أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th July,2000العدد:10153الطبعةالاولـيالأحد 14 ,ربيع الثاني 1421

مقـالات

قضية فلسطين نموذجاً
السلبية في مواقف الشرعية الدولية,, (2 - 3)
د, أحمد بن محمد الضبيب*
عرضنا في المقال السابق لظروف إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين العربية ,, وكيف قامت دولته على تجاوزات خطيرة سواء لمبادىء القانون الدولي أو مبادىء الأخلاق وحقوق الإنسان، وبمباركة من أطراف دولية كانت أيضاً أعضاء في عصبة الأمم ثم في هيئة الأمم المتحدة, وكان احتلال القوات اليهودية لكامل فلسطين ولأجزاء من بلاد عربية أخرى سنة 1967م مثلاً صارخاً على تجاهل دولة الاحتلال جميع المواثيق والأعراف الدولية وذلك باتخاذ سلسلة من الإجراءات والترتيبات في هذه الأراضي لا تستند إلى حق شرعي أو مبدأ خلقي.
وكان من الواجب أن يستيقظ الضمير الإنساني,, وأن تتحرك الشرعية الدولية لكبح جماح المعتدي وإقرار مبادىء الحق والعدل,, ولكن التراخي العملي الذي قوبلت به تلك الممارسات في الأراضي الفلسطينية شجع المعتدي على التمادي في عدوانه, وإذا اتخذنا مدينة القدس مثلاً على ما حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان، وخرق لاتفاقية جنيف المعقودة سنة 1949م بشأن الاحتلال,, فإننا يمكن أن نشير بخاصة إلى الممارسات الإسرائيلية الآتية:
1 تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة:
ضمت إسرائيل القدس برمتها ووصفتها بأنها عاصمتها الأبدية من خلال إجراءات عديدة متحدية بذلك الرأي العام العالمي، وأصدر الكنيست في 27 يونيو 1967م نظامين أساسيين يتعلقان بالمدينة هما: نظام المؤسسات البلدية ونظام القانون والإدارة وكانت مهمة القانون الأول توسيع حدود المدينة، ومهمة القانون الثاني إخضاع المدينة للأنظمة الإسرائيلية.
وتبع ذلك إلغاء جميع القوانين الأردنية السابقة، وتحويل الإدارة البلدية للمدينة الى إدارة يهودية, ونقلت إسرائيل عاصمتها إلى القدس مخالفة بذلك الرأي العام العالمي، كما فرضت على السفراء تقديم أوراق اعتمادهم في مقر الحكومة بالقدس وطالبت الدول بنقل السفارات إلى القدس (1) .
وحولت أسماء الشوارع والطرق والساحات العربية إلى أسماء يهودية، وحاصرت المؤسسات الفلسطينية في المدينة وأغلقت معظمها.
واتخذت دولة الاحتلال إجراءات كثيرة تجعل حياة المواطن الفلسطيني صعبة في القدس ومن ذلك: ما يتعلق بالقضاء، فقد فصلت القدس إدارياً عن الضفة الغربية وألغت المحاكم النظامية في القدس، وألحقتها بالنظام القضائي الإسرائيلي مباشرة، وأصدرت قراراً بنقل محكمة الاستئناف من القدس إلى رام الله، وآخر يقضي بسريان القانون الخاص بالقضاء على جميع سكان القدس، وقراراً ثالثاً يقضي بعدم الاعتراف بأحكام المحكمة الشرعية بالقدس وعدم تنفيذ أحكامها، وقررت تجاهل كل ما يرد من دوائر الأوقاف الإسلامية، أو رئيس الهيئة الإسلامية في القدس، ثم أمرت بتشكيل محكمة استئناف شرعية تكون تابعة للحكومة الإسرائيلية (2) وجعلت للمحكمة الشرعية في يافا سلطة الفصل في قضايا المسلمين الشخصية.
وقد قامت السلطات الإسرائيلية في 18 نوفمبر سنة 1991م بالهجوم على المحكمة الإسلامية الشرعية بالقدس المحتلة واستولت على وثائق وأوراق مهمة (3) .
وذلك كله مناف لطبيعة سلطات الاحتلال كما نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة سنة 1949م التي تنظم علاقة المحتل بالأرض المحتلة، ومن أهمها احترام القوانين والنظم التي كانت مطبقة في الإقليم قبل احتلاله, واقتصار مسؤولية المحتل على صلاحيات إدارية وتنظيمية محدودة في إطار حماية حقوق المدنيين في الأرض المحتلة (4) .
2 إنشاء المستعمرات الاستيطانية داخل القدس، وتشويه الطابع الحضاري لها:
أخذت الدولة الصهيونية بعد الاحتلال سنة 1967م في تطبيق خطط استيطانية جائرة، شوهت الطابع التاريخي لهذه المدينة، وقصدت من خلالها قطع صلة المدينة بالصفة الغربية وبالأرض العربية عن طريق إحاطتها بأطواق استيطانية أقيمت على أنقاض الأحياء العربية والممتلكات العربية، متخذة في سبيل ذلك مختلف الوسائل لمصادرة الأراضي العربية والاستيلاء عليها بحجة المصلحة العامة، أو كونها من أملاك الدولة أو أملاك الغائبين، أو الاستيلاء عليها بحجة التطوير، أو استنادا الى قانون الطوارىء ومناطق الأمن الصادر سنة 1949م، أو اللجوء إلى الاحتيال وتزوير تواقيع المواطنين العرب، أو التستر وراء مهمات خاصة للسيطرة على الأراضي العربية مثل البحث عن الآثار والقيام بمهمات علمية (5) .
وقد سنت الحكومة الإسرائيلية عددا من القوانين والقرارات والأوامر العسكرية المساعدة على المصادرة، مثل قانون أملاك الغائبين سنة 1961م وقانون القدس سنة 1980م، والأمر العسكري الذي يعطي الحاكم العسكري للضفة حق إعلان أية قطعة أرض ملكية عامة، ويمكن الاعتراض على ذلك خلال ثلاثة أسابيع وإلا أصبح نافذا.
واستتبعت عمليات الاستيطان، ومشاريع الطرق التي نفذتها دولة الاحتلال في القدس العبث بالطابع الثقافي والتاريخي للمدينة، ومحو أصالتها وصبغها بالصبغة اليهودية، ضاربة عرض الحائط بالمواثيق والاتفاقيات الدولية كالميثاق التأسيسي لليونسكو، واتفاقية وبروتوكول لاهاي سنة 1954م، والاتفاقيات والتوصيات والقرارات التي اعتمدها المجتمع الدولي, وقد ذكر قرار المجلس التنفيذي لليونسكو أن القدس التاريخية تشكل ممتلكاً ثقافياً ذا قيمة عالمية فريدة من حيث تماثله وتوازنه وطابعه المميز مما حدا بالمجتمع الدولي إلى اعتباره جزءا من الممتلكات النفيسة للإنسانية جمعاء (6) .
ولم يكتف المحتلون بتدمير الأماكن التاريخية والأثرية الإسلامية والمسيحية وإنما ارتكبت أعمال سطو كبيرة على نفائس تاريخية نادرة من متحف القدس, مما حدا بالمجلس التنفيذي لليونسكو الى التنديد بذلك وإبداء القلق بشأنه (7) .
3 العبث بالأماكن المقدسة وتدنيسها:
لقد استتبع التمكين للعناصر المتطرفة من اليهود في مدينة القدس أن تم هدم كثير من المساجد والمآثر الإسلامية, وخاصة ما كان منها في حي المغاربة التاريخي الشهير الذي هدمته السلطة الإسرائيلية عن آخره منذ الأيام القليلة الأولى من دخولها إلى القدس سنة 1967م بعد أن أنذرت أهله بالإخلاء خلال ساعات قلائل، فشردت بذلك أكثر من 135 أسرة وجعلتهم بلا مأوى, ومن سخريات القدر أن شيخ هذا الحي وهو عربي بالطبع قدّم سنة 795ه (1393م) شكوى إلى دمشق يشكو فيها والي القدس لأنه تعدى على حقوق أفراد عائلة يهودية، وحرمهم من إرثهم الذي خلفه لهم أحد الأقارب (8) !!
وقد سلكت دولة الاحتلال ممثلة بالرسميين والأفراد مسالك استفزازية كثيرة لتدنيس الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية على السواء, فمن ذلك زيارة الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي للمسجد الأقصى في 15/8/1967م وصلاته مع اتباعه داخل الحرم الشريف، والاستيلاء على مفاتيح باب المغاربة أحد أبواب المسجد الأقصى لتمكين السلطات من فتح الباب لكل من أرادت إدخاله دون إذن الأوقاف الإسلامية, ومن ذلك تدنيس المزارات والمقابر والممتلكات الدينية المسيحية.
وقد وصلت هذه الاعتداءات قمتها بالاعتداء الأثيم الذي تمثل في محاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م ذلك الفعل الشنيع الذي أثار غضب العالم أجمع واعتبره تدنيسا لمكان من أقدس الأماكن الدينية في العالم.
وقد عكس ذلك قرار مجلس الأمن رقم 271 في 15 سبتمبر 1969م الذي أكد مجددا عدم قبول الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري، كما قرر أن العمل المقيت لتدنيس المسجد الأقصى يذكر بالحاجة الملحة إلى أن تمتنع إسرائيل عن خرق القرارات الدولية، وأن تبطل جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس كما دعاها الى التقيد بدقة بنصوص اتفاقيات جنيف، وبالقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري، كما يدعوها إلى الامتناع عن إعاقة المجلس الإسلامي الأعلى في القدس عن القيام بمهامه (9) .
ومع ذلك فإن الدولة المحتلة لم تلتفت كعادتها إلى هذا القرار، وغيره بل مضت في خططها لتغيير الوجه العربي لمدينة القدس، وتغيير تراثها الثقافي (10) وما تزال النوايا الإسرائيلية المتطرفة تبيت العزم لهدم المسجد الأقصى، وإحلال الهيكل المزعوم مكانه وقد بدأت بتسكين مجموعات يهودية متطرفة في المنازل المجاورة للحرم الشريف، تمهيدا لاحتلال الحرم الشريف في يوم من الأيام.
وقد تناقلت الصحف خبر عقد المتطرفين الإسرائيليين مؤتمرهم السنوي السابع يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 1998م الذي حضره ما يزيد على عشرين ألف يهودي متطرف من بينهم كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية, وفي هذا المؤتمر قال زعيم هذه الحركة العنصرية المتطرفة مخاطبا المجتمعين: قوموا إلى جبل الهيكل، واهدموا المسجد الأقصى، ودمروا كنيسة القيامة,,, لا نريد أذانا يرفع أو أجراساً تقرع لصلاة غير يهودية في أرض اليهود .
وفي أثناء هذا الاجتماع أقسم ألف شاب متطرف يهودي وقفوا على أقدامهم أمام المؤتمر على العمل المتواصل الذي يمكنهم من هدم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في القدس وكذلك تدمير كل دور العبادة غير اليهودية.
وقد قرئت في الاجتماع رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت نتنياهو الى المؤتمرين يقول فيها: نحن معكم فيما ذهبتم إليه من أجل بناء الوطن القومي اليهودي على أرض الميعاد ولكن الظروف الدولية المحيطة بهذا الوطن اليهودي تتطلب الترتيب في تحقيق الاهداف اليهودية الكبرى حتى لا يحاربنا العالم,, وأقتَرِح أن نبدأ بالمعابد الإسلامية، ونؤجل المعابد المسيحية، إلى مراحل لاحقة، إذا ضربنا المسجد الأقصى وعملنا على هدمه، فلنا الحجج القوية للدفاع عن أنفسنا، لأن موقعه يشمل الأرض المخصصة للهيكل الذي يجب أن يقام على أرض الميعاد اليهودية, كما أن العداء السافر للمسلمين ضد دولة إسرائيل يعطيها المبرر في محاربتهم داخل الوطن القومي لليهود, أما إذا أقدمنا الآن على هدم كنيسة القيامة والمقدسات المسيحية الأخرى فان ذلك سيقيم الدنيا علينا، ولا نمتلك في ظل الروابط الحميمة التي تربطنا بالعالم المسيحي الحجج والمبررات على تدمير المعابد المسيحية (11) .
4 انتهاكات حقوق الإنسان في القدس وفلسطين عامة:
تنظم اتفاقية لاهاي الرابعة سنة 1907م واتفاقية جنيف في 12 أغسطس 1949م وضع البلاد المحتلة وحماية المدنيين وقت الحرب, غير أن السلطة الإسرائيلية لا تعترف بانطباق اتفاقية جنيف على الأرض التي تحتلها بما فيها القدس الأمر الذي أثار استنكار الهيئة العامة للأمم المتحدة، وقد أجملت بعض قرارات الأمم المتحدة (12) أوجه انتهاك السلطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان بنقاط عدة منها:
الطرد والتشريد للمواطنين الفلسطينيين وإخراجهم من أراضيهم وإبعادهم وحرمانهم من حق العودة.
العقاب الجماعي والإخضاع للحجز التعسفي.
إغلاق المرافق الصحية في القدس (13) ، وشن الهجمات على المستشفيات والعاملين فيها.
إغلاق المرافق التعليمية.
نسف المنازل وتدميرها وإغلاقها (14) .
إساءة معاملة الأطفال والقُصّر المحتجزين أو المسجونين وتعذيبهم.
قتل المتظاهرين العُزّل وجرحهم.
كسر عظام الآلاف من المدنيين وأطرافهم.
تحديد الإقامة في المنزل أو المدينة.
استعمال الغاز السام مما أدى الى قتل العديد من الفلسطينيين، وقد جاء في قرار برنامج الأمم المتحدة للبيئة القلق بشأن استعمال الغازات الضارة بالصحة لما لها من آثار بيئية خطرة على السكان الفلسطينيين والعرب، وعلى الإنتاج الزراعي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سلامة الأراضي (15).
تسليح المستوطنين الإسرائيليين لتدبير العنف وارتكابه ضد الفلسطينيين, هذا قليل من كثير، حدث على أرض فلسطين العربية تحت سمع العالم وبصره، فماذا كان موقف الشرعية الدولية؟ ذلك ما نتحدث عنه في الحديث القادم إن شاء الله.
* عضو مجلس الشورى
الهوامش:
1 انظر قرار مجلس الأمن رقم 478 (1980م) بتاريخ 20 أغسطس 1980م قرارات الأمم المتحدة في شأن فلسطين، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2/288, وفايز جابر، مستقبل القدس السياسي، ورقة مقدمة للندوة السنوية لشؤون القدس، في المؤتمر الاسلامي للقدس 1994م ص 16.
2 عبدالفتاح أبو علية وعبدالحليم عويس، بيت المقدس في ضوء الحق والتاريخ، الرياض، دار المريخ، سنة 1401ه 1981م, ص 63.
3 قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، بيروت مؤسسة الدراسات الفلسطينية سنة 1995م ج4، ص 273.
4 جعفر عبدالسلام، المركز القانوني لمدينة القدس، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي سنة 1418ه، ص 81.
5 انظر تفصيلاً للسياسات الإسرائيلية في مجال الأراضي في: نظام بركات، الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين بين النظرية والتطبيق، الرياض، مركز بحوث كلية التربية بجامعة الملك سعود، سنة 1406ه 1985م، ص 128 وما بعدها.
6 أنظر قرار المجلس التنفيذي لليونسكو رقم 121 م ت/ 1و 4 و5 بتاريخ 1985م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 3/447 والقرار رقم 125 م ت/ 1 و4 و5 بتاريخ 1986م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 4/448.
7 القرار رقم 116 م ت / 1 و 4 و5 بتاريخ 1983م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 3/443.
8 كامل العسلي، موقف المسلمين من القدس، ضمن كتاب: القدس في ضمير العالم الإسلامي، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي سنة 1415ه ص122.
9 قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 1/203.
10 انظر قرارات المجلس التنفيذي لليونيسكو، رقم 16 م ت 1983م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 1994م 3/444.
11 رضا لاري، هدم المسجد وبناء الهيكل، جريدة الجزيرة، العدد 9492 في 4 ج 2 سنة 1419ه، 24 سبتمبر سنة 1998م ص 7.
12 انظر على الخصوص القرار رقم 44/48أ، والقرار رقم 45/74 في 11 ديسمبر 1990م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 4/169 و4/221 وما بعدها.
13 انظر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/161ن، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 3/245.
14 انظر قراري لجنة المستوطنات البشرية رقم 12/11 في 2 مايو 1989م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 4/320.
15 قرارات برنامج الأمم المتحدة للبيئة رقم 16/13 في 31 مايو سنة 1991م، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 4/325.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved