| الثقافية
* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور
منذ ما يزيد على قرن من الزمان ومايزال الاختلاف حول أمير الشعراء احمد شوقي قائماً ولم تهدأ وتيرته بعد، ويقف امير الشعراء وسط هذا الخلاف بين نقيضين، فيراه البعض أنه اضاف للشعر العربي وحفلت مسيرته الشاعرية بالعديد من الاعمال الكبيرة والهامة التي تزخر بها المكتبة العربية، في حين ينكر البعض الآخر عليه شاعريته وقالوا انه لم يقدم جديداً بل افسد الشعر العربي.
وهذا الخلاف الحاد لم يطف على سطح الحياة الادبية والنقدية الحالية بل يعود الى جيل العقاد وطه حسين ومندور ثم توارثته الاجيال بعد ذلك جيلاً بعد جيل,, فهناك من يدافع، وهناك من يتهم ولا يوجد طريق وسط.
وفي قصره المطل على نيل القاهرة الذي تحول الى متحف ومركز للنقد والابداع يحمل اسم كرمة ابن هانئ اقيمت ندوة عن مسيرة امير الشعراء,, تحدث فيها الشاعر الكبير احمد عبدالمعطي حجازي الذي القى الضوء على هذا الخلاف محللاً ومفنداً له ومؤكداً على تغليب النظرة الموضوعية عند النظر لمسيرة امير الشعراء فلسنا بصدد اتهامه او الانحياز له دون مبرر.
وقال الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي انه في البداية يجب التأكيد على ان اختلاف الآراء حول احمد شوقي ومكانته الشاعرية وصلت حدتها الى النيل من لقبه الذي انفرد به وهو لقب امير الشعراء وقال البعض انه لا يستحق هذا اللقب فلم يكن شاعراً جيداً ولم يكن عبقرياً بل قالوا ان شوقي افسد الشعر، وفي المقابل لم ينكر البعض عن شوقي مكانته وانصفوا شاعريته واعطوه حقه.
واضاف حجازي أن هناك اجيالاً من الشعراء المجددين ظهروا بعد شوقي وحافظ ابراهيم وعلي الجارم ومحمود غنيم وقبلهم البارودي وتمردوا على التقاليد والقواعد التي ارسوها ومن هذا الجيل الذي تمرد على التقاليد والقواعد التي ارساها شوقي، علي محمود طه واحمد زكي ابو شادي وابراهيم ناجي، وانا شخصياً ظهرت وسط جيل يتحدث عن شوقي ويقول انه كان مقلداً ومداحاً للخديوي وقرأنا لنقاد ان شوقي افسد الشعر لان الشعر كان من المفترض ان يتطور باللغة في القرن ال 19 وان شعراء الإحياء وقفوا حجر عثرة في سبيل تطور اللغة والشعر لانهم عادوا بالشعر الى العصور العباسية ولم ينحصر عمل شوقي وجيله من الشعراء في تجديد اللغة ولكن عادوا لتقليد القدامى فوقفوا عند الاطلال كما فعل شوقي في عدد من قصائده وخاصة قصيدته البائية الشهيرة التي يقول مطلعها,, انادي الرسم,, لو ملك الجوابا
هؤلاء النقاد لم يكتفوا بالطعن في شعرية شوقي بل حملوه تبعة العودة بالشعر الى الزمن القديم والوقوف بوجه التجديد ومن اشهر من هاجم شوقي العقاد وطه حسين ومندور فأنكر العقاد عليه لقب امير الشعراء ونال من مكانته لدرجة انه قال ان شعر شوقي لا يختلف عن كلام المتسولين وانه يستجدي الكلام من الصحفيين ودعا لمقاطعة المؤتمر الذي بايعه اميراً للشعر ايضاً حديث طه حسين عن شوقي ليس جيداً وكذلك مندور في سلسلة محاضراته في معهد الدراسات العربية في الخمسينات وكانت بعنوان الشعر المصري بعد شوقي.
زمن شوقي
امام هذا الهجوم والانتقادات العنيفة التي تعرض لها احمد شوقي قال حجازي مدافعاً بأن هناك ظلماً كبيراً تعرض له امير الشعراء احمد شوقي وان الحكم عليه يحتاج لمعرفة تكوينه الثقافي والزمن الذي كتب فيه اشعاره والثقافة التي عاشها وكذلك معرفة الاعمال الشاعرية لغيره من الشعراء المواكبين له,, ويستطرد حجازي بأننا لا نستطيع فهم شوقي الا اذا عدنا لعصره ومعرفة كيفية استخدام اللغة فبقراءة الطهطاوي والجبرتي وابو النصر شهاب الدين وغيرهم سوف نلاحظ على الفور ان اللغة ليست دائماً قوية بل نستطيع القول اننا نجد لغة محطمة وغير صحيحة يختلط فيها العامي بالفصيح ويقع الناثر والشاعر في اخطاء فادحة سواء في النحو او الصرف او التركيب وقد وقع في ذلك مثقفون كبار مثل عبدالله الشرقاوي وكان شيخاً للازهر ورئيساً لديوان بونابرت ورسالته التي كتبها للوالي التركي عام 1801 بعنوان,, تحفة الناظرين نجد لغة ركيكة وعقلاً غير ناضج وكلاماً مضحكاً فيتحدث على سبيل المثال عن الفراعنة فيقول: ان طولهم شبر، وفي مدخل المدينة نجد نسراً من نحاس يوضع امامه المتهم كي يكتشف صدقه من كذبه فاذا كذب ينهشه هذا النسر,, فهذه الخرافات كان يرددها كأنها حقائق في رسالته,.
وبتأمل هذا المناخ نجد ان شوقي ليس بعيداً عن الشرقاوي او الجبرتي كما ان اللغة الرسمية كانت اللغة التركية التي ظلت حتى اواسط القرن الماضي كذلك عندما نجد الآن لغة كلغته التي كتب بها شوقي وهؤلاء الجيل فيجب ان نضعهم في عداد العباقرة الذي احيوا لنا لغتنا ولم يسمحوا بهذه الركاكة التي كانت موجودة واضاف حجازي انه لإحياء هذه اللغة كان على هؤلاء العمالقة ان يبدءوا بالتقليد في اعمالهم ثم يأتي بعد ذلك التجديد وتقليدهم هنا نعده إحياءً للغة لم تكن موجودة وإحياءً لقصيدة لم تكن موجودة.
شوقي المقلد والمجدد
وعن اتهام امير الشعراء بالتقليد قال حجازي,, نعم بدأ امير الشعراء مقلداً ولكن ليس هذا اتهاماً وليس خطأً من الرسام او الشاعر او الموسيقي ان يكون مقلداً في فترة من الزمن في بداية عمله فالجميع يبدءون بالتقليد وبدون التقليد لا نستطيع تعلم ارتداء الملابس او طريقة المشي او الكلام وغير ذلك من الاشياء كذلك الشاعر والرسام والموسيقي والفنان لابد ان يبدأ بالتقليد حتى يصل لحقيقة نفسه وفي عصر النهضة في اوروبا تعلم الرسامون والفنانون عند اساتذة كبار وبدءوا بتقليدهم ثم اتخذ كل واحد طريقه وعلى ذلك ليس من الخطأ ان نقول ان شوقي كان مقلداً.
اما عن تطور اللغة فقال حجازي ان الشاعر لا يستخدم اللغة لكي يتصل مع الآخرين ولكن لكي تبيح شيئاً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، ويبقى ان يكون للشاعر لغته التي يعرفها ويستطيع ان يقدم بها شيئاً غير مسبوق، واقصد اللغة هنا الطريقة التي يستخدمها في تشكيل المفردات وفي رسم الصورة والتعبير عن الفكرة، فعلى الشاعر ان يمتلك ثروة من هذه المفردات بحيث يختار ويستفيد ويكوِّن منها ما يشاء، ولو ان حصيلة الشاعر من المفردات محدودة لم يستشعر الحرية في ان يكون مبدعاً بحق وعلى هذا الاساس استطيع القول ان احمد شوقي امتلك مفردات ثرية وكبيرة جعلته مبدعاً بحق, وعن تجربة سفر امير الشعراء الى فرنسا واتهامه بأنه لم يستفد من هذه التجربة وقد ساق له هذا الاتهام كل من عميد الادب العربي طه حسين، والدكتور مندور حيث قال طه حسين,, لو ان شوقي قرأ اشعار الشعراء الفرنسيين عندما كان يقيم بفرنسا لتغيرت رؤيته وجدد الشعر، كما اتهم شوقي انه لا يعرف بودلير او مالارميه او بركسون والأخير من اشهر الفلاسفة اما مندور فقال ان فرنسا ايام اقامة شوقي بها كانت تعج بالمعارك الادبية، وكان باستطاعة شوقي التعامل مع العديد من المذاهب والمدارس هناك فيخرج بشعر انساني عالمي ولكنه ظل محدود الثقافة الغربية وان كان قد ترجم بعضاً من اشعار لامارتين الا انه لم يلبث ان نفض يده بعد ذلك وعاد ليعارض بردية البوصيري.
ويؤكد حجازي بأن هذه الاقوال ظالمة الى حد كبير وقد قيل مثل هذا الكلام عندما سافر الطهطاوي الى فرنسا فقد كان يوجد في وقته سان سيمون، واشر فيرويه واوجست كونت والاخير كان في سن الطهطاوي تقريباً، وتكرر مثل هذا الكلام عندما كان محمد عبده في فرنسا ايضاً، ولكن الحقيقة هي ليست التأثر والتأثير ولكن كل انسان يمثل مجتمعه والبيئة التي عاش فيها والتعبير عن الشخصية وليس الآخرين وهذا يعود بنا للقول انه لابد من دراسة عصر شوقي وأعمال غيره من الشعراء ومعرفة كيفية استخدامهم للغة ومفردات الحياة التي عاشوا في ظلها، واختتم حجازي حديثه بالتأكيد على ان أمير الشعراء يعد من كبار شعرائنا العرب الذين تركوا اثراً واضحاً على حركة الشعر وخاصة الحفاظ على اللغة العربية وإحيائها.
|
|
|
|
|