أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 17th July,2000العدد:10154الطبعةالاولـيالأثنين 15 ,ربيع الثاني 1421

الثقافية

لصوص الكلمات
ثمة أناس يرسمون لسرقة الشمس في وضح الظهيرة، وآخرون يرسمون لسرقة القمر ال14 لصوص,, لصوص,, لصوص.
لصوص فنون عامة,, لصوص آداب عامة,, أينما أوليت وجهك فثم وجه لص.
في عالم الاقتصاد يُقال: من يشبط إبرة،، يشبط خيطاً,, ومن يشبط خيطاً يشبط جملاً, وفي عالم الأدب: من يسرق كلمة يسرق سطراً، ومن يسرق سطراً يسرق كتاباً، وفي عالم الاقتصاد يسطو اللص على أموالك، فيجعلها له، وفي عالم الأدب يسطو اللص على أفكارك فيجعلها له، وإذا كانت الأموال تُصرف فإن الأفكار لا تُصرف، لكنها تبقى تنبض بروح مبدعها، والمبدع الأصيل لا يحزن لسرقة أفكاره، لكنه يسعد لهذا السطو حينما ينظر إلى العملية من ناحية فكرية، فهذا اللص قد أجهل نفسه في الاقتباس وفي الإعداد للنشر أو الطباعة وبالتالي أطلق هذه الأفكار إلى النور.
مرة حدثت لصوصية غريبة، أرسل كاتب مبتدئ موضوعاً إلى كاتب مشهور لينشره في المجلة التي يرأس تحريرها ولكن مضت الشهور والسنوات حتى فقد الكاتب المبتدئ الأمل بذلك، ولكنه فوجئ بموضوعه منشوراً في مجلة واسعة الانتشار في بلد آخر وبقلم رئيس تحرير المجلة الأولى التي اعتذرت عن نشره، فما كان من الكاتب المبتدئ إلاّ أن فضح الأمر في الصحف وما شفع له هو احتفاظه بإيصال الرسالة المضمونة التي عليها اسم المرسل والمرسل إليه وتاريخ الإرسالية وعندها بدا رئيس التحرير شهماً واعترف بالأمر مع بعض المبررات، وانتهى الموضوع.
الأحداث متعددة في عالم اللصوصية الأدبية وفي مختلف أجناس الأدب وعادة يحدث ما يلي:
أن يسرق كاتب معروف موضوعاً من كاتب مبتدئ.
أن يسرق كاتب مرتزق موضوعاً من مجلة قديمة لكاتب غير معروف ومن الأفضل أن يكون متوفى.
أما غرض الأول فيكون ترسيخ قدمه في عالم الأدب بناء على فكرة يقنع نفسه بها وهي أن هذا الشخص قد خطرت له هذه الفكرة العظيمة، لكنه لايمتلك موهبة ومقدرة التعبير عنها بنحو عميق أما هو فيمكن له أن يخرجها ويحييها بأسلوبه وخبرته اللغوية.
وأما غرض الثاني فيكون أنه محتاج وجائع وبدل أن يتسول أو يسرق أموالاً فيصبح في السجن فإنه أتى على مقاله ميتة في مجلة ميتة فأحياها وتلقى مكافأة عليها أنقذته من السين والجيم ومحاضر المخافر وحتى لو كشف أمره فإنه لن يتعرض للسجن لأنه لاتوجد مخافر أدبية في البلاد العربية.
فهذا يبرر فعلته، وذاك يبرر فعلته تحت شعار: مادام أن كل شيء في النهاية يُقدم للمجتمع وبالتالي فإن مبدع العلم الاصيل هو الذي سينتفع به يوم القيامة، فهذا العلم هو له صدقة جارية قد اسهم في إخراجها وإحيائها هذا الذي يسمونه لصاً.
في الواقع فإنها مسألة مثيرة للجدل ولكن في جميع المبررات فإن اللص هو كائن عديم الحياء وبلا أدب ولا يمكن أن يلقى احتراماً حتى من نفسه,, فسارق الأدب هو سارق مرتين، مرة في سرقته لأفكار الآخرين، ومرة سرقته لقبض قيمة هذه الأفكار المادية فهو يسرق الفكر ويسرق المال في ذات الوقت وأيضاً يسهم في نشر لصوصيته وما اقترفت يداه بالدرجة الأولى، والأصل عندما يجد مسؤول ثقافي نصاً جيداً لكاتب مبتدئ فعليه أن يشجعه بتقديمه إلى الناس، والأصل أن يبحث الثاني عن عمل يرتزق منه لأن سرقة الكلمة لهي أشد من سرقة الدينار,, بمعنى أن سارق الكلمة يكون قد تجاوز سارق الدينار وبالتالي فهو بذاته سارق ديناراً ويمكن له أن يسرق أي شيء آخر بعد ذلك,, وأيضاً يمكن له أن يتجرد من الأخلاق شيئاً فشيئاً حتى يمسي عارياً أخلاقياً خالصاً.
عبدالباقي يوسف

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved