,, الى الفصل دلف معلم اللغة العربية متأبطاً دفتر التحضير,, بهيئة يبدو منها التعب والارهاق فعقاله خلف رأسه,, وصدره قد فكت ازراره العليا,, دليلا على الشعور بالحر والبحث عن متنفس برد,, واكمامه مشمرة عن أياديه,, بصوته العالي ينهر الطلاب الذين وضح عليهم الصمت,, وضع دفتر التحضير على الطاولة التي امامه مما احدث دوياً في الفصل,.
اخذ جولة,, يتلفت ذات اليمين وذات الشمال,, ينهر هذا,, ويوبخ هذا,, بصوت عالٍ,, ماذا لديكم الآن,.
بصوت,, ضعيف ومتثاقل جماعي تعبير يا استاذ,, التفت الى السبورة وكتب بخط مائل وسريع بينما في الخلف تقبع مجموعة يبدو من اشكالهم ,, بأنهم ممن لا يكترثون بالدراسة ومن بين هؤلاء عبدالمجيد كبيرهم الذي علمهم هذا,, المنوال,, ها هو يضع غترته كعرف الديك فوق رأسه وضع رجل على الاخرى بهندام,, متسخ,, يبدو انه لم يعرف للنظافة طريقا منذ زمن,.
وطاقية وكأنها آيلة للسقوط من الخلف ايضا تحكي,, عن غياب النظافة كذلك,, شعره يعانق جبينه,, أذنية بدون ما اهتمام وحذاء شرقي,, تآكل آخرها من كثرة المشي,, وتحول لونها الى سواد,.
مما جعل قدميه تبدوان كأنهما قدما فحام وكذلك يديه اللتان تشمر اكمامه عنهما,, ايحاء بالعنترية الكذابة,, بجواره ممن هم,, تأثروا به ولكن لم يصلوا ,, الى هذه الدرجة من الشكل,, لا يمارسون هذه الجلسة ووضع الغترة إلا في الفصل فقط,, ينظر اليهم استاذ المادة بعد الكتابة,, على السبورة,, صوت مؤدب,, وجميل خرج من الامام,.
نكتب عن ماذا ,, يا استاذي,.
اكتبوا عن اي شيء,, عن حياتك,, الموضوع مفتوح,, اكتب عن حياتك اكتب بدون صوت,.
انهمك الجميع في التذكر والكتابة,, من لم يسمع الاستاذ ماذا قال,.
ومن لم يفهم الموضوع,, اثار همساً في الفصل.
الاستاذ/ وضع عقاله على الطاولة,, واسدل غترته وازاحها الى الخلف ليبدو جبينه,, ومقدمة شعر رأسه وعدل وضع اكمامه وازرار ثوبه وجلس ينظر الى الجميع وقد خيم الصمت عبدالمجيد,, اعجبه الموضوع,.
وكأنه ,, لمس شيئاً به,, فعدل جلسته واخرج الدفتر وقلمه من جيبه ووضع يديه حول دفتره,, حتى لا يراه من كان بجواره,, وبخط جميل وواضح طفق يكتب,, (اكتب عن نفسي,, عن حياتي التي ,, لا أعرف,.
ماذا,, اكتب عنها,, فكيف تكون حياة,, ابن لا يعرف ,, اباه,, إلا عند النوم,, ولا يعرف انه قادم الا بصوته العالي,, وامي التي لا اراها إلا عند الظهيرة,, تسحب اخواني الصغار خلفها,, وتذهب الى امها واختها ولا تعود الا بعد صلاة المغرب,, او عند العشاء,.
لتضمنا تلك الغرف الثلاث التي,, اصبح ايجارها يتسبب في أن نكون في الشارع فكثيرا ما سمعت صاحبها يؤنب والدي عندما يترصد له,, آخر الليل ويقول له لولا ,, الصغار الذين في الداخل لوجدتهم ينتظرونك في الخارج اين الايجار,, عن ماذا اكتب,, عن اخواني الصغار,, اننا ننام احيانا بدون عشاء,,, إذا لم يكن هناك بقايا,.
لغدائنا,, او فتات عيش,.
ابي مشغول,, لا ادري بماذا امي تؤنبه,, نصحو في الصباح على صراخهم وننام عليه كذلك,, أمي لا يعجبها الحال,, مقارنة باخواتها وليس رأفة بحالنا وخوفا علينا,, إنني اعترف أنني اخرج الى الشارع حتى لا أعيش,, وارى نظرات اخواني وحزنهم وثيابهم التي يرتدونها إنني امنعهم من الخروج الى الشارع حتى لا يراهم أبناء الجيران,, ممن تبرعوا لنا بهذه الثياب,.
اخرج الى الشارع فمنه تعلمت اشياء لا تليق بي ,, لأعود آخر الليل,.
ليس خوفا من اهلي,, لأن لا احد يسأل عني,, وانما لأنه لم يبق أحد سواي في الشارع فمن كان معي,, جاءوا أهلهم وأخذوهم بعدما أهالوا عليّ من النعوت والألقاب ما جعلني اطأطىء رأسي خجلا,, وألوم أبي,, وأمي,, إنني أنام,, وانا احمل همّ اخواني واحمد الله انه انا الوحيد الذي ادرس,, واحمل فسحتي فقط,, والدفاتر والثوب الذي لم يغسل,, الغترة كذلك ,, ولكنني تعودت على هذا,, انني,,,) انتهت الحصة والاستاذ ينهض ويجمع الدفاتر,, يصل الى عبدالحميد الذي لم يشعر بانتهاء الحصة وهو منهمك في الكتابة دون ان يشعر بأن الاستاذ/ يقف على راسه,, يسحب دفتره,, ويقول تكتب أنت,, ليتك تعرف تقرأ,, أخذ الدفاتر وحمل دفتر تحضيره وعقاله,, وخرج والطلاب من خلفه إلا عبدالحميد,, وقف يتأمل وكأنه,, يشعر بثمة شيء انزاح عنه هناك من بين كومة الدفاتر,, لفت الاستاذ خط عبدالحميد فأخذ يقرأ,, ما حملته الدفاتر ولكن يقرأ عن ماذا؟
تنهد الاستاذ إنها واقعة أكيدة,, انه كان في عالم,, أوصله لهذا,.
لم نعرفه الا انه كسول,, فقط,, لم يستطع احد من ان يجوس غياهب نفسه,, لأن الفكرة التي رسخت في عقولنا عنه هي انه (,,,,) ينشر الفوضى في الفصل ويوقد سعيرها,,, هكذا كان يحدث الاستاذ نفسه,, لكن اختلفت النظرة,, بعد القراءة,, قراءة النفس الصادقة,, قراءة إن ثمة خطأ في الحكم,, ثم تجاهل لبواطن الامور,, ثمة, تجنٍ من البشر احيانا,, هكذا نحن,,, لم نسبر أغوار النفوس التي لا تعجبنا نحكم عليها بالتهميش,, وأنها لابد ان تكون بعيدا,, عن العقل,, نقتنع بأفكار الناس,, وحكمهم,, ومن خلاله,, نعامل ونتعامل مع هذه النفوس ثمة تجنٍ,.
هكذا,, كان يجول في خبايا نفس الاستاذ,, يحدث نفسه,,, وضع دفتر عبدالحميد داخل دفاتره الشخصية,, في اليوم التالي وبعد الحصة الثانية,.
عم مرزوق الفراش الذي قال ذات يوم للمعلمين وهم يتحدثون عن عبدالحميد واشباهه ليتكم تعرفونه جيدا,, وتعرفون ما الذي جعله يكون هكذا,.
قالها,, ذات يوم,, ولم يكترث احد من المعلمين بكلامه,, ذهب الى الفصل وأتى بعبد الحميد,, بعد ان استأذن من استاذ (محمود) ذهب ولم يعد الا الحصة الرابعة عندما دلف الى الفصل وسأله,, مدرس الرياضيات؟؟
قال كنت هناك ,, عند المرشد واستغرب الاستاذ استئذانه وسرحانه عاد عبدالمجيد وثمة ورقة (مدسوسة) في جيبه,, ينظر اليها بين الفينة والاخرى,, ويترقب حتى ينتهي اليوم,.
الكل يسأل عنه,, عند انصرافه ابتسامة,, غير معهودة تلقاها من اساتذته,, بعد ايام,, وشهور وعبدالحميد أكثر نشاطا وكانت كتابته طريق,, الى صياغة الافكار,, وطريق البحث عن ضحايا,.
الثالثة يقف عبدالمجيد,, واضعا يديه خلف ظهره وامامه لوحة كتب عليها,, اعداد/ عبدالحميد,, وصورة له,.
أكثر نشاطاً وحيوية ونظافة,.
عبدالرحمن عبدالله المنصوري الطائف
** (الحصة السابعة) قصة جميلة، عرض فيها صديقنا الجديد عبدالرحمن المنصوري بكثير من التفصيل,, لقضية طالب (سيىء السمعة),, وان الظروف المحيطة به هي التي (أثرت) على شخصيته وجعلته بهذا الشكل غير المقبول في المجتمع!
* اسلوب كتابة القصة مشوق ومثير، ولكن هناك بعض الثغرات الواضحة في القصة أهمها الاطالة في وصف بعض المواقف التي لا تحتاج الى هذه الزيادة!!
تحية إعجاب نزجيها للصديق عبدالرحمن المنصوري,, في انتظار جديده القادم.
|