| مقـالات
من باطن المجتمع يكوّن المثقف العربي ثقافته، ومن معتقده يتأهل بأيدلوجيته لقيادته الفكرية والاجتماعية والإنسانية.
ولم يشهد التاريخ عهداً كعصرنا الذي فقد المثقفون أثرهم وتأثيرهم المجتمعي, في حين يصارع المثقفون كينونة الأفئدة في ذواتهم,, في بيئتهم على أثر الماضي الحضاري لكنهم على الرغم مما جادوا به من العطاء الفكري والتزامهم بالإنتاج المعرفي وأعني بذلك الملتزمين للتوجه العاقل بالعلم والفكر والعقيدة والأخلاق لم يستطيعوا، القيام بدور فاعل في البنية التحتية لمجتمعهم الإنساني بصفة عامة بمعنى أن المثقف العربي اليوم بات في لولبية الحركة إلى أعلى وباتجاه عكسي تماماً, ويكاد يفقد الفاعلية التأثيرية في أهله وأمته وأفراده، إذ فقد التأثير إلى العمق.
ومع أن ثروته المعنوية رصيدها جم وغفير فإن عتاده الاجتماعي والإنساني وأداته المادية ليست ضعيفة إلا أن إرادته البناءة فقدت بعض الثقة بالنفس، وذلك بتأثير خارجي عن مكانه وزمانه، الأمر الذي استطاع الغزو الفكري والمعنوي أن يستمر في الفت من عضده والتقليل من فاعليته فكان الذي يكون من السنة الكونية والناموس الإلهي في مثل هذه الحالة, وعلى اثرها اختلت موازين السلوك والتربية والتصنيع المعرفي الذي كان دور المثقف فيه رفيع المستوى لأنه القيِّم على مثل هذه المبادئ والأسس في كل مجتمعات البشر منذ فجر التاريخ الذي شهدت فيه البشرية أروع حضارات الإنسان المبدع بمعرفته القيادية وسلوكه الحضاري وأخلاقه الفاعلة، وقس في كل مجتمع من مجتمعات البشرية هذا الدور للمثقف هل تغيرت تأثيراته في أي مجتمع مثل ذلك الحال اليوم وبالذات في البيئة العربية والاسلامية؟ التي تغيرت فيها المفاهيم المعنوية بشكل عجيب؟ ومع أن الغزو الأجنبي ظل قوياً فإن أثر الأمة المعنوي ظل أقوى من كل القوى التي داهمت التصور الفكري لقادة الثقافة وأمراء الفكر وأرباب البيان, لأن أيدولوجيتها كأمة حضارة سابقة ظلت في الروح والذات والتوجه ولا يعني فقدانها القيادة الثقافية اليوم أمراً مخفياً أو شبه ذلك بل ان محاولات المفكرين لانتشالها من العمق الخطير معنىً وعلماً ومادة وعملاً واستراتيجية وتوجهات، كل ذلك للحفاظ على ماء الوجه الحضاري في سجلها المعنوي والفكري، وليس هذا فقط وإنما لدور هؤلاء المصلحين الفاعلين في أمتهم يكون واقعه مستمر العمل ودائم المسيرة نحو إصلاح ذاتها المغموس بغشاوة التخلف والجهل و اللامبالاة.
وبات دور المثقف معلوماً بلا أثر واضح للعمل الحضاري والإنجاز الفكري والسلوك الجمعي، وإن هذا الدور يكفي الإشارة بالتلويح الزمني الذي طال أمده، لو كان المسار الاجتماعي استمر كما كانت دورته القوية قبل الغزو الاستعماري والمعنوي والاقتصادي الذي رسَّب الغزو الفكري في ذات المجتمع وتصوره المعنوي حتى على مستوى الحياة اليومية, وليس على مستويات التفكير العميق لاستمرار الحياة بكل إمكاناتها فحسب, لذا وكما أرى ببساطة ينبغي للمثقف اليوم تغيير أدواته ووسائله الإصلاحية العملية لتجديد التفكير الثقافي في المجتمع وإنعاش ذاته من توهم التحضر المادي الذي يستمرئ ناظريه وما في ذلك توفر المادة وغزارة وسائل الراحة والتغذية والعمليات الباقية من الجنوح المائل نحو الاستمتاع بالحياة اليومية على وجه عام ودواعي الجاه والمحسوبية التي من شأنها الحط من المعنوية المجتمعية بوجه خاص.
إن المفكر العربي مثقف المعرفة وعادي الحضارة في الحياة التاريخية لأمته إذ ان رباطه بها ضارب البعد وآفاقه فيها بعيدة المرونة أي واسعها فما بال المجتمع لا يراوده حب به وأمان عليه وثقة به في خطة الإصلاح الاجتماعي التي طالما أمسك بزمامها في حين انتظر الساعة المناسبة لإعطائه هذا الدور الفاعل التاريخي,, ليعمق بعملية التفكير الثقافي في أفق تصور المجتمع نحو الكون والإنسان والحياة والعمل هذه، التأصيل القانوني لنظرية المعرفة الإنسانية في الحياة الواقعية، وليس في حياة المثل والنظريات المثالية التي لا تجدي المجتمع البشري شيئاً لتعطشه للعمليات الحياتية المجدية لعمل أفراده ونفسه ووفرة وسائل العيش الحقيقي الجامع بين المادة والأدب، والعمل والعلم، والحركية والقيم، وهكذا مما يجعل فرد هذا المجتمع وإنسانه يحس بالحياة ذاتها وليس بالحياة الصورية,.
فهل يحسم المثقف الموقف ويبادره مجتمعه بالثقة، كما يؤمل؟
هل يؤكد المثقف هذا الموقف التاريخي في كل زمن وظرف؟ إن الأمر بلا خيارات إلا خيار واحد هو المبادرة الحينية العاجلة، لتدارك العملية الثقافية في الحياة الإنسانية، وجعل المثقف لذلك الأمر أولوياته الفعلية, وأدواته العملية, ووسائله الدورية في المكان لا في الزمان المؤقت,, وفي المجتمع الفاعل لا في المجتمع المتصور؟
إن المثقف لم يفقد الأثر وإن كاد أن يفقد التأثير، وفي كلا الحالين لا يزال صاحب دور فكري على أقل تقدير، بل صاحب قدرة فعلية على نهج المسيرة التي يمكنه فيها التغيير الحالي لتصور المجتمع الذي يعايشه في الحياة اليومية الواقعية ومسيرتها العاملة بفاعلية دائمة, من تصور هلامي إلى تفاعل فكري عملي يعتمد على الإيمان والإرادة والتصنيع المعرفي الفاعل في المجالات العملية لحياة الإنسان اليومية أي أن المثقف عليه دور تحضري ومدني في نفس الوقت فالغرب سبقنا بفاعلية الثقافة والمعرفة والتنظيم المركز وعمل الحياة وجعلها إنجازاً واقعياً يومياً,, فهل أدركنا مثل هذا التنظير الفعال؟
|
|
|
|
|