| مقـالات
من منكم يتذكر وفرة فرص القبول الجامعي في ماضينا القريب؟ بل من منكم يتذكر أيام كانت جامعاتنا وكلياتنا العسكرية تقوم بتنظيم زيارات سنوية إلى طلبة المراحل الثانوية بهدف حث واغراء المزيد من الطلبة على الالتحاق بها؟,, ماذا عن وفرة الوظائف آنذاك مقارنة بشحها في أيامنا هذه، وما الذي حدث فقلب أوضاع (آنذاك) إلى نقيضها (الآن؟!), هل تعتقدون بأن السبب يكمن في أن معدلات الوعي الاجتماعي بقيمة التعليم قد زادت عما كانت عليه سابقاً مما جعل أبناء هذا الجيل يصرون على مواصلة تعليمهم الجامعي إلى حد (التكدس) فالحرمان,؟.
حسناً، في حال أنه لم (يحالفك الحظ!) في الاجابة على الأسئلة السابقة فدعني إذن استبدل بها أسئلة أكثر وضوحاً وتحديداً: (طيب!) هل تعتقد أن وزارة التعليم العالي هي المسؤولة عن انحسار معدلات قبول الطلبة في الجامعات؟,, أم لعلك تعتقد أن وزارة المعارف هي التي (ورطت!) وزارة التعليم العالي وذلك عندما أخذت ثانويات وزارة المعارف (تكب!) أعداداً هائلة من الطلبة على جامعات وزارة التعليم العالي؟,, أو ربما أنك (أحد) منسوبي وزارة المعارف ولديك من الدراسات العلمية ما أحيا فيك (الفزعة ومشتقاتها!) فأعلنت رفضك القاطع لاقحام وزارة المعارف كسبب لهذه الأزمة كونك ترى هذه الوزارة (هي نفسها، ضحية) لما (يكبه!) مجتمعنا من مواليد؟,, بل ولتأكيد فرضيتك هذه، لم تتوان عن التسلح بعدد كبير من الدراسات (العلمية!!) التي حاولت سبر غور أزمة القبول وخَرَجَت بقاسم مشترك يتمثل في أن: زيادة معدلات المواليد في مجتمعنا هي السبب الوحيد لمشكلة تأزم القبول الجامعي,,, بل والبطالة أيضا؟!
إن الأسئلة السابقة يميزها شيء واحد وواحد فقط متمثلا في أن كل اجاباتها تنحصر ب(لا!):,, فأزمة القبول الجامعي: (لا) دخل لها بزيادة الوعي الاجتماعي بقيمة التعليم,, (لا) ذنب لوزارة التعليم العالي تجاهها,, (لا) جريرة لوزارة المعارف بخصوصها,,, (لا) علاقة لها بالزيادات السكانية وكما تدعي الكثير من الدراسات العلمية!!.
إن السبب الرئيس لمشكلة القبول الجامعي يتمثل في (استحالة التخطيط) للمستقبل في ظل بدائية مفهوم الاحصاء السكاني لدينا وانتفاء علميته، ناهيك من انعدام الوعي الاجتماعي بالأهمية القصوى للمشاركة باجابات أمينة ودقيقة, إن الاحصاء السكاني لدينا يقتصر على الجوانب (العددية) من السكان وبعض خصائصهم (الحيوية) البسيطة؛ مما يعني إغفال الخصائص الديموغرافية الأساسية ذات الأهمية القصوى,, بمعنى آخر، إن الاحصاء السكاني لدينا لا يهتم بمجالات أوسع من الحجم إلى (ما يؤثر ويتأثر ويقود وينجم وينتج ويتعلق,,) بهذا الحجم سلباً أم ايجاباً (زيادة أو نقصاناً) من تغيرات (ومتغيرات) تختص بمعدلات المواليد والوفيات والأعمار والهجرات الداخلية والخارجية، بالاضافة إلى تقسيم السكان (بنائياً) إلى وحدات فرعية حسب الجنس، والمهنة، والتوزيع الجغرافي، والحالة الاجتماعية، والخصوبة Fertility، والإخصاب Fecundity (وهناك، بالمناسبة، فارق علمي بين المفهومين!)، ومعدلات التعليم، والامية، والبطالة، والأنشطة الاقتصادية، والدخل الفردي ومصادره، والممارسات الصحية وغير الصحية، وأنماط الاستهلاك، وعوامل الطرد والجذب في القرى والمدن، والكثافة السكانية، ومثلها الكثافة العمرانية، ومعدلات التحضر، وكنه آثار الظواهر المستجدة كبرامج السعودة والخصخصة والاستقلال الوظيفي/ المادي للمرأة، وغيرها الكثير الكثير من الخصائص الديموغرافية اللازمة للحصول على رؤية علمية دقيقة ضرورية للتخطيط العلمي السليم,, فالثقة (الاستشرافية) مستقبلا.
إن توفر ما ذكرت سابقا من معلومات كفيل ليس بالتغلب على أزمة القبول الراهنة فحسب، بل وامدادنا بالقدرة على استشراف المستقبل فمواجهة ما يستجد من ازمات مستقبلية كماً ونوعاً: استشراف وتنبؤ لايتمان بمجرد (احصاءات حيوية بسيطة) لا تتعدى النسب المئوية المشكوك بصدقها احصائياً )Validity( وكما هو معمول به الآن؛ بل احصاءات رياضية (متطورة) علمياً تتيح للباحث سبر غور ماضي وحاضر ومستقبل الظواهر الاجتماعية واستقراء علاقاتها (السببية) مع المؤثرات الاخرى، بل ومدى ضعف أو قوة هذه المؤثرات ومن ثم (التخطيط) بثقة:,, ثقة لا يوفرها سوى المنهج العلمي الصحيح!.
بالختام، هلا تكرمت فأجبت على سؤال (أخير!): قم سراً (بينك وبين نفسك!) بتوقع العدد الكلي لسكان المملكة ومن ثم قم بطرح نفس السؤال على شخص آخر,, ثم أجب: هل اتفقتما على نفس العدد أم,,,؟!.
,,, أوكلوا مهمة (إحصاء) كل محافظة إلى إحدى جامعاتها!.
* للتواصل : ص,ب 4206 رمز 11491 الرياض.
|
|
|
|
|