أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 17th July,2000العدد:10154الطبعةالاولـيالأثنين 15 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

مسجد النجادة الجامع في الزبير
د , علي عبدالرحمن ابا حسين
وهو من أكبر المساجد في مدينة الزبير إن لم يكن من أقدمها تاريخاً بعد مسجد سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه ويقع في موقع وسط من المدينة بين محلة الرشيدية والزهيرية, وعلى بعد يسير من السوق, وعلى الطريق المؤدي إلى البصرة, وسمي بمسجد النجادة ربما لأنه أول مسجد خطه (النجديون) الذين وفدوا إلى الزبير عبر التاريخ منذ مئات السنين, فإذا كان مسجد الزبير الجامع قد عرف حين بنيت أو رممت قبته على نفقة أم السلطان العثماني، فإن الوافدين من نجد كلهم أو جلهم يتمذهبون بالمذهب الحنبلي ولا يستقبلون في صلاتهم الأضرحة، لذا فمن الممكن القول بأن مسجد النجادة قد سبق في بنائه قبة مسجد الزبير التي أمرت ببنائها أم السلطان العثماني عام 900ه وأن هجرة سكان الزبير من نجد حدثت قبل عام 900ه, وتأسيس مدينة الزبير قد سبق هذا التاريخ خاصة وأن بناء قبة على قبر الصحابي الجليل الزبير بن العوام لا يعني أن المسجد قد تأسس في ذلك الوقت وهو عام 900ه إذ ربما كان هناك مسجد حول القبر أو بجانبه وبدون أن تعلوه قبة, وأن العثمانيين قد عرف عنهم اهتمامهم ببناء القباب في المساجد وبخاصة تلك التي تحويها أضرحة الصحابة, وفي بلادهم مسجد الصحابي الجليل (أبو أيوب الأنصاري) وغيره، حتى أن بعض سلاطينهم أمثال محمد الفاتح والسلطان سليمان القانوني وغيرهم قد بنيت مساجد حول أضرحتهم وتعلو قبورهم القباب المزخرفة بالفسيفساء.
هذا ولا يعني بالضرورة أن تأسيس مدينة الزبير في هذا التاريخ أو ذاك، فإن آثار البصرة القديمة التي تحكي للعيان حتى الوقت الحاضر وفيها آثار المسجد الجامع، إنما هي تقع في ضاحية من ضواحي مدينة الزبير بين ضريحي الصحابيين الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما , وفي كتب البلدانيين أن بجانب ضريح الزبير وطلحة رضي الله عنهما زوايا فيها طعام لأبناء السبيل والناس يعظمونهما تعظيماً شديداً، وأن تعرض البصرة للكوارث الطبيعية والسياسية قد أدى إلى وفاة الآلاف من أهلها أو هجرتهم عنها تاركين آثارهم تدل على مساكنهم في مدينة الزبير وهي ضاحية من ضواحي البصرة القديمة التي بقيت تواصل البقاء والاستمرار للبصرة القديمة, لذا لا يمكن الربط بين بناء قبة على ضريح الزبير وتأسيس المدينة, فمدينة الزبير قديمة قدم التاريخ الإسلامي رغم تعرضها هي الأخرى للكوارث الطبيعية والسياسية والأوبئة ونحوها, ولا شك أن عمران مسجد النجادة الجامع في الزبير قد مر بعدة مراحل رُمم فيها المسجد, وأقدم ما وصلنا نص مؤرخ وموثق كتبه الشيخ عبدالله بن الشيخ إبراهيم القملاس بخطه، ورد حول اتمام ترميم المسجد في جمادى الأولى 1316ه, ثم عُمرَ في شوال من عام 1334ه من مال أحد أبناء الزبير وهو (عبدالمحسن الزهير) أثابه الله خيرا .
فقد هدموا العايب ومنه خلوة المسجد في الجانب الشمالي وسقفوه بخشب الجندل وبنوا قبتين أو خنين مع الجدار القبلي إلى المنبر وأصلحوا الأساسات وفرغوا من ترميمه في 23 محرم 1335ه, وكان الأستاذ في عمرانه هو (محمد العومي).
وقد عَمّر عبدالمحسن الزهير المسجد الجامع من ماله الخاص.
ويستطرد الشيخ عبدالله بن إبراهيم القملاس وهو شاهد عيان بقوله:
وبعد سنتين من عمران المسجد توفي عبدالمحسن الزهير وذلك في 23 محرم 1335ه ودفن في مقبرة الحسن البصري بالزبير يرحمه الله .
وظل أهالي الزبير كعادتهم يتنافسون لأعمال الخير في بلدانهم, وهل هناك عمل أفضل من بناء المساجد ومعاهد العلم, وقد أمر سبحانه وتعالى عِباده بقوله: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر), ففي شهر ذي الحجة 1334ه سعى الشيخ محمود الجموعي في جمع الأموال لعمار مسجد الزبير وأرسل الشيخ جاسم البراهيم الذي يسكن بومباي حوالة على يد الشيخ عذبي الصباح فعمروا مساجد الزبير ومنها مسجد النجادة.
وفي العاشر من شعبان عام 1335ه جمعت أموال من الأهالي وكان الساعي عن ذلك العمل هو الشيخ (محمود المجموعي) والشيخ (محمد بن عبدالرحمن السند) فاصلحوا المساجد ومنها (مسجد النجادة) و(مسجد الرواف) و(مسجد درواز الحزم) و(مسجد الخمسة) و(مسجد سوق الجت), أما (مسجد الزبير) فقد جعل عمارته وترميمه أولاً وآخرا على نفقة (جاسم بن إبراهيم).
ومرحلة أخرى من ترميم مسجد النجادة حدثت في أول محرم 1348ه وذلك من مال أهل الخير من أبناء بلد الزبير إذ عمروا ما تحت المنارة, وفي 15 صفر 1348ه نصبوا بابا حديديا جديدا على باب المسجد من الجهة الجنوبية.
وسوف نستعرض عرضا موجزا لبعض أئمة المسجد الجامع المسمى بمسجد النجادة ممن وصلنا ذكرهم مخطوطا بخط الشيخ عبدالله بن إبراهيم القملاس في مذكراته اليومية أو ما ورد ذكره في الكتب المطبوعة ومنهم:
الشيخ عثمان الجامع: وتنتسب أسرة الجامع إلى جدهم جامع بن عبيد بن عبدربه الأنصاري الخزرجي, قدم جدهم جامع من المدينة المنورة وسكن بلدة القصب ثم انتقل إلى بلدة جلاجل التي ولد فيها ابنه جمعة.
والشيخ محمد بن عثمان الجامع: كان إماما وخطيبا في مسجد النجادة منذ ربيع الأول 1329ه, وذكرالشيخ ابن غملاس في مذكراته أن والي البصرة العثماني (سليمان شفيق) صلى في مسجد النجادة خلف الشيخ محمد بن عثمان بن الجامع يوم الجمعة 23 ربيع ثاني 1332ه وبصحبة الوالي كل من السيد طالب النقيب وعبداللطيف المنديل, ويستطرد ابن غملاس بقوله: وإن الذي قرأ الفرمان في القشل (القشلاق) في الحزم وسط السوق ببلدة الزبير هو الشيخ أو الملا محمد الجامع كان ذلك في 29 رجب 1332ه وكان الشيخ عبدالرحمن افندي يؤم المصلين أيضا في مسجد النجادة مع الشيخ محمد الجامع حتى توفي الشيخ محمد في آخر نهار الخميس من شهر رجب 1335ه بعد مرض طويل, أما ابنه عبدالمحسن بن محمد الجامع فقد وجدنا اسمه في ذيل صك مؤرخ في 17 ربيع أول 1325ه حول وكالة لصالح بن ناصر الصانع عن اخوانه واخواته لبيع بيتهم الذي ورثوه عن أبيهم في المحرق بمحلة الشيخ من بلاد البحرين, كما أن عيسى بن إبراهيم الجامع قد رسم خاتمه في ذيل صك مؤرخ في 21 ربيع أول 1327ه حول شراء املاك في البحرين, وترجم الشيخ عثمان بن سند في كتابه سبائك العسجد قوله: الشيخ عبدالله بن عثمان بن جامع الحنبلي قدوتنا جليل القدر نزيل البصرة تشرفت بلقائه عام 1225ه في بندر كلكته بعد أن فاز بالنجاة من فوادح اليم العبوس فاطلعني على قصيدة من كلامه الحر أعرب فيها عما عاناه من الدهر الخؤون.
وبعد وفاة الشيخ محمد بن عثمان الجامع خلفه في الإمامة بمسجد النجادة الشيخ (محمد بن علي سلوم) النجدي الزبيري المتوفى في 1346ه وفي قول 1347ه.
أما خطبة الجمعة فيخطبها الشيخ (محمد العسافي) مجانا وبدون مرتب حتى دخل شهر رمضان 1335ه فنصب الشيخ (عبدالرزاق بن الشيخ عثمان الجامع) إماما وخطيبا في مسجد النجادة وهو الذي خطب داعيا للسلطان العثماني عبدالمجيد بن عبدالعزيز خان في صلاة يوم الجمعة 5 ربيع ثاني 1341ه, كما خطب غيره من أئمة الجوامع في الزبير.
وفي 11 ربيع أول 1342ه قطعوا أئمة الجوامع الخطبة باسم الشريف حسين, وأمرت الحكومة الأئمة بأن يخطبوا باسم السيد فيصل الأول فخطب البعض واستعفى البعض الآخر وذلك في يوم الجمعة النصف من شعبان 1342ه, أما إمام مسجد النجادة الشيخ (عبدالرزاق الجامع) فقال في الخطبة: اللهم انصر سلطان البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين أمير المؤمنين, ولم يزد على ذلك فكأنه والحالة هذه خطب للسلطان العثماني وليس للسيد فيصل (1) .
ومن أئمة مسجد النجادة الشيخ أحمد بن عثمان الجامع المولود في 1194ه بمدينة الزبارة التي بناها الشيخ (محمد بن خليفة آل خليفة) على الساحل الغربي لقطر, وقد ولي الشيخ (أحمد الجامع) القضاء في البحرين, فلما وقعت بين شيوخها فتن رحل عنها إلى بلد الزبير حيث نصب قاضيا فيها إلى أن عزل في 1276ه من قبل شيخ الزبير (سليمان بن عبدالرزاق الزهير) وذلك لكبر سنه وعين بدلا منه الشيخ عبدالله بن جميعان, وذكر ابن غملاس ان الشيخ أحمد بن عثمان الجامع بقي في القضاء ببلد الزبير حتى وفاته في ربيع ثاني من عام 1285ه, عن عمر يناهز التسعين, وهو الذي أجاز الشيخ ابن حميد صاحب كتاب السحب الوابلة حين اجتمع به في مكة المكرمة حاجا عام 1257ه وقال عنه انه كان رجلاً صالحاً ساكناً وقوراً (2) , وفي نفس السنة التي توفي فيها الشيخ أحمد بن عثمان الجامع وهي 1285ه فقد توفي فيها ابنه الشيخ محمد بن أحمد بن عثمان الجامع.
أما (عثمان بن عبدالله بن جامع) الحنبلي فهو قاضي الزبارة وجدناه قد كتب حجة شرعية ارخها في 16 شعبان 1201ه, وربما ان أحداث الزبارة في هذه الفترة هي التي أدت إلى هجرة كثير من أهلها ومنهم الشيخ عثمان بن عبدالله بن جامع إلى الزبير حيث تولى منصب الإمامة في مسجد النجادة هناك.
ثم ان الشيخ عثمان بن محمد بن محمد بن جامع فقد كان حيا في السادس من ذي الحجة 1257ه وهو تاريخ وصية عتق لمملوكة في البحرين شهد فيها الشيخ عثمان برسم خاتمه في هذا التاريخ ولم نعلم عنه أكثر من ذلك كما شهد كل من سليمان النفيسة نائب بلد الزبير ومحمد بن ناصر الدايل, وقد ورد ذكر عثمان بن جامع كشاهد في وثيقة ملك حضرة سمك في مياه البحرين مؤرخة في عام 1273ه مما يدل على أنه سكن البحرين ثم انتقل إلى الزبير ونصب إماما وخطيبا في مسجد النجادة وتوفي بالبحرين في شهر ربيع الثاني 1322ه وفي قول 1320ه وخلف من الأبناء محمد وأحمد وعبدالرزاق.
وفي جمادى الأولى 1345ه عزل الشيخ ابن مجيم الضرير عن الإمامة والخطابة في مسجد النجادة وصار مكانه الشيخ ابراهيم بن خزعل المؤذن براتب سنوي قدره 200 ربيه سنويا ودكان في قيصرية الخشيرم وكان عمله يشد عقل.
أما الشيخ محمد بن عبدالرحمن السند فهو من أبرز علماء الزبير في زمانه ولقد كنت أحضر مجلسه في بيته القريب من مدرسة الدويحس فاستفيد منه كما استفيد مما يسأله من الحاضرين فيجيبهم جواب العالم المتمكن, والشيخ محمد السند هو الذي حفظ شيخنا (الشنقيطي) عن الأشقياء الذين أرادوا ايذاءه بعد أن ضربوا الشيخ الشنقيطي وادموا وجهه وفروا هاربين ليلا تحت جنح الظلام, فلجأ الشيخ متمسكا بعباءته والتي تركها الجانبي وفر هاربا, فكشف عن صاحب العباءة وقدم للمحاكمة في محكمة البصرة وقضت المحكمة بسجن الجاني, والشيخ محمد بن سند هو الذي أم الجماعة في الصلاة بمسجد النجادة على جنازة الشيخ محمد أمين الشنقيطي عصر يوم الجمعة الرابع عشر من شهر جمادى الثانية عام 1351ه ثم صلى عليه في مسجد الدروازة مرة أخرى وصلى عليه ثالثة في مقبرة الحسن البصري (3) .
وكان الشيخ (محمد بن عبدالرحمن السند) رحمه الله يسعى لنشر الدعوة الإسلامية في كل مكان فقد سافر مع أخيه إلى بومباي وعادا في يوم الأربعاء 22 جمادى الأخرى من عام 1339ه, كما سافر مع الشيخ الشنقيطي في 30 جمادى الآخرة 1341ه وذلك لجمع المال لعمران المساجد ومدرسة النجادة فحصل الوفد على ستة عشر ألف ربية ودامت مدة سفرهم أربعة أشهر إلا عشر أيام (4) .
وفي 1342ه كتب طلبة معهد الدويحس العلمي مضبطه قدموها لرئيسهم الشيخ محمد السند والشيخ عبدالرزاق الدايل حول وقف نخيل أوقف على المعهد فتولت الحكومة الوقف مكان ابن حمود الذي كان قائما على الوقف قبل ذلك.
وفي ربيع الأول من عام 1343ه عزل الشيخ ابن حمود عن إمامة مسجد الزبير وتنصب الشيخ محمود المجموعي إماما وخطيبا مكانه.
وفي 30 محرم 1346ه وصل الشيخ محمد بن عبدالرحمن السند إمام وخطيب مسجد النجادة واخوه من الحج فباشر الشيخ محمد قيامه في إمامة المصلين وخطبة يوم الجمعة (5) حتى وفاته, وفي شعبان 1348ه أو 1328ه قدم الملك عبدالعزيز إلى الزبير فوفد خلق كثير من أهل الزبير للسلام عليه فأكثر لهم العطايا وممن تشرف بمقابلته من أهل الزبير الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن سند إمام وخطيب مسجد النجادة ومعه إبراهيم الدامع وقد استضافهم الملك خمسة أيام في شهر رمضان ثم انتقل الملك ابن سعود قبل العيد عائداً إلى نجد, كما قدم على الملك ابن سعود في نفس الفترة ملك العراق فيصل الأول وتبادلا الهدايا فأهدى الملك عبدالعزيز إلى الملك فيصل الأول الخيل والزل وسيفا وخنجرا وغير ذلك (6) .
الهوامش:
1/ ابن غملاس, مذكراته المخطوكة ورقة 711 و737 و776 و786, ومن أبناء الشيخ محمد بن عثمان الجامع عبدالكريم ويوسف وعبدالله وعثمان وخامس, أما يوسف بن عثمان الجامع فقد كان له مكتبه بالزبير عام 1340ه وكان يدرس فيها الصبيان ومعه ناصر الثاقب وإبراهيم الرماح وشاهين الأعرج النجدي بن أحمد فاستاجروا دكان أحمد الشايجي باجرة سنوية ووضعوا فيها كتبا علمية وأدبية لتصبح مكتبة وزودوها بكراسي وتخوت وطاولة وذلك في 24 صفر 1340ه ثم اغلقتها الحكومة, وتوفي يوسف الجامع في صفر 1341ه.
2/ عبدالله البسام, علماء نجد 1/175 و176, وابن حميد, السحب الوابلة ص 184 رقم الترجمة 94.
3/ البسام يوسف 89.
4/ القملاس ورقة 58 و 61 و62 (مخطوط).
5/ القملاس, ورقة 393.
6/ القملاس, ورقة 454.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved