، وفهد بن محمد العجلان، حيث جاء بفكرة مبتكرة توافق حاجة منبثقة من ضرورة المرحلة واحتياجها لبسط النماذج القدوة في مسيرة المجتمع,,, وكتابتي عن هذا المؤلَّف المتميز، قد توسّمت في صاحبيه القدرة على الابتكار والاختيار، بل التقاط الفكرة المتميزة لموضوعات ملحة ومناسبة ومواكبة للمرحلة.
وهو ما تحقق خلال اليومين الماضيين إذ فاجأني أحد المؤلِّفين لكتاب نجاحات من الصحراء ، وهو عبدالله بن عبدالمحسن الزامل بإنجاز تربوي أوّلي له يحمل عنواناً ينمُّ عن قدرته على التقاط الموضوعات الحيوية المناسبة كما ذكرت من احتياجات المرحلة، ويواكب الطرح اللازم لقضايا المتغيرات والاحتياج إلى أفكار تناسب التحديث الجديد في نمو مجتمع يتلمس الخطوات نحو ماذا يربط/ بماذا يربط/ بكيف يتم الربط/ من أجل توحِّدية الهدف، وتحديد المنطلق، ولا أفضل وأميز من الحديث عن موضوع حيوي هو حاجة المجتمعات لأساتذة الجامعات وهو عنوان مؤلفه التربوي الأول، إذ هو مختص في التربية ويبدو أن هاجسه الملح مع طموحه الكبير مع حيويته في انطلاقته الفكرية كانت متضافرة كي يُخرج لنا هذا الكتاب الذي جاء في (129) صفحة (عدا المراجع التي جاءت في تسع صفحات), متضمنة خمسة فصول، لا أخال الجامعات وأساتذتها إلا وهم يتلقفون هذا الكتاب، ويباركون لباحث طامح في مقتبل عمره العلمي والتربوي أن يقدم ما لم يقدمه مَن سبقه بمراحل وتخطاه في التجربة والخبرة.
تحدث في الفصل الأول بعد تعريف المصطلحات عن حاجة المجتمعات للجماعات، تلك الحاجة التي غدت ضرورة من خلال ديناميكية علاقة تبادلية بينهما، تؤكد تبادل المنفعة في شكل خدمة أنموذجية، في أعلاها الاستشارة، وفي أدناها تبادل الخبرات وإجراء البحوث.
ثم عرّج في الفصل الثاني إلى الحديث عن الترابط العضوي بين مهامّ أستاذ الجامعة والمجالات المجتمعية التي تحتاج إلى أدواره في تعددية/ استشارة/ بحث/ وما يتعلق بذلك من تفاصيل لا تخفى على المختصين ويوضحها الكتاب، ثم تناول في الفصل الثالث ما يتعلّق بإعداد أساتذة الجامعة كي يكونوا مؤهلين للاضطلاع بأدوارهم، ذلك الإعداد الذي يمر بمراحل عديدة ولكنّها في النهاية تأتي بأكلها على خير وجه, وهو لا يغفل ما يواجه الأساتذة من المشكلات التي تعيقهم عن تحقيق طموحاتهم، كما لا يغفل مدى حاجتهم إلى توفير الاطمئنان الوظيفي لهم والمكانة التي تساعدهم على القيام بما هو أهم من ضياع وتبديد أوقاتهم في الأمور الحياتية الروتينية التي يُفترض أن توفر لهم كي يتفرغوا لما هو أجدى وأنفع.
ثم هو يتطرَّق في الفصل الرابع لتوسيع نطاق الخبرة فيما يتعلّق بالعالم العربي وأساتذة جامعاته وإلقاء الضوء على خبرة التبادلية بين تلك الجامعات وأساتذتها لتقديم الصورة واضحة لكلِّ من يرغب في المقارنة كي يلج إلى النتائج بوضوح,, ثم هو لا ينسي طرح حاجة، المجتمعات الخليجية والعربية لأساتذة جامعاتها من منطلق توحّدية هدف البناء، والجامعات ليست في معزل عن الأيدي التي تحمل في المجتمع الفؤوس لتمهد الأرض وتعلي البناء, لذلك يختم هذا الفصل بالحديث عن الدور المنتظر من هذه التبادلية بين الجامعات وأساتذتها وبين المجتمع.
ثم يركّز في الفصل الخامس والأخير على أساتذة الجامعات السعودية ومجالات تلبيتهم لدور تبادلية المنفعة، في تسديد حاجات المجتمع لهم في المجالات المختلفة، محدداً لها مركّزاً على أهمها وأوضحها وأكثرها ملامسة للواقع, ثم ينتخب أنموذجاً من الجامعات فيأتي على جامعة الملك سعود في أهم برامجها الخادمة لحاجات المجتمع والمقدمة لكفاءاتها من أساتذتها للقيام بها، مشيراً إلى المشاريع والبحوث التي قُدِّمت وخبرات الأعضاء فيها التي امتدت إلى المجتمع، سواء في المجالات العامة أو الخاصة أو التربوية.
ويلاحظ أن الباحث قد عاد إلى واحد وخمسين مرجعاً لتسع وعشرين ومائة صفحة هي كل الكتاب مما ينمُّ عن سعة الاطلاع والحرص على دقّة المعلومة وهي الأدوات الأساس لباحث أشعر أنه حريص على التميز والمثول في الوقت المناسب بالموضوع المناسب في ترابط موضوعي وتسلسل فكري يؤكد تمكنه من أدوات البحث الجاد.
تحية لهذا الجهد، وللموضوع، وأتطلع منه إلى مزيد توسيع له، وأن تنفع به الجماعات، ويتلقاه أساتذتها بما يستحقه كي يكون حافزاً لهم لمواكبة حاجة الوقت لربط تام بين الجامعة والمجتمع كما يترابط الجسد في أعضائه كي تستمر الحياة فيه حيّة ونشطة.
وفّق الله الزامل، وفي انتظار مزيد من عطاءاته المتميزة.
د, خيرية إبراهيم السقاف
|
|
|
|
|