| مقـالات
وهي أمية التقنية , وأتكلم هنا عن أميتي أنا- وهي أمية حقيقية للأسف وليست ادعاء ولا مبالغة , اما لماذا أكتب موضوعا كهذا وأكشف جهلي للخلائق؟ فالجواب أن كل من يقرأ هذا الموضوع سيشعر بشيء من السرور ورضا النفس , السبب؟ أن الناس كلهم ينقسمون الى فئتين : واحدة مثلي لا تعرف شيئا عن الكومبيوتر والتقنية المتعلقة بهذا الجهاز العجيب، والثانية تعرف .
فالفئة الأولى سوف تشعر بالرضا، لأنها ستجد أن هناك أناسا مثلها عجزوا عن الدخول في عالم الألكترونيات عموما - والثانية ستشعر بالرضا عن نفسها، لأنها نجحت فيما فشل فيه الآخرون .
عندما تخرجنا من الجامعة حمدنا اللّه تعالى على العلم الذي وفقنا إليه والذي استوعبنا منه ما استطعنا - ولو أننا اكتشفنا بعد ذلك - يعني بعد التخرج من الجامعة - ان ما حصلنا عليه من العلم ليس إلا نقطة من بحر , وليت المسألة توقفت او اكتفت بهذا, بل وجدنا ونحن ماضون في تثقيف أنفسنا على الطريقة التقليدية الموروثة ان هناك قادما جديدا مندفعا بقوة وثقة الى دنيا الناس ، مهددا بإزاحة ما نشأنا عليه من موروثات , ذلك هو التقنية الحديثة وبالأخص الكومبيوتر وما تبعه بعد ذلك من الدخول في عالم الإنترنت وشبكات المعلومات الرهيبة التي تجتاح العالم اليوم وتطلع علينا كل ساعة بجديدها مما يعصف بعقول أمثالي ممن وقف بهم الطريق عند الكلمة المكتوبة فوق الورق .
سمعت بكلمة كومبيوتر لأول مرة عندما كنت في جامعة ليدز في انجلترا وكان ذلك عام 1960م, جاء المحاضر ليتكلم عن اختراع جديد اسمه الكومبيوتر ويتنبأ بالثورة العلمية التي سيحدثها هذا القادم الجديد , كنت والأخ الدكتور عزت خطاب في نفس الفصل ولم يكن أيٌّ منا قد سمع قبلاً بهذا المخترع الجديد, وتجرأ عزت وسأل المحاضر عن معنى كلمة كومبيوتر , لم أعد أذكر إن كان الدكتور أبدى استغرابا على جهل عزت وجهلي أنا باختراع باهر مثل الكومبيوتر - وإن كان شعر بداخله بالاستغراب فهو لم يتفوه به , على كل حال لم يتورع ذلك الدكتور من إبداء استغرابه عندما واجه لأول مرة طالبين عربيين سعوديين خريجي قسم اللغة الانجليزية من جامعة القاهرة ولكن دون ان يكونا قادرين على الإتيان بجملة انجليزية واحدة صحيحة عندما يطلب منهما ذلك , وهذا ما كنّاه فعلاً عزت وأنا - وأرجو ألا يغضب مني عزت فهو الآن الأستاذ المرموق في الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود , حتى أنا أصبح لديَّ القدرة فيما بعد على التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية .
المهم شرح الأستاذ الإنجليزي ما هو الكومبيوتر , والذي أذكره انني لم افهم حينئذ شيئا على الاطلاق من شرحه، ولا أزال - ويا للأسف والحزن العميقين - لا أفهم عن الكومبيوتر شيئا بالمرة , ولا أقول هذا ادعاء أو مباهاة خاصة وانه لا مباهاة في جهل - ولكن هناك حقيقة عداءً مستحكماً بيني وبين هذا الجهاز الساحر , انظر إليه في وجل وخوف ولا أحاول أن ألمسه , حتى بعد أن أقنعني أولادي بشراء جهاز واشتريته فعلا جلس على مكتبي أشهراً دون أن أفتحه , وكيف يمكنني أن أتعرض لجهاز جاء ومعه خمسة أو ستة كتيبات تحوي التعليمات الأولية فقط!, من أين أبدأ؟ وإلى أين أتجه؟ وجاءوني بشخص قالوا إن بإمكانه أن يعلّمني أسرار الكومبيوتر بجلسة واحدة - وحاول المسكين أن يقول شيئاً ولكن عندما رأى منظري الذي سيطر عليه الخوف والبؤس استخار وغادر دون رجعة , وربض الكومبيوتر لأسابيع وأشهر فوق مكتبي وأنا لا أقوى فعلاً حتى على فتحه , كنت أنظر إليه وينتابني الخوف - إلى أن طلبت من ابني نزار أن يزيحه من المكتب .
لا أدري سبب هذه العداوة القائمة بيني وبين وسائل التقنية الحديثة , فأنا بالنسبة لها أميٌّ من الطراز الأول , ما زال يسعدني أن امسك الكتاب التقليدي الذي توطدت أواصر الصداقة بيني وبينه منذ ان وعيت - ولا أزال أكتب بالطريقة التي تعلّمتها في البداية , حتى عندما أهداني معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر مشكوراً جهازاً صغيراً من تلك التي تسجل فيها أرقام التلفونات ، وهي خفيفة سهلة الاستعمال ، لا تحتاج عند طلب الرقم المطلوب إلا أن تضغط زراً بالحرف الأول من الأسم فيظهر الاسم والرقم المطلوبين , وقد استخدمت سلطتي على ابنائي في مبرمجة المفكرة الألكترونية إيّاها , لكنني وبعد أن أتوني بها مبرمجة جاهزة وضعتها على مكتبي ولم أفتحها ولو مرة واحدة وبالأحرى لم أحملها معي , وفي الغالب الأعم سوف يكون مصيرها نفس مصير الكومبيوتر ، وستبقى عديمة الفائدة لأيِّ واحد آخر بعد أن ملئت بأرقام تلفونات لا تخص غيري ، وأرجو ممن وصل بقراءة هذه المقالة الى هذا الحد ألا يبلِّغ الدكتور عبدالعزيز الخويطر بمصير هديته لي .
|
|
|
|
|