| مقـالات
إن كل سعي للإنسان محسوب عليه ومجزى به فمن اغتدى في مرضاة الله وسعى على نفسه وأهله في ما أباحه الله، فقد سعى في إعتاق نفسه، ومَن غدى أو راح في سخط الله أو في طريق يؤدي إلى سخط الله فقد خسر نفسه وأهلكها.
لذا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :,, كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها,, رواه البخاري.
وهكذا يوجز رسول الهدى مفهوم الغدوة والرواح بشتى أشكالها وأنواعها.
ولا ريب أن السفر يندرج تحت هذين القسمين المذكورين في الحديث الشريف، ومن المؤكد أن السفر كما ورد عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قطعة من العذاب.
وإن كان فيه شيء من المتعة والاستجمام مما يهيىء النفس للإقبال النشط على ما ألزمها به الإنسان من جد وعمل.
فليس السفر كله فراق أحبة وندامة ولهان، بل قد يكون فيه سلوى وتجديد مقام وبناء أمة، كما كان في أعظم سفر قام به النبي المصطفى بالهجرة إلى المدينة المنورة.
وقد يكون في السفر منافع عزيزة وفوائد جمة كما حصل لعلمائنا ومحدثينا وفقهائنا في طلب العلم والرحلة فيه.
إلى جانب ما سبق هناك زيارة الأقارب وصلة الأرحام والتفكر في مخلوقات الله، بما يُعرف عند الفقهاء بأسفار الطاعة.
ولقد بين الإمام الشافعي رحمه الله بعض فوائد السفر، فقال:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد |
بيد أن هناك أسفاراً لا تخلو من منكرات ومعاص، يهدف أصحابها للتنزهة والخلوة وقضاء الأوقات في المعاصي،مع ما يكتنف السفر من محاذير وأخطاء,.
لذلك، رأيت أهمية التنبيه والإشارة والتلميح والتذكير والتصريح لعل إخواني يحذرون من شرور السفر ويبتعدون عن مخاطره ويتجنبون آثامه ويتحلون بآدابه ومستحباته.
فأولا: فإن من منكرات السفر: سفر الإنسان ليلاً وحده، إذ يفضل بعض الناس السفر وحده ولا يجد في ذلك أي غضاضة ولكن حينما يحتاج إلى عون أو يصاب بأذى، سرعان ما يستشعر أهمية الرفيق وقد حذر رسولنا من الوحدة سفراً، فقال عليه السلام :لو يعلم الناس ما في الوحدة، ما أعلم ما سار راكب بليل وحده وقد ورد :الراكب شيطان,, .
ثانيا: فإن من الأخطاء والمحاذير الصحبة الفاسدة في السفر، فمن الطبيعي أن يصطحب الإنسان في سفره صديقا مؤنساً له في سفره وقد حث رسولنا على ذلك، بيد أن الذي يفعله كثير من المسافرين اليوم هو عدم انتقاء رفيق السفر, وكما قيل: فإن الصاحب ساحب وإن من البلايا الحرص على خفة الدم والروح المرحة في الرفيق أكثر من التدين والأخلاق!!
ثالثا: السياحة سفراً من المخاطر العظيمة، خاصة بعد ما ارتبط هذا المصطلح السياحة بالأسفار اليوم ارتباطاً وثيقاً، حتى اصبح المسمى الشائع لأسفار الإنسان إلى الخارج.
فحينما يقترب الصيف ويبدأ موسم السفر، تبدأ الطيور الفارة من بلادها إلى مدن معينة ولأهداف رخيصة!!
إذ لا نعتقد بأن الإنسان الذي يقتطع من وقته للنزهة البريئة والفسحة العائلية التي تخلو من المخالفات الشرعية، لا نعتقد أن في ذلك تثريباً ولوما.
بيد أن حزم الحقائب وبعثرة الأموال وإنهاك الأجسام وتضييع الأوقات في غير مرضاة الله تعالى من المصائب والدواهي في الدين والأخلاق، في العاجل والآجال,.
رابعاً: الذهاب لدور الأزياء والموضات الحديثة، إذ من منكرات السفر، قصد بعض النساء المسافرات إلى دور الأزياء الفاضحة الباذخة وملاحقة الموديلات والصرعات الغربية، وحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه إلى بلاد المسلمين، ونشر هذه الملابس الفاضحة، الكاسية العارية بين أفراد المجتمع المسلم، وهذه بلوى أفتتن بها كثير من النساء بله الرجال,.
وللأسف فإن بعض المسافرين لا يشتري ملابس أبنائه إلا من تلك البلاد، وبعض الفتيات لا ترضى إلا بتلك البضائع والموضات من كريستيان ديور وبيوت الأزياء الغربية، وهذا هوحال المترفين ممن ركنوا للخمائل والفساتين والأثواب.
والحق فإن من اخترع هذه الأزياء حفنة من التجار أكثرهم يهود!!
إن المجال لا يتسع لحصر تلك المنكرات المرتبطة بسفر المعصية والسياحة غير الهادفة، بيد أننا مطالبون ببيان بعض الأخطار لتحذير إخواننا وتذكيرهم، والذكرى تنفع المؤمنين.
فإلى جانب ما سبق، هناك مخاطر سفر المرأة بدون محرم، ونزع الحجاب وركوب المرأة مع السائق والزواج من أجنبية،وبيوت الدعارة والفساد ودخول البارات وشرب الخمور والمخدرات، ودخول المسارح ومشاهدة المسرحيات ولعب القمار وزيارة السيرك وأماكن اللهو؟!!
إن من منكرات السفر إلى بلاد المشركين السفر بالزوجة في تلك البلاد لقضاء بدعة شهر العسل في بلاد الكفر، فيأخذ الزوج الغبي زوجته البلهاء ويطيران كالبوم إلى بلاد الخراب والدمار!!
ومن القصص المؤسفة في هذا المجال مارواه أحد المشايخ عن احد شبابنا المسلم الذي كان يحضر رسالته ودراساته العليا في العلوم الشرعية عن شخصية الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز، ولم يتمكن ذلك الطالب النجيب من الحصول على شهادته حتىخضع لرأي أساتذته ونسب إلى ذلك الخليفة الزاهد ما لا يحمد من القول ولا يرضى به مسلم؟!
ختاماً أقول يارواد بانكوك وكازابلانكا ولندن وباريس ,, إن في رحاب الحرمين في مكة والمدينة أقدس بقعتين من النفحات الالهية والبركات الربانية والذكرى العطرة والأجواء الروحانية، ما يُغني,.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|